فى مثل هذه الأوقات التى تسبق بدء العام الدراسي ، دائما ما كان يتجدد الجدل حول الزى الموحد فى المدارس وتتكرر الدعوات المطالبة بفرضه فى الجامعات بهدف إزالة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية وضمان الانضباط وعدم ارتداء الملابس غير اللائقة . ولكن فى زمن كورونا ومع اعتماد الغالبية على الدراسة عن بعد وتضاؤل احتمالات الانتظام فى المدارس والجامعات ، توارى ذلك الجدل وطرح سؤال جديد: ماذا يرتدى الطالب وهو يتلقى دروسه عبر الانترنت؟ سيسارع كثيرون بالإجابة أنه لو كان الدرس أو المحاضرة تفاعلية بمعنى أن المشاركين مرئيون، عليه ارتداء ملابس خروج، أما إذا كانت المواد مسجلة وسيتابعها بدون فتح الكاميرات فيمكنه ارتداء ما يحلو له. لا تتماشى تلك الإجابة مع رأى الخبراء النفسيين والذين ينصحون بارتداء ملابس عملية و أقرب إلى الرسمية، ويفضل الزى المدرسي، للشعور بالجدية والالتزام وتحفيز الدماغ خاصة فى حالة الدراسة غير التفاعلية. ربما يتساءل البعض وما علاقة الملابس بالشعور والتفكير حيث يعتبرونها مجرد أغطية وجزء من المظاهر الفارغة والخادعة التى لا يجب الالتفات إليها. ولكن الدراسات الحديثة أثبتت أن الملابس تلعب دورا كبيرا فى حياتنا وأنها تؤثر على سلوكنا ومزاجنا وتقييمنا لذواتنا وعلاقتنا بالآخرين. نعم الغرض الأساسى من الملابس كان الستر، والذى بدأ بورقة التوت، ثم الحماية من تقلبات الطقس (البرد والحر والأمطار) ولدغ الحشرات، ولكن مع تطور البشرية واختلاف الحضارات حدثت طفرات كبيرة فى صناعة الملابس وتضاعفت أهميتها بالنسبة للرجال والنساء على حد سواء. فالملابس هى لغة فورية تعبر عن شخصيتك حتى قبل أن تبدأ فى الكلام،فأول ما يراه الناس فيك هو ما ترتديه ومظهرك العام وبالتالى يكونون انطباعا سريعا عنك (قد يدوم طويلا) بناء عليه. وربما من هنا جاء المثل الشهير الذى ينصحك بأن تأكل ما تشتهيه وأن تلبس وفقا لمزاج الناس حتى تنال إعجابهم ويكونوا فكرة طيبة عنك. هى نصيحة مفيدة ولكن فى حدود، حيث إنه من غير المنطقى أن ترتدى ملابس لا تحبها ولا تليق بك لمجرد إرضاء الآخرين أو لمواكبة الموضة. فما تختاره فى الصباح لترتديه يؤثر على حالتك المزاجية وأدائك ويحدد ما سيكون عليه يومك بدرجة كبيرة. فالملابس الرسمية الأنيقة تمنحك شعورا بالقوة والثقة بالنفس، بل إنها تحفز الهرمونات الخاصة بفرض السيطرة،حسب الباحثين. وفى المقابل تضعك الملابس غير الرسمية الكاجوال فى حالة من الاسترخاء والمرح والتحرر من القيود، و تمنحك الملابس الرياضية دفعة للتمرين وتجدد طاقتك. أما اذا كنت فى حالة مزاجية سيئة عند الاستيقاظ، أو فى أى وقت آخر، ومضطرا للخروج وبالتالى ستمد يدك فى الدولاب وترتدى أى شئ والسلام، يثنيك الخبراء عن القيام بذلك وينصحونك بأن تنظر للملابس بوصفها أداة لتحسين المزاج وتجبر نفسك على ارتداء ملابس أنيقة ذات ألوان فاتحة ومبهجة مما سيسهم فى تعزيز طاقتك الايجابية. وبخلاف زيادة الثقة بالنفس وتحسين الحالة المزاجية وتقديم نفسك بصورة جيدة للعالم، تلعب الملابس دورا اجتماعيا آخر وهو التحول إلى رمز للانتماءات الدينية والعرقية والمهنية والرياضية،مما يفتح الباب أمام الاحترام والتقدير وفرض الالتزام بالقواعد، أو الازدراء والتنمر والتمييز العنصري. وكأى سلاح ذى حدين علينا التعامل مع الملابس بحرص ووعي: ندرك أهميتها حيث وصفها مارك توين، الكاتب الأمريكى الساخر، بأنها تصنع الرجال فى حين أن العرايا لا يكون لهم تأثير على المجتمع ومع ذلك نأخذ فى اعتبارنا دائما أنها مجرد غلاف خارجى ومن البؤس أن يكون الغلاف أفضل من اللحم الملفوف بداخله كما قال العالم الفيزيائى الأشهر ألبرت اينشتاين. * نقلًا عن صحيفة الأهرام