تحل اليوم الذكرى الأولى لمقتل أسامة بن لادن، زعيم القاعدة ومؤسس التنظيم الذى أذاق أمريكا الأمرين طوال عقد من الزمان. ورغم مرور عام على مقتل بن لادن، إلا أنه يبقى حاضرًا على الدوام على الساحة السياسية الأمريكية، وعزز من هذا الحضور تزامن ذكرى رحيل بن لادن مع انطلاق حملات الانتخابات الرئاسية، ومحاولة كلا المعسكرين الديمقراطى والجمهورى استخدام الملف الأمنى، وخطر تنظيم القاعدة لجذب الناخبين إلى صفوفهم. باراك أوباما استهل إعلان إطلاق حملته لولاية ثانية فى البيت الأبيض، بتذكير الأمريكيين بالإنجاز الذى حققه بتصفية بن لادن وتخليص أمريكا من أكبر أعدائها خلال العقد المنصرم فى نجاح يحسب لإدارته، بعد فشل سلفه جورج بوش الابن فى إزاحته من الواجهة طوال 8 سنوات أمضاها فى البيت الأبيض. وقال أوباما فى مؤتمر صحفى: إن ذكرى قتل بن لادن هى وقت من أجل التأمل في الجهود التي بذلها كل من شارك فى تنفيذ مهمة قتل زعيم القاعدة، مشيرًا إلى أن الشعب الأمريكي يتذكر جيدًا ما أنجزناه كدولة في تقديم شخص قتل أكثر من ثلاثة آلاف من مواطنينا إلى العدالة، "نافيًا فى الوقت نفسه أن تكون إدارته تُحضّر لاحتفال مبالغ فيه بهذه الذكرى. ويرجع تحفظ الرئيس الأمريكى على الاحتفال بذكرى مقتل بن لادن إلى مخاوف الإدارة الأمريكية أن يثير هذا الاحتفال حفيظة تنظيم القاعده ويحفز أنصاره على مهاجمة منشآت أو رعايا أمريكا، سواء داخل البلاد أو خارجها، وهو أمر يدرك أوباما جيدًا أنه يمثل ضربة موجعة تقوض مساعية لولاية ثانية فى البيت الأبيض. إدارة أوباما من جانبها استغلت الحدث وأعلنت عزمها نشر بعض الوثائق التي تمت مصادرتها من المنزل الذي قتل فيه بن لادن في مدينة أبوت آباد قرب إسلام آباد على الإنترنت، وهى وثائق تروج فيها واشنطن أن بن لادن كان يؤمن أن القاعدة تتعرض لكارثة تلو الأخرى. وتهدف الإدارة الأمريكة من نشر وثائق بن لادن فى هذا التوقيت- موسم الانتخابات- إلى توجيه رسائل عدة إلى تنظيم القاعده والجمهور الأمريكى فى آن واحد. أولها أن أمريكا استطاعت فى السنوات الأخيرة ومن خلال إستراتيجية الحرب على الإرهاب أن تضعف تنظيم القاعدة عبر سلسلة من الضربات الموجعة، استهدفت أفرعه الرئيسية فى أفغانستان وباكستان وشبه الجزيرة العربية، حتى وصل التنظيم إلى درجة من الضعف، لم يبلغها من قبل. ثانيًا يدرك أوباما مدى الخوف والقلق الذى تولد لدى الجمهور الأمريكى عقب أحداث الحادى عشر من سبتمبر، ويدرك أن عنصر الأمن يعتبر البعد الثانى الذى يبنى عليه الناخب الأمريكى رأيه فى اختيار الرئيس بعد البعد الاقتصادي، ومن ثم جاء التركيز على قتل بن لادن، كرسالة واضحة أن الأمريكيين أصبحوا أكثر أمانًا من ذى قبل بفضل سياسات أوباما ضد الإرهاب. ثالثًا يمثل التخلص من بن لادن أحد أهم الوسائل التى يهاجم بها أوباما خصومه الجمهوريين وبالتحديد منافسه الرئيسي ميت رومنى، مستغلا فى ذلك تصريحًا أدلى به رومني عام 2007، شكك فيه في الحكمة من إنفاق موارد ضخمة على مطاردة بن لادن. وقال أوباما: "أعتقد أن على المرء أن يعني ما يقوله عندما يقوله" ، مضيفًا: "قلت إنني سألاحق بن لادن إذا سنحت لنا فرصة واضحة لذلك - وقد فعلت". واتهم أوباما رومنى بأنه اتخذ موقفًا ضعيفًا ومتذبذبًا من استهداف بن لادن فى محاولة لتحقيق مكاسب سياسية من قتل زعيم القاعدة العام الماضي. ونظرًا لعلمها بخطورة الاتهام على فرص مرشحها فى سباق الرئاسة، ردت حملة رومني على الفور على تصريحات أوباما، بالقول إن كلمات أوباما ليست سوى "حيلة سياسية"، وأن رومنى "بالتأكيد" كان سيلاحق بن لادن. من المستبعد إذن أن تتوارى سيرة بن لادن عن الساحة الأمريكية فى القريب العاجل، ولكن تشير التوقعات إلى تزايد الحديث عنه لسنوات طويلة، بصفة خاصة حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية، أواخر العام الجارى.