د. محمد السعيد إدريس أسبوع واحد يفصل الأمريكيين عن أهم استحقاقاتهم السياسية, فيوم الثلاثاء المقبل (الثالث من نوفمبر 2020) هو اليوم المحدد لإجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية بين كل من دونالد ترامب الرئيس الحالى مرشح الحزب الجمهورى الذى يسعى للتجديد لولاية رئاسية أخرى وجو بايدن نائب الرئيس الأمريكى السابق مرشح الحزب الديمقراطى ، لكن رغم ذلك فإن المشرفين على حملتى المرشحين ينتابهم ذعر لم يشعر به من سبقوهم فى مثل هذه التجربة ناتج عن خوف أكيد من وجود «حالة فتور غير مسبوقة» لدى جمهرة الناخبين، وأقصد هنا عشرات الملايين من الناخبين غير الحزبيين، أى غير المصنفين سياسياً بعضوية أى من الحزبين المتنافسين، وهم غالبية الأمريكيين. هؤلاء، وبعد أن عايشوا حالة التجريح غير المسبوقة التى قام بها كلا المرشحين لمنافسه لم تعد لديهم الحماسة الكافية للتصويت، حيث لم يترك أى من المرشحين لهذه الملايين من المصوتين شيئاً إيجابياً واحداً يغرى بالذهاب للتصويت. فمحصلة مبارزتين انتخابيتين مباشرتين بين ترامب و بايدن ، والإهانات المتبادلة بين الرجلين على مدى الأشهر الماضية أقنعت الناخبين ليس فقط بأن أيا من ترامب و بايدن لا يستحق أن يكون رئيساً للولايات المتحدة، بل أن الحزبين الكبيرين المتنافسين تقليدياً على الحكم فى الولاياتالمتحدة قد أشرفا على الإفلاس والتداعى بدليل عجزهما عن إفراز قيادات جديرة بالقيادة ومرشحين مؤهلين للرئاسة. حدث ذلك فى انتخابات عام 2016 السابقة عندما فرض دونالد ترامب نفسه مرشحاً رئاسياً للحزب الجمهورى رغم أنف هذا الحزب، حيث لم يكن الرجل من قيادات الجمهوريين ولم يسبق له أن خاض غمار السياسة أو حظى بعضوية أى من مجلسى الكونجرس: مجلس النواب ومجلس الشيوخ أو حتى كان حاكماً لولاية من الولايات. جاء ترامب من خارج المؤسسة، كما يقولون، ولم يكن لدى الحزب الجمهورى مرشح يملك القدرة على المنافسة فى تلك الانتخابات الرئاسية ، وتكرر هذا العجز بعد مرور أربع سنوات من حكم ترامب حيث لم يستطع الحزب الجمهورى تدارك عجزه، ولم يتمكن من طرح مرشح بديل ل ترامب يكون رمزاً لاستعادة مكانة الحزب الجمهورى. والكارثة نفسها متأصلة فى الحزب الديمقراطى . ف الحزب الديمقراطى لم يستطع أن يرشح شخصاً مؤهلاً للقيادة فى انتخابات عام 2016 سوى هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية فى إدارة الرئيس باراك أوباما، رغم كل المآخذ عليها كوزيرة للخارجية، وتكرر العجز فى الانتخابات الحالية عندما فشل زعماء الحزب الديمقراطى فى الدفع بشخصية قوية غير باهتة تملك من الإبهار والكفاءة وحسن السمعة ما يؤهلها لهزيمة الرئيس دونالد ترامب ، وإعادة الاعتبار للحزب الديمقراطى، ولعلهم يدركون الآن مدى خطورة هذا التقاعس وهم يتابعون ترامب وهو يكيل الاستهزاء تلو الآخر لمرشحهم الرئاسى الذى يحلو له دائماً أن يصفه ب «جو النعسان» و«البطئ»، ويحذر الناخبين من خطورة الوقوع فى خطأ انتخابه بديلاً عنه قائلاً: «إذا فاز معارضونا فلن يبقى أحد بأمان فى بلدنا». مؤكداً أنه، أى ترامب ، «الحصن الوحيد الواقف بين الحلم الأمريكى والعبثية والجنون والفوضى». ترامب تجاوز شخص جو بايدن وامتد بهجومه إلى الحزب الديمقراطى ، وتجاوز حدود انتقاد السياسات إلى التصنيف الأيديولوجى وترويع الناخبين باعتباره أن «برنامج بايدن يعد اشتراكياً.. بل قد يكون شيوعياً، وسوف يغرق البلاد فى أزمة». يحدث هذا فى الوقت الذى يعد فيه بايدن الأمريكيين «بطى صفحة الخوف والانقسامات وبإنهاء هذه المرحلة القاتمة فى تاريخ البلاد» ومخاطبته الجمهور قائلاً: «أعدكم إذا منحتمونى ثقتكم وعهدتم لى بالرئاسة فسأخرج أفضل، وليس أسوأ، ما لدينا، سأكون حليفاً للنور وليس للظلام». قد لا يكون هذا التشكيك فى القدرات من جانب المرشحين والنيل من مضامين البرامج الانتخابية أمراً مستحدثاً، لكن حجم ومستوى التنكيل المتبادل بين المرشحين، وتقديرات قادة الحزبين بجدية الأزمة يؤكد مدى خطورة الحال التى وصلت إليها أزمة النظام السياسى الأمريكى التى باتت تنعكس بقوة على النظام الاجتماعى كله وتهدد بتداعى هذا النظام وهذه هى الكارثة الكبرى. فعلى الرغم من تأكيدات استطلاعات الرأى بأن جو بايدن يتقدم ترامب بفارق كبير، ما يعنى أن نجاحه بات مضموناً، إلا أن قادة الحزب الديمقراطى والكثير من أعضاء الفريق الانتخابى ل بايدن يحذرون من خطورة الارتكان إلى نتائج الاستطلاعات خشية حدوث أية تحولات فى التصويت، فى حين أن كثيرين من قادة الحزب الجمهورى باتوا متشائمين إزاء فرص فوز ترامب بل امتد التشاؤم والخوف إلى تنبؤ بخسارة المرشحين الجمهوريين فى انتخابات الكونجرس لمجلسى الشيوخ والنواب وبعض حكام الولايات بسبب شخص دونالد ترامب وأخطائه. تزداد الخطورة إذا أخذنا فى الاعتبار تحذيرات سابقة للمرشحين الجمهورى والديمقراطى باحتمال «رفض نتائج الانتخابات». فهل يمكن أن تتحقق نبوءة توماس فريدمان الكاتب الشهير فى صحيفة نيويورك تايمز؟ففى ذروة تداعيات مقتل المواطن الأمريكى جورج فلويد (أسود البشرة) فى 25 مايو الماضى خاصة التظاهرات الصاخبة وانحياز الرئيس إلى الشرطة، وتفجر ما يمكن اعتباره «انتفاضة ضد الظلم العنصرى» حذر فريدمان (2/6/2020) من خطر «الانكسار» الذى يتهدد الولاياتالمتحدة، وقال «أنا لست متأكداً أننا سنكون قادرين على تنظيم انتخابات رئاسية حرة نزيهة فى نوفمبر المقبل وأن يكون لدينا انتقال سلمى للسلطة الرئاسية فى يناير 2021» . فريدمان فسر هذا التخوف بقوله : «نحن على أعتاب حرب أهلية ثقافية..». هناك من يتوقعون الأسوأ للولايات المتحدة التى فقدت، من وجهة نظرهم، ما يعتبرونه «قشرتها الصخرية» أى مجمل العلاقات بين مكوناتها الأثنية والطائفية والجنسية والتاريخية»، اعتماداً على تحليل يقول إن «أمريكا أمة يأكلها الغضب» وتعمق حالة الاستقطاب الطبقى والعرقى فى المجتمع الأمريكى، وتنامى قناعات بأن « الطبقة الحاكمة » من الحزبين باتت غير جديرة بقيادة الدولة. فهل أضحى التغيير السياسى الاقتصادى - الاجتماعى هو الهدف المطلوب وليس فقط التغيير الانتخابى أو حتى إصلاح النظام، بمعنى آخر هل أضحت الولاياتالمتحدة غير محصنة من أن تشهد «ربيعاً تغييراً» على غرار دول أخرى كثيرة؟ هذا ما سيجيب عليه واقع ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية . نقلا عن صحيفة الأهرام