هي السورة الوحيدة في القرآن الكريم التي افتُتحت بأحد أسماء الله الحسنى، وهي أيضًا السورة التي لم يذكر اسم الجلالة "الله" في أيٍ من آياتها, فيها من الدلائل والبراهين ما يؤكد عظمة الله, وفيها من الوصف ما يبين روعة جنة الخلد.. إنها سورة الرحمن... عروس القرآن الكثير منا يعرف أن سورة "الرحمن" تعرف باسم "عروس القرآن"، وعن تسميتها بهذا الاسم ذكر الإمام السيوطي في "الإتقان في علوم القرآن"، عن علي رضي الله عنه أن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال: (لكل شيء عروس وعروس القرآن سورة الرحمن). وفي هذا قال العلماء ليس هذا تسمية لها بهذا الاسم، لأن اسمها هو الرحمن، ويرجع لاسم الله الذي بدأت به السورة، ولكنه ثناء وتمجيد لها ودليل على عظمة ما جاء فيها من دلائل وحدانية الله وقدرته، فهي تعالج أصول العقيدة كغيرها من السور المكية، ولكن بأسلوب متميز فريد، وتستعرض سورة الرحمن عددًا من آيات الله الكونية الدالة على عظيم آلائه ونعمه، وعميم فضله وكرمه على جميع خلقه، وإن كان كثير من عباده المكلفين من الإنس والجن غافلين عن تلك الآلاء والنعم، أو مكذبين بها، أو منكرين لها من قبيل الجهل أو الانحراف. دلائل عظمة السورة ومن الآيات الكونية التي استشهدت بها السورة الكريمة على صدق ما جاءت به من الحق كما بين الدكتور زغلول النجار: 1 - أن الله هو الذي أنزل القرآن الكريم، أنزله بعلمه، وعلمه خاتم أنبيائه ورسله، كما علمه عددًا من خلقه. 2 - وأنه سبحانه هو الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وقضية نشأة اللغات شغلت بال العلماء والمفكرين لقرون طويلة دون جواب سليم. 3 – والله هو الذي أجرى - ولا يزال يجري - كلا من الشمس والقمر بحسبان دقيق, وهذا ينطبق على كل أجرام السماء، وعلى كل لبنات بنائها الأولية. 4 - وأن كل ما في الوجود من الجمادات والأحياء يسجد لله (تعالي)، ويسبح بحمده. 5 - وأن الله هو الذي رفع السماء بغير أعمدة مرئية، ووضع ميزان التعامل بين الخلائق، وأمر بعدم الطغيان فيه. 6 - وأنه جل وعلا هو الذي وضع الأرض للأنام، وهيأها لاستقبال الحياة، وجعل فيها من النباتات وثمارها ومحاصيلها ما يشهد على ذلك. 7 - وأنه سبحانه خلق الإنسان من صلصال كالفخار (طين يابس له صلصلة), وخلق الجان من مارج من نار (من لهب النار، من أحسنها). 8 - وأن الله هو رب المشرقين ورب المغربين يعني: مشرقي الصيف والشتاء، ومغربي الصيف والشتاء , وهي إشارة ضمنية رقيقة لكروية الأرض، ولدورانها حول محورها أمام الشمس. 9 - وأن الله سبحانه هو الذي مرج البحرين يلتقيان* (البحرين الحلو والمالح) بينهما برزخ لا يبغيان* (البرزخ هو حاجز فاصل بينهما).... يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان* وهي إشارة قرآنية دقيقة إلى حقيقة علمية مؤكدة، لم يدركها العلماء المتخصصون إلا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، في أثناء رحلة الباخرة البريطانية عام 1872-1876 مؤداها أن الماء في البحار المتجاورة، وحتى في البحر الواحد يتمايز إلى العديد من البيئات المتباينة في صفاتها الطبيعية والكيميائية، والتي تلتقي مع بعضها البعض دون امتزاج كامل، فتبقى مفصولة على الرغم من اختلاطها وتلاقي حدودها، وذلك لما للماء من خصائص ميزه بها الخالق سبحانه وتعالى. 10 - وأن من هذه الخصائص المميزة للماء ما جعله قادرًا على حمل السفن العملاقة على ظهره، وجريها في عبابه، وطفوها فيه كأنها الجبال الشامخات. 11 - وأن الفناء من صفات كل المخلوقات، وأن البقاء المطلق هو للخالق وحده. 12 - وأن الأرض في مركز الكون لتوحد أقطارها وأقطار السماوات، وأن الكون شاسع الاتساع بصورة لا يستطيع العقل البشري استيعابها، وأن أيا من الجن والإنس لا يستطيع النفاذ من أقطار السماوات والأرض إلا بسلطان من الله. 13 - وأن السماء الدنيا مليئة بالنيران وفلز النحاس. 14 - وأن السماء سوف تنشق في الآخرة على هيئة وردة حمراء مدهنة، وهي حالة تنشق عليها النجوم في زماننا كما صورها مقراب هابل الفضائي. من يكذب بكل هذا؟! وعقب كل آية من هذه الآيات الكونية التي تأملناها ورأينا عظمة الخالق فيها, يأتي قول الله "فبأي آلاء ربكما تكذبان"، وقد ترددت هذه الآية إحدى وثلاثين مرة بين آيات هذه السورة الكريمة؛ (أي بنسبة 40% تقريبًا من عدد آياتها الثماني والسبعين)، وفيها من التقريع العنيف، والتبكيت الشديد ما يستحقه المكذبون بآلاء الله من الجن والإنس. فكيف لهم وهم يتأملون هذه الدلائل الواضحة على وحدانية وعظمة الله أن يكفرون به؟! ماذا فعل الجن عند سماع سورة الرحمن؟! ويروي عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) أنه خرج على أصحابه، فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها، فسكتوا فقال "صلي الله عليه وسلم": (لقد قرأتها على الجن، فكانوا أحسن مردودًا منكم، كنت كلما أتيت على قوله تعالى "فبأي آلاء ربكما تكذبان" قالوا: لا شيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد).. أخرجه الترمذي. بين الجنة والنار ثم تأخذنا آيات السورة في جولة بين الجنة والنار, حيث تصور وتصف لنا أحوال المجرمين يوم القيامة, كيف أنّهم يُسحبون من النواصي وهي مقدمة شعر الرأس إلى جهنّم، وكيف يغشاهم حينها الحزن والغم، ويُعرفون بسيماهم وبسواد وشحوب وجوههم وزرقة أعينهم خوفًا ممّا سيلاقون من العذاب، ثم تُقرّ السورة وتؤكد بأنّ هذه جهنم التي كنتم قد وعدتم بها جزاءً لأعمالكم. الحور العين وفي المقابل نجد مشهدًا رائعًا وجميلًا يصف لنا جزاء المحسنين من جنّتين فيهما من النعم الكثير التي تعجز عقولنا عن تخيلها، ومنها الحور العين، والأشجار الكثيفة بالخضار حتى مالت إلى السواد من كثافتها، وأعين الماء الجارية، وأصناف الفاكهة الكثيرة، وقد خصّت بالذكر جنتين هما أعلى درجةً عن غيرهما تكون جزاءً للسابقين من أصحاب الإحسان. فسبحان الذي أنزل القرآن بعلمه، وعلمه خاتم أنبيائه ورسله، وحفظه بلغة وحيه إلى يوم الدين. سورة الرحمن قراءة الشيخ معاذ زغبي إخراج غادة بهنسي