تسعى الصين لإجراء مناورات عسكرية مشتركة مع دول جنوب شرق آسيا في بحر الصينالجنوبي، المتنازع عليه، وفق ما ورد في مسودة وثيقة، لكنها تصر على ضرورة عدم إشراك دول من خارج المنطقة، وهو ما يعتبره مراقبون محاولة لتقليص النفوذ الأمريكي. وتعد مقترحات الصين، التي تشمل أيضًا إجراء عمليات استكشاف مشتركة للنفط والغاز، جزءًا من جهودها لتوسيع نفوذها في بحر الصينالجنوبي، الذي تؤكد أحقيتها بالسيادة عليه بالكامل، ومحاولة لإبعاد واشنطن التي دعمت دولًا تعلن بالمثل سيادتها على أجزاء من البحر. وجاء هذا التحرك مع وصول وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الخميس، إلى ماليزيا، في أول محطة له من جولة إقليمية يتوقع أن تحتل التوترات البحرية مع بكين مكانًا بارزًا فيها. وسينتقل بومبيو إلى سنغافورة، السبت، لإجراء محادثات مع نظراء آسيويين ومن الاتحاد الأوروبي، حول قضايا سياسية وأمنية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، في مسعى من الولاياتالمتحدة للترويج لرؤيتها الإستراتيجية في هذه المنطقة المحورية. ومنذ سنوات يتم العمل على مدونة سلوك بين الصين ورابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان" لضبط سلوكيات الدول في بحر الصينالجنوبي. وتحدد مسودة الوثيقة، التي اطلعت عليها فرانس برس، المواقف المختلفة للدول حول الاتفاق والمساومات التي تنتهجها، وأشار محللون إلى أنها تمثل بعض التقدم الأولي. وبحسب المسودة، تمارس فيتنام أقوى معارضة لنشاطات الصين، وتدعو الدول المطلة على البحر إلى وقف بناء الجزر الاصطناعية وتأسيس قواعد عسكرية عليها. لكن لم تكن هناك أي إشارات تذكر لمقاومة جدية من بلدان أخرى، ما يظهر انحسار الاعتراض في جنوب شرق آسيا في السنوات الأخيرة على التوسع الصيني في البحر الغني بالثروات. وخلال اجتماع وزراء خارجية دول آسيان في سنغافورة، اليوم الخميس، أعلنت بكين الاتفاق على نص مدونة السلوك الذي سيطرح للنقاش. ووصف وزير خارجية سنغافورة فيفيان بالاكريشنان الذي ترأس الاجتماع المسودة بانها "إنجاز كبير". وأضاف "تهدف مدونة السلوك إلى ضمان بناء السلام والاستقرار والثقة، بحيث نتمكن من الاستمرار بتحقيق تقدم جماعي بين آسيان والصين في الوقت الذي نأخذ فيه بعض الوقت لحل النزاعات الإقليمية"، وأشار إلى أنه من السابق لأوانه تحديد موعد انتهاء المفاوضات. ولسلطنة برونايوماليزيا والفيليبين وتايوان وفييتنام مطالب منافسة للصين بالسيادة على البحر، وقد تصاعد التوتر في السنوات الأخيرة بسبب بناء الصين جزرًا اصطناعية في المنطقة يمكن أن تستقبل قواعد عسكرية، وقيامها بتسيير دوريات بحرية تهدف إلى ضمان حرية الملاحة. وتقترح بكين في المسودة إجراء تدريبات عسكرية مشتركة بشكل منتظم مع دول آسيان العشر، ومع ذلك فانها تشدد على أن المناورات لا يجب أن تشمل دولًا من خارج المنطقة "إلا اذا تم إبلاغ الأطراف المعنية مسبقًا ولم تبد أي اعتراض". وقال هوانغ ثاي ها، من مركز دراسات آسيان، إن الاقتراح باستبعاد دول خارجية "يستهدف بشكل واضح الولاياتالمتحدة التي تهيمن على مياه غرب المحيط الهادي وبحر الصينالجنوبي على وجه الخصوص". وأضاف ثاي ها أنه عبر اقتراح دوريات عسكرية مشتركة تحاول الصين بعث "رسالة ضمنية إلى العالم أنه بإمكان آسيان والصين العمل معًا، والأمور تتقدم بشكل حسن، لذا لا حاجة لتدخل خارجي في قضايا بحر الصينالجنوبي". واقترحت بكين أيضًا أنه بإمكان الصين ودول آسيان إجراء عمليات استكشاف مشتركة للنفط والغاز في البحر، مع التشديد مجددًا على استبعاد الشركات من خارج دول المنطقة من نشاطات كهذه، كما ورد في المسودة. وقال وزير الخارجية الصيني وانغ لي للصحفيين: "نعتقد أنه بدون أي إزعاجات من الخارج ستتسارع وتيرة المشاورات حول قواعد السلوك". وأضاف "لقد أنجزنا قفزة في التقدم بالعلاقة بين آسيان والصين من الكمية إلى النوعية"، مشيرًا إلى أن أولى المناورات البحرية المشتركة ستجري في أكتوبر المقبل. وأبدت فيتنام أشدّ معارضة للصين حول الخلاف البحري في الفترات السابقة، واعترضت بشكل منتظم على نشاطات بكين في الجزر والمياه المتنازع عليها، ومع ذلك فإن المعارضة خفتت في دول أخرى من جنوب شرق آسيا، واعتبر محللون أن هذه الدول حريصة على اجتذاب الاستثمارات الصينية، وقلقة من مدى استمرار الالتزام الأمريكي بالمنطقة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب.