اذا كانت الحرب العالمية الأولي قد أدت إلي ظهور نظام عصبة الأمم، والحرب العالمية الثانية إلي نظام الأممالمتحدة وصندوق النقد الدولي والحرب الباردة إلي نظام القطبية الثنائية سياسياً واقتصادياً وانتهائها إلي نظام القطب الواحد فإن الحرب العالمية الثالثة الجارية حالياً ضد فيروس كورونا سوف تؤدي إلي نظام عالمي جديد بمفاهيم استثمارية وأطروحات تكنولوجيا مختلفة اختلافاً جذرياً عما كان سابقاً. فقد فرضت مواجهة فيروس كورونا تداعيات متنوعة محلياً وإقليمياً ودولياً ومهما اختلف حجم ونوع التأثيرات وأبعادها.. فإن الأمر المؤكد أن خريطة التوجهات الاستثمارية في زمن مابعد كورونا ستغير من شكل الاقتصاد العالمي بمختلف مكوناته انطلاقاً من الدروس الصعبة والتجارب القاسية التي فُرضت فرضاً في زمن الكورونا. فقد يكون من المقبول حدوث مشاكل وظهور تحديات وتفاقم أزمات وتعثر في مواجهتها احياناً ونجاح في أحيان اخري لكن غير المقبول هو التسامح او الإهمال في عدم الاستفادة من دروس وخبرات مثل هذه الازمات والتي يمكن رصدها في الأزمة الحالية علي ثلاث محاور رئيسية. المحور الأول: التوسع في الاستثمارات الصحية وتوجيه النصيب الأكبر في الاستثمارات العالمية في هذا الاتجاه لأنه قد أصبح من المؤكد أن مخاطر الصراعات المسلحة قد أصبحت هي الأقل الحاحاً في النظام الدولي القادم وهو مافرضته أزمة كورونا كأمر واقع ولنا أن نتخيل أن دولة مثل ايطاليا والتي تمتلك أفضل النظم الصحية عالمياً قد انهارت مع الاسف في المراحل الأولي أمام هذا الفيروس ويقاس علي ذلك بنسب متفاوتة معاناة دول مثل فرنسا واسبانيا وحتى الولاياتالمتحدة الآن.. فهذه الأنظمة ستكون مضطرة لأن تراجع اولوياتها الاستثمارية لتتراجع الميزانيات الدفاعية لصالح الميزانية الصحية بحيث تكون الاخيرة قادرة علي التوسع استثمارياً رأسياً وأفقياً ونوعياً في الدفاعات الصحية علي كل المحاور مثل البحث العلمي والطب الوقائي والتدريب والصناعات الدوائية والمنشآت والمعدات الطبية وبرامج التوعية الصحية والأنظمة اللوجستية للعمليات الطبية والصحية. هذا التغيرالمستقبلي في الإدراك العالمي وبالتالي في الاولويات الاستثمارية للدولة ينبع من حقيقة طبيعة المكون الافلاطوني للمهام الرئيسية للدولة في العقد الاجتماعي وهي الأمن..الصحة.. التعليم وفق الاساس الفلسفي لنشأة الدولة الحديثة. المحور الثاني: تعميق التغييرات المرتبطة بالتحول الرقمي في منظومة العمل والتعليم فما كان يمثل ريادة في العمل عن بعد قبل كورونا..والتعليم عن بعد المطبق في بعض المدارس والجامعات الرائدة والذي أصبح أمراً واقعاً في زمن كورونا،سيتحول بعدها إلي نهج عالمي وأسلوب سائد في الأعمال والتعليم وهو ماسيكون من شأنه خفض التكاليف وتغيير في المؤسسات والشركات والهياكل الاقتصادية بما يحقق وفورات مالية يجري استثمارها في مسارات الاستثمار الجديدة وتعظيم العوائد والأرباح وتطبيق مفهوم القرية العالمية في التسوق والعمل والتعليم وغيرهم. المحور الثالث: يرتبط بالمحور السابق لأن التحول الوارد فيه سوف يتطلب بالضرورة توجيه المزيد من الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا والاتصالات وبرامج التواصل وتقنيات انجاز الأعمال عن بعد بما يتناسب مع التوسع الضخم في هذه الاستخدامات وزيادة الطلب عليها بشكل كبير. وفي ضوء هذه التوجهات العالمية المتوقعة ينبغي علي رواد الأعمال خاصة في الأسواق الناشئة البدء في دراسة التغيرات المطلوبة في مسارات ومنظومات الأعمال وفق طبيعة ومكونات وتوجهات كل نشاط وتعديل الخطط القائمة وفق هذه الدراسات بأسرع مايمكن ولعل من المأمول ان يكون لهذه التغييرات دور كبير في تفادي مثل هذه الأزمات واثارها الصحية والاقتصادية والاجتماعية مستقبلاً.. فالخطأ طبيعي و أحياناً صحي أما تكراره فهو حماقة لن يتحمل العالم تكرارها. وحتي يمكن ضمان ذلك فان العمل وفق هذه المحاور هو أمر حتمي وليس بدائل تتمتع فيه الدول والمستثمرون برفاهية الاختيار لان هذه المحاور ستصبح من الاركان الرئيسية للنظام العالمي الجديد الذي انتجته دروس فيورس كورونا الاشد ايلاماً للبشرية منذ الحرب العالمية الثانية.