كان المسلمون يشبهون رجب بمن يهييء الزرع وشعبان بمن يسقي الزرع رجب شهر مبارك واصطفاه الله وفيه الإسراء والمعراج وتهيئة النفس لرمضان المعظم فضل الله الأيام بعضها على بعض، والشهور بعضها على بعض، وبهذا التفضيل أقبل علينا شهر من الأشهر التي حرم الله فيها القتال، وهو شهر رجب وكانوا يعلمون قيمة هذا الشهر في الجاهلية قبل الإسلام، ويعظمونه، وقد قال تعالى عن الخلق والاختيار، (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ)، القصص:68 وهذا الاختيار يدل على كمال حكمته وعلمه وقدرته ومما اختار سبحانه الأشهر الحرم ومن هذه الأشهر شهر رجب الذي بين جمادى وشعبان، وهناك من المسلمين من يصوم أول يوم في رجب، وهناك من يقول لا نصوم، وهناك أقوال وأفعال يفعلها بعض المسلمين في رجب، اعتقادا منهم بأن النبي، صلى الله عليه وسلم فعلها، ولكن نبدأ بتعريف شهر رجب فهو الشهر السابع من شهور السنة الهجرية وهو أحد الأشهر الحرم التي قال الله عز وجل فيها: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) التوبة:36، وقال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره: (خَصّ الله تعالى الأشهر الحرم بالذكر ونهى عن الظلم فيها تشريفًا لها، وإن كان منهيًا عنه في كل الزمان، وعلى هذا أكثر أهل التأويل، أي: لا تظلموا في الأربعة أشهر الحرم أنفسكم، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) في الاثني عشر شهرًا؛ أي كل الشهور، وليس الأربعة فقط. رجب المحطة الأولى ويقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية، بجامعة الأزهر، إن رجب أول محطة في الأشهر الحرم، فقد ثبتت مشروعية الأشهر الحرم (رجب الفرد)، وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، بكتاب الله تعالى حيث قال الله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)، ثلاث متواليات، ورجب الفرد، وأجمع العلماء على أن الأشهر الحرم، يضاعف فيها الأعمال، إيجابا أو سلبا، ويحرم فيها القتال، بكافة صوره، سواء على المستوى الفردي، أو الجماعي، لقد روى سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه أن الرجل في الجاهلية، كان يقابل الأشهر الحرم، وفي الحرم نفسه قاتل أباه أو أخاه، فلا يبادره بسوء تعظيمًا للأشهر الحرم (في الجاهلية)، وقال أهل العلم يثن الإكثار من الطاعات والكروبات في الأشهر الحرم، ومما يدل على شرف فاتحة الأشهر الحرم وهو رجب، أن من أوصافه (رجب الأصم)، قالوا وصف بالأصم لعدم استخدام الأسلحة في القتال، فلا تسمع فيه قعقعة الأسلحة، وبرز المسلمون في الأعصر المتأخرة على أن يستبشروا بهلاله خير الاستبشار وأيضًا يحتفلون بمعلم من معالم السيرة النبوية، ألا وهي الإسراء والمعراج، قال تعالى: (وذكرهم بأيام الله)، قال النبي، صلى الله عليه وسلم، (أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم)، وقال بعض العلماء: (ومن الكروبات والطاعات بالأشهر الحرم، صيام التطوع، دون تحديد أيام بعينها، وكان المسلمون يشبهون رجب بمن يهيئ الزرع، وشعبان بمن يسقي الزرع، ورمضان بحصاد هذا الزرع، ولمثل هذا فليعمل العاملون، وليتنافس المتنافسون. صيام غرة رجب ليس بسنة تتبع ولا ببدعة تجتنب وأوضح الدكتور كريمة، أن هناك قاعدة أصولية فقهية، تقرر أن تروك النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، لا يدل على الحذر أو المنع، فرسول الله صلى الله عليه وسلم، ترك أداء صلاة التراويح في رمضان جماعة، وسيدنا أبوبكر كذلك، وصدرا من خلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذا الترك في وقائع وحوادث لا يدل على المنع، سوا في خيال المتطفلين على موائد العلوم الشرعية؛ لأن يفرق ما بين البدعة والمصلحة المرسلة، وما بين أمور العبادات والعبادات، صيام غرة رجب ليس بسنة تتبع ولا ببدعة تجتنب. وعلى من يصوم هذا اليوم، نقول له تقبل الله صالح أعمالك؛ لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، فهو صيام تطوع، لم يرد أمر فيه أو نهي. ماذا نفعل فيه وعن الخيرات التي في شهر رجب أكد دكتور كريمة، أنه شهر الخيرات، بدليل أنه من الأشهر الحرم، وعلى المتصارعين من المسلمين المتحاربين، أن يكفوا عن القتال تعظيمًا لما عظمه الله تعالى، حيث قال تعالى (فلا تظلموا فيهن أنفسكم)، وأن يقتدوا بصدر الأمة المسلمة، في تحريم القتال بين المسلمين. وعلى جماعات العنف السلوكي مراجعة أنفسهم وكف أذاهم عن المسلمين، على المستوى، ويجب اغتنام الشهر الحرام على مستوى الأفراد للمسلمين، وقضاء حوائجهم، والإكثار من الأذكار الشرعية والأدعية المأثورة. دعاء رجب وأضاف كريمة، أنه ورد أن الصحابة كانوا يدعون، اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان، ونصيحتي في هذا الشهر لكل المسلمين هي: (اصبرروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون). شهر يغفل عنه الناس ويقول الدكتور محمد عبدالرحمن الريحاني، عميد دار كلية العلوم، بجامعة المنيا، إن الأشهر الحرم التي ذكرها الله في كتابه منها أربعة حرم، وشهر رجب من الأشهر المفضلة، ولكن لم يرد حديث صحيح يخص رجب بالفضل، إلا حديث حسن: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم أكثر ما يصوم في شعبان، فلما سئل عن ذلك قال: إنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهذا الحديث يفهم منه أن رجب له فضل أما حديث ” رجب شهر الله، وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي ” فهو حديث ضعيف جدًا، وأضافت، أنه من ينبغي علينا ألَّا نخص شهر رجب إلا بما خصه الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم أنه شهر محرَّم يتأكد فيه اجتناب المحرمات لعموم قول الله عز وجل في الأشهر الحرم: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) (التوبة:36) رجب مضر وأضاف الريحاني، إن رجب مضر، هو إضافة إلى مضر، لأنهم كانوا متمسكين بتعظيمه، بخلاف غيرهم، فيقال إن ربيعة كانوا يجعلون بدله رمضان، وكان من العرب من يجعل في رجب وشعبان، ما ذكر في المحرم وصفر، فيحلون رجبًا ويحرمون شعبان، وقال صلى الله عليه وسلم: (ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان)، فقيده بهذا التقييد مبالغة في إيضاحه، وإزالة اللبس عنه قالوا: وقد كان بين مضر وبين ربيعة، اختلاف في رجب، فكانت مضر تجعل رجبًا هذا الشهر المعروف الآن، وهو الذي بين جمادي وشعبان، وكانت ربيعة تجعله رمضان، فلهذا أضافه النبي صلى الله عليه وسلم إلى مضر، وقيل لأنهم كانوا يعظمونه أكثر من غيرهم. فكل هذه الأسماء التي أطلقت على شهر رجب، تدل على تعظيم الكفار لهذا الشهر، وربما كان تعظيم مضر لشهر رجب أكثر من تعظيم غيرهم له، فلذلك أضيف إليهم. الإسراء والمعراج وأوضح الدكتور الريحاني، قائلا: من الراجح لدى كل العلماء حسب الأخبار والآثار المنقولة، أن الإسراء قد تم في شهر رجب، لكن هناك خلافًا بين العلماء في موعد الإسراء أنه كان يوم 27 رجب أم في غيره، لكن معظم الآراء تتفق على أن الإسراء كان في شهر رجب، والخلاف فقط في الليلة نفسها، ومادام من الثابت قرآنا وسنة بأحاديث النبي، أنه قد تم الإسراء والمعراج، فمسألة التوقيت لا تقدم ولا تأخر كثيرا. وأضاف، رجب شهر الله، فإذا كان الله عز وجل اختصه بالنسبة له، فهو تقرب لصاحب الشهر، ويترك الأجر للمولى عز وجل، لأن الله قد اختاره واصطفاه من الأشهر الحرم، والله يصطفي من الزمان زمانا لبركة الأزمنة، كما يصطفي من الناس رسلا لرحمة الإنسانية، كما يصطفي من الملائكة رسلا يجري على أيديهم الخير للبشر، كما اصطفى السيدة مريم على نساء العالمين، وينصح الريحاني المسلم بأن يتقرب إلى الله بقدر ما يستطيع قولا وفعلا، لأن الله إذا نسب الشهر لذاته، فهو شهر مبارك، والخير فيه مضاعف على قدر صاحب العطاء، وهو شهر أيضا الاستعداد لشهر رمضان المعظم، وتهيئة للنفس، وأما عن تهيئة النفس فهي أعظم الجهاد، فليست العبادات بالكلمات أو الحركات التي تؤدى، وإنما العبادات بصدق الأفعال والنيات مع الله. المحرر مع الدكتور محمد الريحاني عميد كلية دار العلوم الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر