«وما الدهر إلا من رواة قصائدى إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا».. كلمات امتدح بها أبو الطيب المتنبي، أحد أعظم شعراء العرب، فصاحته وبلاغته قبل نحو 12 قرنا من الزمان. لكن أبياته لم تكن سوي لؤلؤة من بحر اللغة العربية التي توجها القرآن الكريم. العربية كانت اللغة الأولي لعلوم الجبر والطب والكيمياء والفلك في مهدها، ولا تباريها لغة أخري في الشعر والفلسفة. بتاريخ ثري وطاعن في القدم وانتشار يتجاوز عدد سكان الوطن العربي إلي المسلمين حول العالم، تقف اللغة العربية الآن متدرعة في مواجهة أنواء الحداثة وما بعدها. وقد قررت منظمة اليونسكو- التابعة للأمم المتحدة- أن تحيي اليوم العالمي للغة العربية، الذي يتزامن يوم غد الجمعة 18 ديسمبر، بتنظيم نقاش دولى تحت شعار«مجامع اللغة العربية: ضرورة أم ترف؟». ويتناول النقاش، الذي سيجري عبر دوائر الفيديو كونفرانس، دور مجامع اللغة العربية في حماية اللغة وتعزيزها وأبرز التحديات التي تواجهها، وذلك بمشاركة خبراء وأكاديميين وصحفيين وممثلي مؤسسات متخصصة. وسيكون متاحا لأي مهتم الانضمام إلي الحوار الذي سيبدأ في ال 12 ظهر الجمعة لمدة ساعة ونصف الساعة، علي مواقع التواصل الاجتماعي لليونسكو عبر وسم #اليوم_العالمي_للغة_العربية. وأوضحت اليونسكو- علي موقعها علي شبكة الإنترنت- أن التقدم العلمي والاستخدام الواسع النطاق للغات العالمية مثل الإنجليزية والفرنسية أفضي إلي حدوث تغيرات عديدة في اللغة العربية، حيث أخذت هاتان اللغتان الأجنبيتان تحلّان تدريجيا محل اللغة العربية، سواءً كان في التواصل اليومي أو في المجال الأكاديمي. وفضلاً عن ذلك، قلّ استخدام اللغة العربية الفصحي مع تزايد أعداد الذين اختاروا استخدام اللهجات العربية المحلية، مما ولّد حاجة متنامية إلي صون سلامة اللغة العربية الفصحي . وأضافت أن سلامة الفصحي ستتحقق من خلال «جعلها تتماشي مع متطلبات المشهد اللغوي المتغير في يومنا هذا»، لكن المنظمة لم توضح كيفية هذا التماشي! يذكر أن اختيار يوم ال 18 ديسمبر يوما عالميا للغة العربية جاء بمناسبة اليوم الذي اتخذت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1973 قرارها بأن تكون اللغة العربية لغة رسمية سادسة في المنظمة. وإذا كان هذا اليوم يمثل مناسبة سعيدة لكل عشاق العربية، فإن هناك مطالب داخل الدوائر الثقافية في الوطن العربي بأن يكون تحديد تاريخ يوم الاحتفال بالعربية مرتبطا برموزها وتراثها ليزداد اليوم ابتهاجا. فعلي سبيل المثال تم اختيار يوم 23 أبريل للاحتفاء العالمي باللغة الإنجليزية وهو التاريخ المتعارف عليه علي أنه يوم ميلاد وليام شكسبير الشاعر الانجليزي الشهير. ومن بين ما تختص به العربية عن سائر اللغات، أن خطوطها تمثل دربا من دروب الفن ينتج لوحات. وتكشف العربية كما قال الإمام الشافعى عن «سعة لسان العرب وكثرة وجوهه وجماع معانيه وتفوقها». وقد امتد أثرها للغات الأوروبية وغير الأوروبية التي تشتق كثيرا من كلماتها من أسماء عربية، مثل «القطن» و«القهوة» و»صفر» في الانجليزية وعدة لغات أوروبية أخري. و«مسكين» في جزيرة صقلية الإيطالية. أما الفرنسية، فتقترض 500 كلمة أصلها عربي وذلك بحسب قائمة نشرتها صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية فى وقت سابق. ومن بين هذه الكلمات: «جيتار» وأصلها «قيثارة»، و«الجيراف» وهي «الزرافة». وأوضحت «لوفيجارو» أن الأديب الفرنسي «موليير» استخدم في مفرداته عدة صيغ وتعبيرات ترجع أصولها إلي خارج فرنسا وغالبيتها عربية. وبالنسبة للإسبانية، فقد كان تأثرها بالعربية عميقا للغاية، حتي إن أبجديتها هي الوحيدة في اللغات اللاتينية التي توجد بها حروف تنطق «خاء» و«ثاء». ومن بين الكلمات الإسبانية ذات الأصل العربى:«أثيتونا» وأصلها «زيتون». وقد عتب شاعر النيل حافظ إبراهيم قبل مائة عام علي بعض أبناء جلدته ابتعادهم عن العربية قائلا:» وسعت كتاب الله لفظا وغاية..وما ضقت عن آي به وعظات..فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة وتنسيق أسماء لمخترعات..أنا البحر في أحشائه الدر كامن..فهل سألوا الغواص عن صدفاتى». فماذا لو كان حافظ إبراهيم مشاركا في حوار اليونسكو؟!