أعلن الرئيس العراق ي برهم صالح، تكليف رئيس المخابرات مصطفى الكاظمي بتشكيل حكومة جديدة، في ثالث محاولة لاستبدال عادل عبد المهدي وإخراج البلاد من مرحلة ركود سياسي عمقتها بوادر أزمة اقتصادية في ثاني أكبر دولة منتجة للنفط في منظمة أوبك مع انهيار أسعار الخام العالمي. وقال صالح، في مرسوم جمهوري، إنه "نظراً لاعتذار المكلف عدنان الزرفي، تم تكليف مصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة". وكان الزرفي أعلن في بيان تقديم اعتذاره "لأسباب داخلية وخارجية"، مؤكداً استعداده للانتخابات القادمة المبكرة. وفي واشنطن، أعربت وزارة الخارجية الأمريكية، عن أسفها لفشل الزرفي في مهمته وندّدت ب"تدخل" إيران المستمرّ في الشئون الداخلية العراق ية، مرحّبة بتكليف الكاظمي تشكيل الحكومة الجديدة. وقال مساعد وزير الخارجية لشئون الشرق الأوسط ديفيد شينكر للصحفيين "لقد أثبت كاظمي في وظائفه السابقة أنّه وطني وشخص كفء"، معرباً عن أمله في أن يتمكن سريعاً من تشكيل حكومة "قوية ومستقلّة". والكاظمي ليس شخصية جديدة مطروحة على طاولة السياسة العراق ية. فقد كان اسم رئيس جهاز المخابرات العراق ي واردا منذ استقالة حكومة عادل عبد المهدي في ديسمبر الماضي، وحتى قبل ذلك بديلاً لرئيس الوزراء السابق حيدر العبادي في 2018. كان اسم الكاظمي (53 عاماً) متداولا في أروقة المرجعية الدينية في النجف، كخيار محتمل لقيادة مرحلة ما بعد دحر تنظيم داعش في العراق . لكن عوامل عدة حالت حينها دون نيله التوافق، خصوصاً مع وصفه من بعض الأطراف الشيعية على أنه "رجل الولاياتالمتحدة" في العراق . وقبل نحو شهر، وجه فصيل عراقي مقرب من إيران اتهامات للكاظمي بتورطه في عملية اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، التي نفذتها واشنطن في بغداد. ولفت مصدر سياسي رفيع لفرانس برس إلى أن تسمية الكاظمي "تأتي مكسباً للعراق، خصوصاً في هذه المرحلة الاقتصادية الصعبة، ولضمان تجديد استثناء بغداد من العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران". دليل التوافق كان حضور صقور الشيعة مراسم تكليف الكاظمي في قصر السلام بوسط بغداد: زعيم تنظيم بدر هادي العامري ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض ورئيس الوزراء السابق حيدر العبادي ورجل الدين الشيعي عمار الحكيم. كما حضر رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وممثلة الأممالمتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت. لذا، يبدو أن هناك توافقاً إقليمياً على الكاظمي، الذي صار يملك ثلاث ركائز قوة في العراق . - الثالثة ثابتة؟ - أولى هذه الركائز هي علاقة متينة مع الولاياتالمتحدة، عززها في التعاون خلال مرحلة قتال تنظيم الدولة الإسلامية وصولاً إلى القضاء على زعيمه أبو بكر البغدادي. أما الثانية فهي بث الروح وتجديد خط التواصل مع إيران التي استثمرت ذلك بوضع ثقتها في الكاظمي كشخصية قادرة على نزع فتيل الأزمة في البلاد. والركيزة الثالثة هي علاقة أكثر من جيدة مع الجارة السعودية، خصوصاً وأن هناك علاقة صداقة تربط الكاظمي بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بحسب مصادر سياسية. منذ استقالة حكومة عبد المهدي في ديسمبر الماضي، يعيش العراق ركوداً سياسياً. وأصبح الكاظمي المحاولة الثالثة لتشكيل حكومة جديدة منذ بداية العام 2020، بعد اعتذار الزرفي، وقبله محمد توفيق علاوي. وأمام الكاظمي الآن حتى التاسع من مايو المقبل، لتقديم تشكيلته الحكومية. لكن مصدراً مقرباً من دائرة القرار، أشار إلى أن هذه المرحلة "مرّت"، مشيراً إلى أن "الحكومة وبرنامجها سيكونا جاهزين خلال ثلاثة أسابيع، والمحور الآن في مرحلة الحديث عن دور الحكومة في مستقبل العراق ". لكن ذلك لا يعني أن التحديات التي واجهت أسلافه لن تتواصل. فلا يزال الكاظمي أمام عقبة المطالبة بالانسحاب الأمريكي من البلاد، ومواجهة أزمة وباء كوفيد-19، إضافة إلى تراجع إيرادات النفط العراق ي إلى نحو النصف في شهر مارس. ويرى بعض المشككين في العراق أن الكاظمي ليس إلا حلقة في "مسلسل المماطلة السياسية" للإبقاء على عبد المهدي في منصبه.