أخطر شيء يواجهه البشر حاليا ليس الهجوم الشرس ل فيروس كورونا فقط، لكنه أيضاً الجهل والشائعات التى تنتشر حتى بين المتعلمين والمثقفين، فإن تواجه عدواً ليس مشكلة بقدر كونه مجهولاً، وهو ما فتح الباب أمام الجميع سواء كانوا متخصصين أو لا للحديث والكلام وتوجيه النصائح والترويج لحكايات بلا أي سند علمي، وهو ما جعل أدمغة الناس محشوة بطوفان من المعلومات المتناقصة، وصحيح أن صناعة الأمل مطلوبة ولكن حصاد الوهم قد يصبح أخطر من الفيروس نفسه، وفى حوار ل"بوابة الاهرام" مع د. عبد الهادي مصباح أستاذ المناعة وزميل الأكاديمية الأمريكية للمناعة والميكروبيولوجي، سنتوقف عند أبرز 10 أكاذيب يروجها كثيرون عن فيروس كورونا . - مازال كثيرون يتوقفون عند " نظرية المؤامرة " وكون كورونا فيروساً مخلقاً أو أنه نتاج تجربة بيولوجية خرجت عن السيطرة، هل هناك دليل علمي يعتمد عليه هؤلاء ؟ بصفة عامة نحن أمام أمر واقع علينا التعامل معه أولاً لإنقاذ أرواح البشر، خاصة وأن هذه الأمور لا يمكن كشفها بسهولة لأنها تتعلق بطبيعة الفيروسات نفسها وطفراتها، وهو يمكن أن يحدث بشكل بيولوجي طبيعي ، لكن بصراحة علينا أيضاً الاعتماد علي ما تسمي "الأدلة". الظرفية " ومنها أن أكثر من 39 دولة عندها أسلحة بيولوجية ولديها القدرة علي تصنيعها، وهنك كائنات كثيرة و20 نوعاً من الفيروسات الغريبة ظهرت لأول مرة خلال ال25 سنة الأخيرة بعضها سبب مشاكل كبيرة ، وكذلك السلاح البيولوجي عموما هو أرخص أنواع أسلحة الدمار الشامل ، مثلاً لو عندك مساحة كيلومتر مربع واحد تريد الهجوم عليه فإن السلاح التقليدي سيكلفك نحو 5 آلاف دولار، بينما السلاح النووي يكلف ألف دولار، أما السلاح البيولوجي ورغم خطورة تأثيره يكلف دولاراً واحداً فقط، كما لا ينكشف بسهولة، لأن له فترة حضانة عكس الأسلحة العادية المباشرة ، وبالتالي سأكون مخطئا لو تجاهلت هذه الدعاوي.. لكن الخطأ الأكبر لو تجاهلت الواقع بحجة توزيع الاتهامات بلا دليل لأننا أمام وباء وكارثة صحية واقتصادية وسياسية، ومنذ 20 عاماً بالمناسبة قمت بتأليف كتاب عنوانه " الأسلحة البيولوجية والكيميائية بين الحرب والمخابرات والإرهاب "كتب مقدمته الراحل الدكتور أسامة الباز، وتوقعت فيه أن الحروب القادمة ستكون هذه هي أساليبها، لأن الإرهابيين يستخدمون هذه الأسلحة. فيروس كورونا -ملايين البشر تعلقوا بعلاج الملاريا أو ما العلاج الخاص بالخلايا المناعية للمتعافين أو غيرها من العلاجات التي مازالت طور التجارب، بوضوح.. لو ظهر دواء اليوم ولكي يصبح معتمداً وآمناً، كم نحتاج من الوقت ؟! هناك فارق بين دواء موجود بالفعل ودواء جديد ، وكثيرون يعتقدون أن الدواء الذي كان يعالج الملاريا هو الأمل الوحيد.. لكن هناك 69 دواء تتم تجربتها حالياً في كل أنحاء العالم ، وهي أدوية قديمة كانت مخصصة لعلاج أمراض متعددة مثل الملاريا والإيدز والأيبولا وغيرها ، وميزة هذه الأدوية أنه تمت تجربتها فعلاً وهي آمنة ومعتمدة.. والفارق سيكون فقط في الجرعات المؤثرة بدون حدوث مضاعفات جانبية، كما أن الصين لديها نوعان من الأدوية نتائجهما ممتازة لكن معدل الإنتاج ليس كبيراً، وكذلك طريقة الخلايا المناعية للمتعافين ونتائجها جيدة ، لكن هل هذا يعني أنه يوجد دواء موجه ل فيروس كورونا ؟ الإجابة حتى هذه اللحظة لا.. وليس قبل شهرين أو ثلاثة، ومنظمة الصحة العالمية عندما تكلمت عن مدة تتراوح بين 8 أشهر وعام، فهي تقصد التوصل إلي اللقاح أي "التطعيم " الذي يتم منحه للشخص السليم لحمايته من العدوى. فيروس كورونا -فجأة انتشرت فيديوهات لأشخاص يدعون أنهم أصيبوا خلال الشتاء الماضي بنزلة برد غير عادية كانت أعراضها شديدة وتصل للالتهاب الرئوي، وهم يعتقدون أنهم ربما تعرضوا بالفعل لعدوي كورونا ، هل هذا ممكن ؟! اللافت في هذه الحالات حسب روايات أصحابها أنها وقعت بتواريخ تسبق نوفمبر 2019 عند تسجيل أولى حالات كورونا رسمياً في ووهان الصينية، وهنا سأتوقف مع الحالة الرسمية التي تم اكتشافها لمريض بالإيدز وكانت في ولاية كاليفورنيا الأمريكية في صيف عام 1981 ، لكن خلال السنوات الأخيرة أكدت الدراسات أن هناك وفيات لأشخاص في الكونغو عام 1959 كانت دماؤهم تحتوي علي أجسام مضادة لفيروس الإيدز، أقصد أنه وارد أن يكون كورونا موجود قبل حالات ووهان الصينية، لكن هذا الكلام يظل بدون دليل علمي حتي يتم إخضاع هؤلاء الأشخاص لتحليل خاص بالأجسام المضادة وهل بالفعل أصيبوا بالعدوى وأجسامهم قاومتها أم لا . فيروس كورونا - أرشيفية - رغم تسجيل عدد من دول إفريقيا لحالات مصابة لكن مازال البعض– ومنهم أطباء – يروجون لاحتمالية أن درجات الحرارة المرتفعة ذات تأثير على انتشار الفيروس والعدوي، هل هناك سند علمي علي هذا الكلام ؟ هذا الفيروس ينشط بشكل مثالي عند درجة حرارة 30 تحت الصفر وحتى 10 درجات فوق الصفر، بعد ذلك يكون موجودا بشكل متوسط حتى درجة حرارة 30 مئوية حيث يصبح أقل نشاطاً، ولكنه لا يختفي، تماماً مثل الإنفلونزا العادية .. يقل نشاطها في الصيف لكنها تظل موجودة ، ومعظم فيروسات الجهاز التنفسي يقل نشاطها في درجات الحرارة العالية لكنها لا تموت ، وسمعت البعض مؤخراً ينصح الناس بعدم تشغيل التكييفات في البيوت وهذا في رأيي غير مؤثر، لأنك لو التزمت بالبقاء في المنزل فأنت في مأمن تماماً .. ولو لم تلتزم وعدت للبيت فماذا سيكون تأثير التكييف سواء كنت تحمل العدوي أم لا ؟ -بعدما تم الترويح في البداية لأن أصحاب المناعة العالية أو السن الصغيرة في مأمن من تدهور الأعراض حتى لو كانوا يحلمون الفيروس ومصدراً للعدوي .. لكن هناك حالات تم تسجيلها لوفيات من صغار السن ولا يشكون من أمراض مزمنة، هل هي مجرد استثناءات أم دليل علي أن الجميع معرض للخطر ؟! الكل معرض للخطر وأسطورة أن صغار السن في مأمن انتهت في أوروبا وأمريكا ، وسأقول لك الأخطر وهو أن الدراسات في أمريكا وجدت أن صغار السن قد تتحول مناعتهم القوية لسلاح ضدهم إذا وصلوا للمستشفيات في مرحلة متأخرة ، والحكاية معقدة بعض الشيء لأنه يحدث نوع من التفاعل الشديد والمقاومة التي تؤدي لعاصفة من المواد المناعية ، كما أن الإيطاليين وجدوا نسبة بين الشباب المصابين كانت لديهم أيضاً أمراض مزمنة لكنهم لا يعرفون.. أو أنهم يحصلون علي علاج لأمراض تجعل مناعتهم تماماً مثل كبار السن وأسوأ . فيروس كورونا - أرشيفية - بالمناسبة.. من كثرة الحديث عن خطورة الفيروس على كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة أعتقد بعضهم أن إصابتهم بالعدوي يعني بالضرورة الوفاة ، لكن الموت هنا هو للأسف النتيجة الحتمية ؟ بالطبع لا ليس بسبب كورونا لكن لأن كبار السن طبيعي أن يتأثروا بأي فيروس ، فمرضي الضغط والسكر والقلب أو الذين يتم علاجهم بمثبطات مناعة كلهم في خطر أمام أي فيروس عموماً ، لكن هذا يتوقف علي طبيعة كل حالة وهل يعاني من مرض واحد أو أكثر وطبيعة أدويته وحالته الجسدية وهل مرضه تحت السيطرة أم لا، بدليل أننا شاهدنا الأمريكية التي تعدت التسعين وتعاني من أمراض مزمنة ورغم ذلك شفيت من كورونا وبصحة جيدة، أيضاً هناك مقولة تتردد بخصوص أن كورونا مثل الحصبة ومن أصيب به وشفي لن يصاب به مرة ثانية، وربما لا يعرف كثيرون أن الحصبة معدية أكثر 18 مرة من كورونا لكن الحمد لله تم اكتشاف تطعيم لها، ومازلنا نحتاج لوقت لاكتشاف هل كورونا مثل فيروس الإنفلونزا العادية سيتأتي علي موجات كل سنة أم مثل الحصبة . فيروس كورونا - أرشيفية
-في البداية كنا نتوقف عند احتقان الحلق الشديد والحمي والكحة الناشفة باعتبارها دليلا مبدئيا علي العدوى، لكن معظم المرضي إما لم تظهر لديهم أعراض أو بعضهم ظهرت لديهم أعراض عكس السابقة مثل الكحة ببلغم، هل معني ذلك أن المسحة هي التأكيد الوحيد ؟! كل الكلام عن الأعراض باعتبارها واحدة عند كل البشر تغير تماماً ، وبخلاف درجة الحرارة بقية الأعراض تتفاوت وتختلف حتى في درجتها ، والمشكلة أنها كلها تتشابه مع أمراض أخرى كثيرة ،ولهذا أطالب بتحليل للأجسام المضادة لأنه سريع وسهل وأقل تكلفة بكثير مقارنة بتحليل ال PCR ، فعن طريق هذا التحليل يمكننا تقسيم كل الناس لنوعين إما igg وهو يعبر عن عدوي قديمة ولكن عنده مناعة سواء من مرض سابق أو أصيب بالفيروس وأنتهي ولا يحمله ، وهذا الشخص يمكن أن يذهب لعمله عادي جداً لأنه لا يعدي الأخرين، أما الشخص الذي تحتوي أجسامه المضادة علي igm فهو إما حامل للعدوي وينقلها للأخرين قبل ظهور الأعراض عليه بنحو يومين ونصف تقريباً ، أو عنده أعراض مرضية، وهؤلاء يتم عزلهم في منازلهم أو المستشفي حسب الحالة، وبالطبع يتم نقل الذين يصابون بأعراض شديدة منهم للرعاية المركزة ، وهذا التحليل لو تم تعميمه علي كل المواطنين سيساعد كثيراً في تحديد مصدر العدوي وعلاج المرضي واستمرار عجلة الإنتاح ، وهذا ما فعلته ألمانيا وكوريا الجنوبية ولذلك نسبة الوفيات عندهم أقل، بصراحة .. العزل مهم ولكن الأهم لابد وأن نهاجم هذا الفيروس ولا نكتفي فقط بانتظاره ، لابد من صيغة ما لاكتشافه قبل أن يقوى ويصبح أكثر شراسة . فيروس كورونا - أرشيفية -مع التحذير من التجمعات والدعوة للبقاء بالمنازل وغسيل اليدين باستمرار.. البعض يتوقف عند إصابة ملوك وأمراء ورؤساء ومشاهير ومسئولين كبار بالفيروس رغم كونهم بديهياً يتمتعون بأعلي درجات الحيطة والرعاية ... ما تفسيرك ؟! ببساطة نحن نحارب عدواً مجهولاً لديه أساليب غامضة في الهجوم يطورها باستمرار بشكل لا يتخيله أحد، وهو هنا لا يفرق بين أمير وغفير، ولهذا يجب أن يفهم الناس في العالم كله لماذا نلجأ لأسلوب العزل ودعوات " أقعد في البيت" ببساطة مديرة معهد الفيروسات في مدينة فرانكفورت الألمانية توقفت عند طائرة وصلت المدينة وكان على متنها 24 شخصاً، بالكشف عليهم تبين أن 7 منهم مصابون بكورونا، وبتحليل أدق تبين أن 3 منهم عندهم أعراض مرضية .. لكن المفاجأة أن كثافة وجود الفيروس كانت أكبر بكثير عند الأشخاص الأربعة الذين لم تظهر عليهم أية أعراض ، وبالتالي خلال فترة حضانة الفيروس وقبل ظهور الأعراض يكون الإنسان أكثر عدوي بدون أن يشعر أحد، ولنعرف حجم المشكلة أكثر فإن كل إنسان مصاب يعدي ما نسبته في المتوسط 2.6 إنسان، ويظل الفيروس ينتقل حتي 10 أجيال من العدوي لتصل المحصلة أن الشخص الواحد يعدي 3600 شخص.. وقد يظل هو نفسه بدون أعراض لكنه يتسبب في وفاة عدد منهم، ولذلك مسألة العزل علي الأقل للمحافظة علي مستوي أقل من العدوي ، فحسب المعدل في بعض الدول فإن أول 100 ألف مصاب تم تسجيلهم خلال 67 يوماً ، بينما ال100 ألف الثانية تم تسجيلها خلال 11 يوماً فقط، ووصل الرقم إلي 300 ألف مصاب خلال 4 أيام تقريباً ، وبعد ذلك تحدث فوضي شاملة وتتضاغف الأرقام بمتوالية هندسية وليست عددية . فيروس كورونا - أرشيفية - الدراسات الأمريكية الأخيرة أضافت لطرق العدوي المباشرة بخلاف العطس والكحة احتمالية التنفس المحمل بالرزاز مع قرب المسافة، هل هذا قد يجعل كل البشر في لحظة ما مجبرين علي ارتداء الكمامات طوال اليوم ؟! في أمريكا الكل حالياً يرتدي الكمامة في أي مكان ، لكني أعتقد أن المسألة تتوقف علي كون المكان جيد التهوية أم لا، فمثلاً إذا كنت في الشارع وكل من حولك يلتزم بالإجراءات الوقائية عند العطس أو الكحة.. فاحتمالات العدوي أقل مما لو كنت في مكتب مغلق وضيق مع مجموعة من زملاء العمل، ولهذات تأتي أهمية التباعد وقرارات الدولة بتقسيم العمل، وكذلك تظهر خطورة الطوابير والتجمعات . -دخل مؤخراً علي الخط تجار الأعشاب وبعض الصيادلة بهدف الترويج لأدوية المناعة أو مشروبات معينة " تزيح الفيروس من الحلق نحو المعدة "، بوضوح .. هل يمكن لنظام غذائي أو أدوية أن تعيد تشكيل مناعة إنسان خلال يومين أو ثلاثة ؟! مستحيل طبعا، باختصار المناعة تشبه الجيش .. هل ممكن تجهيز جيش لخوض حرب شرسة خلال يومين ؟! فكما تحتاج لفترة طويلة للتدريب والتجهيز بالأسلحة والأدوات ، الأمر نفسه للمناعة .. فما بالك وأنت نفسك أضعفت جيشك بالتلوث والتدخين والسمنة والأغذية الجاهزة والأمراض وقلة النوم والتوتر وصراعات الحياة وإدمان الموبايلات وعدم ممارسة الرياضة ، لكن بصفة عامة لابد وأن نعتبر هذا الوباء فرصة لبداية أسلوب حياة مختلف ، وفي النهاية أشير لنقطة أخيرة .. صحيح أن كثرة التعرض للأخبار السيئة قد يؤدي لليأس والإحباط ويضعف المناعة ، لكن هذا لا يعني الانتقال من خانة المبالغة في رد الفعل إلي خانة الاستهانة واللامبالاة والتي قد تجعلنا في وضع أكثر خطورة ، خاصة وأن البعض لا يتصرف بمسئولية إلا وقت الخطر .. تماماً مثل التزامه بإشارة المرور لمجرد وجود عسكري أو كاميرا ، لابد من التوازن قدر الإمكان .