د. محمد حسين أبوالحسن فى مفارقة من العيار الثقيل الأربعاء الماضي، أمر آبى أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي - الحائز على جائزة نوبل للسلام- الجيش الاتحادى الإثيوبى بشن حملة عسكرية على إقليم تيجراى شمال البلاد. على خلفية أزمة سياسية إثنية فجرها رفض آبى أحمد إجراء الانتخابات النيابية، بحجة كورونا ، وهو ما اعتبرته جبهة تحرير تيجراى تلكؤا للبقاء بالسلطة وعودة للديكتاتورية، فقامت بإجراء انتخابات فى الإقليم فازت بها، لكن الحكومة الفيدرالية رفضت الاعتراف بنتائجها، وعزلت حكومة الإقليم، فاندلع قتال عنيف بين الجانبين، يدفع إثيوبيا إلى المجهول، على مشارف الحرب الأهلية والتفكك. يكشف مسار المعارك، حتى الآن، عن فشل الجيش الإثيوبى فى فرض سيطرته على إقليم تيجراي، بل إن أهم وحداته بقيادة الشمال انشقت عنه وانضمت لجبهة تيجراي، فشل مبكر جعل آبى أحمد كالذئب المسعور؛ فأطاح بقائد الجيش ومدير المخابرات ومدير الشرطة الفيدرالية ووزير الخارجية. ليس من السهل، كسر شوكة التيجراي، برغم أنها لا تزيد على 6% من سكان إثيوبيا، استطاعت إنهاء حكم عرقية الأمهرة الاستبدادى الذى امتد مئات السنين، قادت (الجبهة) مع بقية القوميات الكفاح المسلح، للتخلص من الديكتاتورية الإقصائية، واستطاعت انتزاع حكم إثيوبيا منذ عام 1991، إلى أن تولى السلطة آبى أحمد المنحدر من قومية الأورومو ، والمتحالف مع الأمهرة والتيجراى عام 2018، قبل أن يغدر بالأخيرة ويهمشها؛ فالتيجراى جاهزون للنزال، ولديهم خبرة طويلة بالتمرد والحروب. تسعى جبهة تيجراى للهيمنة على إقليمها ومفاوضة الحكومة الفيدرالية ، فى أديس أبابا؛ من أجل اقتسام كعكة السلطة الاتحادية وترسيخ اللامركزية والفيدرالية، وإن فشلت فالمرجح أن تلوح بالمادة ال 38 من الدستور التى تتيح لأقاليم إثيوبيا العشرة حق تقرير المصير والانفصال، وهذا مرهون بقدرة الجبهة على الصمود وتوسيع دائرة المعركة إلى عرقيات وأقاليم أخرى تعانى التهميش والإقصاء، مثل الأورومو والعفر والعيسي؛ وقد أعلنت الجبهة أنها لاتعترف بحكومة آبى أحمد المنتهية ولايته. أمام خطورة الأحداث، أعرب أنطونيو جوتيريش أمين عام الأممالمتحدة عن قلقه بشأن الاشتباكات فى إثيوبيا. ذلك أن انفجار الصراع بين الجيش الإثيوبى وإقليم تيجراي، ليس من السهل احتواؤه، بالنظر إلى البنية الفسيفسائية للدولة متعددة الإثنيات والأديان والثقافات؛ حتى إن دبلوماسيين أمريكيين حذروا من أن يؤدى الصراع إلى تفتيت إثيوبيا، وقالوا: إن ذلك سيكون أكبر انهيار لدولة فى التاريخ الحديث!. ومن المحتمل أن تتدحرج كرة اللهب الإثيوبية إلى إريتريا والسودان وجنوب السودان والصومال وجيبوتى وكينيا، اضطرابا وإرهابا ولاجئين وكوارث إنسانية، بعض هذه الدول ربما ينخرط فى الصراع، مثل إريتريا التى يتحالف رئيسها أسياس أفورقى مع آبى أحمد، من أجل استعادة مثلث بادمى الحدودي، بينما ترفض الجبهة إعادة المثلث لأسمرة. معادلات حرجة تلقى بظلالها على القرن الإفريقى و حوض النيل ؛ فالمؤكد أن تلك الأحداث سوف ترتد تداعياتها على قضية سد النهضة ، إذ يواصل آبى أحمد- الذى يرفع (الهراوة) ويقصف مواطنيه بالطائرات- المراوغة والتعنت ورفض الوصول إلى اتفاق عادل منصف ملزم بين بلاده ومصر والسودان، مع اتخاذ خطوات أحادية تخالف القانون الدولي، مثل الملء الأول دون اتفاق، لحشد الرأى العام الداخلى خلفه وضمان انتخابه ثانية، لاسيما أن ولايته انتهت بالفعل، أما الاتحاد الإفريقى راعى المفاوضات فهو ودن من طين والأخرى من عجين، أما (الوفد السوداني) فى مفاوضات السد، فمواقفه تثير الريبة.. يوضح خبير الرى السودانى عبدالكافى أحمد أن وزير الرى الإثيوبى سيليشى بكلى كان يعمل فى مكتب واحد بأديس أبابا، مع ياسر عباس وزير الرى السودانى قبل تعيينه وزيرا. بينما كان دكتور سلمان محمد سلمان مستشارا قانونيا لإثيوبيا لسد النهضة، وعندما جاء حمدوك، بوساطة إثيوبية، رئيسا لوزراء السودان، عين سلمان مستشارا لوزارة الرى السودانية دون مراعاة تضارب المصالح. ماذكره عبد الكافى يوضح أنه لايمكن لمصر التعويل على (المفاوض السوداني) بأزمة السد. لقد انتهزت إثيوبيا ظروف مصر فى 25 يناير 2011 ، وشرعت فى إنشاء السد دون تشاور، بزعم توليد الكهرباء، ثم تكشفت نواياها أى السيطرة على النيل الأزرق، خاصة أنها لو قامت بالملء الثانى دون اتفاق ملزم، فسوف تتخذ دولتى المصب رهينة للأبد. اليوم تمر إثيوبيا باضطرابات حادة؛ ومن ثم يتساءل بعضهم: هل ترد القاهرة الجميل لأديس أبابا، حماية للمصريين من الفناء عطشا، لاسيما مع أفول عصر ترامب الذى أبدى، أواخر أيامه، تفهمًا للموقف المصري؟!. [email protected] * نقلًا عن صحيفة الأهرام