د. هبة عبد العزيز البعض يظن أن التحرش مجرد جريمة أخلاقية وربما مرض إجتماعي يخص الضحية وحدها، في حين أن آثاره النفسية والاجتماعية تطول المجتمع ككل فى صلب بنيته. وفي العقود الأخيرة أصبح التحرش الجنسي كابوسا يوميا تعيشه المرأة في الشارع والمواصلات وأماكن العمل والجامعات ومؤخرا عبر مواقع التواصل الإجتماعي ما يسمى « التحرش الإلكتروني »، وما يترتب عليه من جرائم متعددة لسنا بصدد ذكرها الآن. ومنذ عام 2009 وأنا أطالب - من خلال دراسة علمية نشرتها فى كتابي « التحرش الجنسي بالمرأة »، - بأن ينظر المجتمع إلى هذه القضية بشكل أكثر جدية بدلا من تحويلها إلى مجرد سلوك مجتمعي على الإناث التكيف معه بالصمت والكبت وكأنه قضاء وقدر! ما ينتج عنه بناء شخصيات غير سوية لا تتناسب مع احتياجات الدول في التنمية والبناء، وما أثار حنقي حينها إجابة بعض الذكور على استطلاعات الرأي بشأن هذه القضية حيث قالوا: إن الرجل لو لم يتحرش بالمرأة لغضبت؛ لأنها تجد نشوتها وتشعر بأنوثتها حين تتم مغازلتها!! بينما قال البعض الآخر: إن الإناث أيضا يتحرشن بالذكور ! ولن ننكر أن هناك حالات بهذا النحو ولكنها لم تتحول إلى ظاهرة؛ لأنها على نطاق ضيق، كما أن تحرش المرأة بالرجل لن يخدش حياءه، ولن يهتك عرضه، ولن يكبته نفسيًا، فضلا عن أن نظرة المجتمع للرجل المتحرش به لن تقذفه باللوم في ملبسه وهيئته وحتى ضحكته، ولن تعاقبه أسرته بعدم الخروج إلى الشارع بمفرده مثلا! فمجتمعنا الشرقي يلقي باللوم دائما على المرأة وكأنها شيطانة إلى أن يثبت العكس. ونحن هنا لن نتعامل بنفس الأسلوب ونلقي بالجريمة على المجتمع الذكوري بأكمله؛ فالقضية لن تتحول إلى مباراة بين شياطين ذكورية وملائكة أنثوية، في النهاية كلنا بشر ولا أحد منزه عن الخطأ، ولكن القضية الحقيقية في عمقها هي قضية تربية وتقويم في المقام الأول؛ حين تحول دور الأب والأم إلى مجرد دور مادي فكل منهم يجري على لقمة العيش لتحقيق مستوى معيشي لأسرهم، وتركوا الأبناء للتربية الذاتية في مهب الشبكة العنكبوتية والسوشيال ميديا، وانقطع تيار الترابط الأسرى ومات الحوار وتاهت القيم والمبادئ التي تربى البنت على أن جسدها ملكية خاصة وليس مشاعا، وكذلك الولد على أن النخوة والشهامة في غض البصر وليس في تحوله إلى حيوان تحركه شهواته بلا قيود، وأن الرجولة ألا يجور على أنثى غيره. واللافت أن قضية التحرش تفاقمت فجأة، وتبارى الكثير في استعراضها الآن؟ ثم نجد شيخ «كاجوال» ينشر «تويتة» يقول إن لبس الأنثى يستفز الذكورة المكنونة!! وكنت أحسبه يذكر الشباب بالخلق القويم وبأهمية غض البصر . وأتمنى أن تكون هذه الجعجعة لصالح المجتمع وليست مجرد ضجيج بلا طحين، والأهم أن ينتفض السادة النواب لتشريع قوانين صارمة وعقوبات مشددة تجاه المتحرش؛ فالقانون دائما هو المظلة الأنسب للإنسانية، فمن أمن العقاب أساء الأدب. وأود توجيه رسالة إلى المجتمع الذكوري من خلال مقولة «بلزاك»: يعتقد الرجل أنه حقق هدفه إذا استسلمت له المرأة، بينما المرأة لا تحقق هدفها إلا إذا شعرت أن الرجل يحترمها. * نقلا عن صحيفة الأهرام