قال الدكتور حسن حماد، أستاذ الفلسفة، عميد كلية الآداب الأسبق بجامعة الزقازيق، إن سامي النشار كان من الرعيل الأول الذي تأسس على أيدي الفلاسفة الفرنسيين، كما تتلمذ على يد الشيخ مصطفي عبد الرازق، لكن ذلك التكوين الفكري بالرغم من تعدده وثراءه، لم يجعله يحيد عن ميله إلى الاتجاه الأصولي أو السلفي. وأضاف حماد، خلال الندوة التي أقيمت حول كتاب "نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام"، لعلي سامي النشار، اليوم، ضمن محور "الكتب المؤسسة للثقافة العربية"، وشارك فيها بصحبة والدكتورة هالة فؤاد، أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة، أن اتجاه النشر كان واضحًا في مؤلفاته التي اصطبغت بتلك الصبغة الإسلامية البحتة، وأكد أنه لا يراه فيلسوفًا بقدر ما يراه مؤسسًا لتاريخ الفلسفة الإسلامية وتاريخ علم الكلام والتصوف. وقال حماد: "أتخذ من كتاب علي سامي النشار مناسبة لأحاول أن أجيب عن سؤال لماذا ماتت الفلسفة في العالم العربي؟ الحقيقة نحن لم نستطع أن نتخلص من وهم القداسة أو لم نستطع التخلص مما يمكن أن نسميه بالنرجسية التراثية، ومن وجهة نظري، وهي خاصة وأتحمل مسئوليتها، أن النزعة التلفيقية التي سادت تاريخ الفكر العربي الإسلامي هي المسئولة عن ذلك، بالتأكيد الفلسفة الإسلامية تأثرت بالفلسفة اليونانية وبالتأكيد أنها حاولت إيجاد صياغة توفيقية بين الفلسفة اليونانية وبين النص القرآني". وأضاف: "هناك فلاسفة يكفرهم التراث العربي الإسلامي ويقصيهم من المشهد مثل محمد بن زكريا الرازي وابن الراوندي وهم أخطر الفلاسفة الحقيقيين، سواء نختلف أو نتفق معهم، الذين استطاعوا أن يتخلصوا من أسر اللاهوت، وللأسف تم تهميش هذا التراث وتم التركيز على لحظة الغزالي والفكر الأشعري ومن ثم تم تهميش التفكير العقلاني بدءًا من المعتزلة وحتى الفلاسفة مثل ابن رشد الذي ينظر إليه النشار باحتقار ويعتبره من المقلدين للفكر اليوناني لهذا غزت تلك الفكرة الأصولية تاريخ الفكر الإسلامي القديم والوسيط والحديث حتى يومنا هذا فالبعض حتى اليوم تأسرهم الثوابت ويخشون السؤال." وقال حماد: إن هذه المسألة أدت إلى اضمحلال الفلسفة وأصبحت الفلسفة أكثر نضجًا وازدهارًا في دول المغرب العربي أما مصر وباقي دول العالم العربي أصبحت الفلسفة لديها مجرد اجترار للماضي وعزف على الحان قديمة عفي عليها الزمن. وأكد أن "المشكلة تكمن في كلمة واحدة وهي عدم قدرة المفكر الإسلامي على الفصل بين المقدس والدنيوي أو بين الدين والفكر أو الدين والعلم، فعلمنة الفكر هي الحل وإذا أردنا لهذه الأمة أن تنهض علينا تحييد الدين عما هو علمي وفلسفي وفكري". وأضاف أن عشوائية الواقع مرتبطة بعشوائية الفكر ولا يمكن اعتبار أي كتاب مقدس في الدنيا أنه يحوي على إجابات لجميع الأسئلة بالعكس هذا ضد الدين نفسه، موضحا "أنت تحول تراثك إلى جثة هامدة، فإذا أردت أن تنهض عليك أن تتحرر من الذات ومن أسر الهوية فالهوية تم اختزالها واختصارها في مسألة الدين واللغة في حين أن الهوية تتحقق في كل لحظة مسألة خلط الأوراق شديدة الخطورة، حين نقول إن الشوري هي الديمقراطية وعدالة عمر الاشتراكية فهو خلط شديد لا يؤدي للنهوض بل يؤدى إلى أعطال كل فرصة للفكر وأعمال العقل". واستطرد "حتى هذه اللحظة لا يوجد لدينا فلسفة بالمعني الحقيقي فنحن لدينا جبن فكري فالبنية اللاهوتية التي تعتمد علي الأبوية سواء أبوية النص أو أبوية الرؤساء أو غيرها فالنظرة الأصولية تعتمد علي الطاعة المطلقة لا تناقش أو تتسائل وتحفظ التابوهات التي نطلق عليها ثوابت لا يمكن الاقتراب منها". بينما اختلفت الدكتورة هالة فؤاد، مع الدكتور حسن حماد في بعض النقاط مؤكدة أنه لا يمكن تحرير الذهنية التلقيدية التي تسيطر علي الفلسفة المصرية اليوم دون تفتيت المسلمات في الكتب المؤسسة، فالفلسفة لا تتقدم إلا بانتقاد الفيلسوف للفيسلوف الذي يسبقه واحترامنا للرواد الأوائل لا يتعارض مع انتقاد فلسفتهم. وقالت: "مدرسة الشيخ مصطفي عبد الرازق مدرسة لا يمكن فهمها بمعزل عن علاقة الرواد الأوائل بالحركة الاستشراقية التي سادت الجامعات المصرية لذا أتصور أنها قامت على آليات دفاعية، وأيضا أرى أن النشار أعاد إنتاج أفكار العصر الوسيط وعلاقته بالفلسفة اليونانية وهي بدأت مع كتاب نشأة الفلسفة الإسلامية للشيخ مصطفي عبد الرازق، إذا قرأنا الكتاب سنجد أن الفصول الأولي هي رد علي آراء المستشرقين بشكل دفاعي وبعد هذا الرد ينتهي إلى إن تلك الفلسفة الاسلامية ليست وجه الفلسفة في الاسلام وانما يقبع في علم اصول الفقه ثم بعده لا مانع من الحاق علم الكلام. بمعني أن هذه ليست فلسفتنا لكن لا مانع من الدفاع عنها هذه مدرسة ظلت مسيطرة علي كل الباحثين في الفلسفة الاسلامية سواء في علم الكلام أو التصوف أو العلوم الاسلامية إلي الآن". وأضافت أن المفكرين بداية من تلامذة الشيخ مصطفي عبد الرازق بما فيهم الشيخ عبد الرازق في لحظة الميل إلي خلق فلسفة استقلالية اسلامية هي نفسها اللحظة التي يخضعون فيها لسيطرة المستشرقين فبالنظر إلي الكتب نجد أن الأسئلة الأساسية التي يطرحها الباحث العربي المسلم هي ذاتها أسئلة الاستشراقي. وأوضحت: "إلي الآن نحن نناقش هل الفلسفة الإسلامية إسلامية أم عربية وهذا ليس سؤالنا وإنما سؤال المستشرق لأن المستشرق لديه أزمة أنه آت من منطقة المركزية الأوروبية فهو لا يعترف بك أصلا كوسيط بينه وبين اليونانيين القدماء بل يراك مجرد ناقل ومحرف لتراثه اليوناني الذي يحاول أن يتواصل معه." وقالت: إننا أمام بنية فكرية تابعة بامتياز للمستشرقين وهي المتحكمة في ذهن باحثينا في هذا المجال".