يبدو أن المشهد الانتخابي في السباق الرئاسي الأمريكي لابد ألا يخلو من وجود موطئ قدم لروسيا فيه، فلم يكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن انتهى من قصة دعم موسكو له في الانتخابات التي جاءت به رئيسًا في 2016، بعد اختراق الإيميل الشخصي الخاص بمنافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون ، حتى برزت إلى السطح قضية جديدة مقرونة بأصابع روسية، وهي اتهام وحدة استخباراتية روسية بدعم وتمويل مقاتلين في تنظيم طالبان الإرهابي في أفغانستان لقتل جنود أمريكان والهجوم على قاعدة أمريكية بالدولة الواقعة بوسط آسيا. ووفقًا لما نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، الجمعة الماضي، فإن الوحدة 29155 في مديرية المخابرات الرئيسية الروسية، والتي تُعرف اختصارًا باسم (GRU) عرضت مكافآت على المتشددين في أفغانستان لاستهداف القوات الأمريكية في المنطقة، وأنها كانت لاعبًا رئيسيًا في جهود موسكو لنشر الفوضى في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك عملية اختراق البريد الإلكتروني الخاص بحملة المُرشحة الديمقراطية للرئاسة الأمريكية هيلاري كلينتون في عام 2016. وأضافت مجلة فورين بوليسي، قائلة إن "الوحدة 29155، المتهمة بعرض مكافآت للمتشددين المرتبطين بحركة طالبان الأفغانية، قادت مجموعة من العمليات الروسية المُشينة في الخارج على مدار السنوات الأخيرة، ومن بينها محاولة الانقلاب في الجبل الأسود في عام 2016، إلى محاولة اغتيال الجاسوس الروسي السابق سيرجي سكريبال وابنته في انجلترا". الغريب أن نشر ذلك التقرير يأتي في توقيت تستعد فيه واشنطن للخروج بقواتها من أفغانستان بعد حرب استمرت قرابة 20 عامًا، بناء على اتفاق بين إدارة ترامب وطالبان، وهو ما دعا الرئيس الأمريكي إلى تبرئة ساحة روسيا، في تغريدة له على موقع التدوين المصغر "تويتر" اليوم الأحد، قائلا إنه " لم يتم إبلاغه بمعلومات استخباراتية تفيد بأن روسيا قدمت مكافآت مالية لمقاتلين مرتبطين بحركة طالبان مقابل قتل جنود أمريكيين في أفغانستان"، منددًا بتقرير "نيويورك تايمز" قائلا "جريمة سياسية كاذبة أخرى للتايمز على الأرجح، على غرار خدعتهم الفاشلة بشأن روسيا". وأضاف: "لم يقدم أحد إلي إيجازا أو يبلغني سواء (نائب الرئيس مايك) بنس أو رئيس موظفي البيت الأبيض مارك ميدوز بشأن ما وصفت بالهجمات على جنودنا في أفغانستان من قبل الروس كما نقلت نيويورك تايمز للأخبار الزائفة عن (مصدر مجهول)". وقدمت إدارة ترامب، اليوم الأحد، مجموعة إحاطات مرفقة بوثائق مغلقة عن الأزمة إلى الكابيتول هيل وهي الغرفة التي تجمع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونجرس الأمريكي، بهدف تهدئة الاحتجاجات التي جاءت من الحزبين، وسط عودة مخاوف لدى الجمهوريون بشأن علاقة إدارة ترامب بروسيا، والتي تجسدت في رفض السيناتور الجمهوري ميت رومني مناقشة المواد السرية، قائلًا إنه "لا يجب أن نتعاطف مع روسيا أو نقدم لهم خدمة من أي نوع"، وتابع: "ما نعرفه هو أن روسيا تساعد طالبان ، وتقتل طالبان الأمريكيين ، وهذا كل ما نحتاج أن نعرف أننا يجب أن نكون صارمين تجاه روسيا "، وأشار إلى مجموعة السبعة قائلا: "بالتأكيد لا أريد دعوتهم إلى مجموعة ال 7". وأضاف السناتور بن ساس أن الإدارة بحاجة إلى الرد "بشكل واضح وبقوة" ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتابع: "أنا مهتم بسماع الإدارة تتحدث بوضوح عن خططهم التي ليست مجرد عقوبات افتراضية في وقت ما في المستقبل، ولكن ما الذي يجب علينا القيام به الآن لجعل لديك المزيد من الشكوك حول سلوكهم ليس فقط في أفغانستان ولكن على نطاق أوسع". وقد أطلقت التقارير التي نشرتها الصحف الأمريكية، العنان لعاصفة من الديمقراطيين لانتقاد إدارة ترامب والحزب الجمهوري، ودعا نواب الحزب الديمقراطي إلى عقوبات جديدة ضد روسيا، قائلين إنه "ستتم خدمة قواتنا المسلحة بشكل أفضل إذا قضى الرئيس ترامب وقتًا أطول في قراءة إيجازه اليومي ووقتًا أقل في التخطيط للعرض العسكري والدفاع عن آثار الكونفيدرالية". فيما أصدرت زعيم الديمقراطيين ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي بيان مشترك مع السيناتور في مجلس الشيوخ تشاك شومر، بعد مؤتمر صحفي مع مدير وكالة المخابرات المركزية جينا هاسبيل، أن "البيت الأبيض ومسئولون آخرون في الإدارة سعوا إلى التقليل من شأن المخابرات مؤخرًا، قائلين إنه كان هناك خلاف داخل مجتمع المخابرات حول ذلك وأنه لا يزال "لم يتم التحقق منه"، مضيفة: "ونفت الإدارة أن يكون ترامب قد اطلع على معلومات المخابرات ، لكنها تجنبت الأسئلة حول التقارير اللاحقة بأن المادة تم تضمينها في موجز المخابرات المكتوب للرئيس، والمعروف باسم موجز الرئيس اليومي، في وقت سابق من هذا العام". وبينما اعتبر ترامب التقارير المنشورة حول المكافآت "خدعة" أشار العديد من مشرعي الحزب الجمهوري إلى أنه حتى بعد إطلاعهم على المعلومات السرية، لا يزال لديهم أسئلة ومخاوف أوسع نطاقا حول أنشطة روسيا، ودعا السيناتور بات تومي دعي إلى حضور المسئولون بإدارة ترامب أمام مجلس الشيوخ وتقديم إحاطة سرية والإجابة على أسئلة جميع الأعضاء"، مضيفًا أنه "إذا تم التوصل إلى أن روسيا عرضت مكافآت لقتل الجنود الأمريكيين ، فإن الرد الأمريكي الثابت مطلوب في وقت قصير". فيما عبرت النائبة ليز تشيني، التي لم تكف عن انتقاد ترامب بشأن السياسة الخارجية، وماك ثورنبيري (من ولاية تكساس) العضو البارز في لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، عن قلقهما في بيان متوقعين أن تكون هناك إحاطات أخرى من إدارة ترامب، وقالا: "لقد كان واضحا منذ بعض الوقت أن روسيا لا تتمنى لنا الخير في أفغانستان.. نعتقد أنه من المهم السعي بقوة إلى أي معلومات تتعلق بروسيا أو أي دولة أخرى تستهدف قواتنا. إن الكونجرس ليس لديه التزام أكثر أهمية من توفير الأمن لأمتنا وضمان أن قواتنا لديها الموارد التي تحتاجها". وقال السيناتور روي بلونت عضو لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ، إنه يتوقع أن يتحدث المشرعون مع وكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي بعد اجتماع مغلق مع مدير المخابرات الوطنية جون راتكليف، مضيفًا أن روسيا "اتُهمت للتو بوضع مكافأة على رأس أفراد الخدمة الأمريكية ليس فقط، بل حلفاءنا في بعض أنحاء العالم.. وإذا كان هذا صحيحًا، فيجب دفع مقابل ذلك.. وسنعمل بجد في الأيام المقبلة لتحديد مدى عمق هذه المعلومات الاستخبارية ومدى صحة هذا الادعاء". وأضاف عضو لجنة المخابرات أنه "كانت السياسة الخارجية، ونبرة ترامب الحارة تجاه بوتين، نقطة خلافية بين مشرعي الحزب الجمهوري والرئيس الذي يعود إلى أيامه كمرشح، عندما وضع سياسة خارجية منعزلة في قلب استراتيجيته الخارجية عام 2016 منذ فوزه بمنصب الرئيس، وكانت بعض أكبر نقاط الانقسام بين طرفي شارع بنسلفانيا على السياسة الخارجية"، مضيفًا أنه "في عام 2017، مرر الكونجرس إجراء عقوبات روسية لاقت اعتراضًا من البيت الأبيض، وبعد ذلك بعامين، أدرج مجلس الشيوخ توبيخًا، صاغه زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، لسياسة ترامب في سوريا إلى تشريع أوسع. كما صوت مجلس الشيوخ عدة مرات لمنع جزء من مبيعات أسلحة ترامب للسعودية، مما أجبره على إصدار حق النقض". ويحاول أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون أيضًا استخدام مشروع قانون دفاع ضخم للحد من قدرة ترامب على سحب القوات الأمريكية من ألمانيا، وكذلك النواب ليندسي جراهام ماركو وروبيو كريستوفر كونز وتيم كين وجين شاهين، قدموا تعديلًا على قانون تفويض الدفاع الوطني لمنع الإدارة من تقليل عدد القوات العاملة في ألمانيا إلى ما دون 34500 جندي لأنه ضد مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة، فضلا عن محاولة ترامب دعوة روسيا للعودة إلى مجموعة السبع بعد الإطاحة بها من مجموعة الثماني في عام 2014 عقب ضمها شبه جزيرة القرم.