ستجدها هناك وجها من وجوه الرومانسية في زمن الفن الجميل، حين تدق العواطف أبواب القلوب، وتختلط المشاعر بين حديث القلب ونداء العقل، لتظهر في صورة الفتاة العاقلة التي لا تنساق سريعا وراء زهوة الحب وبريقه قبل أن تمرره على عقلها لترسى نظرتها الخاصة لدى "بنات اليوم"، ضامنة لهم"موعد مع السعادة"..إنها الفنانة القديرة آمال فريد التي رحلت عن دنيانا صباح اليوم عن عمر ناهز 80 عاما . العباسية في ثلاثينيات القرن الماضي، "حي العظماء" ومسقط رأس "أبناء الذوات"، وبالتحديد في الثاني عشر من فبراير عام 1938ولدت آمال فريد ، وكسائر بنات جيلها الطامحات إلى دخول عالم الفن، التمست طريقها عبر "أثير الإذاعة" و"مانشيتات المجلات". الإذاعة المصرية الوليدة التي قد بدأت إرسالها قبل ميلاد آمال فريد بأربع سنوات في 31 مايو عام 1934، احتضنتها طفلة حيث شاركت في برامج الأطفال مع الإذاعي القدير محمد محمود شعبان بابا شارو . لكن طريقها المباشر إلى السينما كان من بلاط الصحافة "صاحبة الجلالة" و"صانعة النجوم"، حيث كان تصدر صور الوجوه الجديدة لأغلفة المجلات الفنية كفيلا بأن يجعل منهم نجوما قبل أن يقفوا أمام الكاميرات. وبعد حصولها على ليسانس الآداب قسم الاجتماع، كانت مسابقة "مجلة الجيل" الخطوة الأولى لآمال فريد، حيث رشحها للعمل في الفن مصطفى أمين وأنيس منصور بالتزكية، واكتشفها قطب الإنتاج السينمائي في الأربعينيات والخمسينيات رمسيس نجيب. قوة الظهور الأول لآمال فريد أمام سيدة الشاشة العربية في فيلم "موعد مع السعادة" عام 1954، جعلها على موعد آخر مع البطولة المطلقة أمام العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ في رابع أفلامه "ليالي الحب" عام 1955، وفى العام التالي تجدد اللقاء بين حليم وآمال فريد في بطولة جماعية مع ماجدة الصباحي، وكريمان، وأحمد رمزي، في أيقونة الأفلام الرومانسية للعندليب"بنات اليوم". بين عامي 1957 و1960 قدمت آمال فريد 15 فيلما، تنوعت بين الغنائي والدرامي والكوميدي، حتى صار بعضها علامات في مسيرة السينما . الأفلام الغنائية التي بلغت الذروة مع نهاية الخمسينات، شهدت تألق أمال فريد، فبعد نجاحها أمام العندليب الأسمر في فيلميه "ليالي الحب" و"بنات اليوم"، تلقفها ملك العود فريد الأطرش لتشاركه البطولة في فيلم "ماليش غيرك" بطولة مريم فخر الدين، ورشدي أباظة عام 1958، ثم وقفت أمام محرم فؤاد في فيلم "وداعا يا حب" عام 1960، بطولة مريم فخر الدين أيضا، فضلا عن فيلم "بنات بحري" بطولة المطرب ماهر العطار، وعبد السلام النابلسي وزينات صدقي. شاركت آمال فريد في رائعتي عبد الحي أديب "امرأة في الطريق" بطولة رشدي أباظة وهدى سلطان وشكري سرحان، وزكى رستم عام 1958، و"أبو أحمد" بطولة فريد شوقي، ومحمود المليجى، وعمر الحريري. ومع النجم العالمي عمر الشريف قدمت 3 أفلام، الأول "من أجل امرأة" عام 1959، وفى نفس العام قدمت "إحنا التلامذة" وشاركهما البطولة شكري سرحان، تحية كاريوكا، ويوسف فخر الدين، ثم رائعة الأديب العالمي نجيب محفوظ "بداية ونهاية" عام 1960 مع فريد شوقي وأمينة رزق وكمال حسين. هذا الخط الدرامي لم ينفصل عن النقيض الآخر حيث الأفلام الكوميدية، التي بدأتها آمال فريد مع إسماعيل يس في فيلم "إسماعيل يس في جنينة الحيوانات" عام 1957، وفى العام التالي شاركته البطولة أيضا في فيلم "امسك حرامي"، وفى عام 1959،بلغت الذروة حيث شاركت في 3 أفلام كوميدية، "أم رتيبة" بطولة مارى منيب، عمر الحريري، عبد المنعم إبراهيم، حسن فايق، ومع مارى منيب واصلت التألق في "حماتي ملاك" مع إسماعيل يس، ويوسف فخر الدين، وقد اختتمتها بفيلم "إسماعيل يس في الطيران" عام 1960. مع بداية حقبة الستينيات اتجهت آمال فريد إلى المشاركة في الأفلام الاجتماعية، عبر عملين تركا بصمة كبيرة في تاريخ السينما الأول "أنا وبناتي" مع العملاق زكى رستم، وزهرة العلا، وناهد شريف، وفايزة أحمد وصلاح ذو الفقار عام 1961، فالجميع لا ينسى تلك الأسرة السعيدة التي تغنى "بيت العز يا بيتنا" قبل أن يصاب الأب، وتخرج البنات لحياة لا ترحم. ثاني الأفلام الاجتماعية كانت "التلميذة" من بطولة شادية، وحسن يوسف، ,أمينة رزق وفؤاد المهندس، حيث يعالج الفيلم أزمة الحقد الطبقي في المجتمع، والسخط ورفض واقع الفقر، الذي قد يترتب عليه السقوط الأخلاقي. 7 أفلام أخرى شاركت في بطولتها آمال فريد بين عامي 1961 وحتى 1968الذى شهد فيلمها الأخير"جزيرة العشاق" لكنها لم تحقق النجاح المنشود. ومع أواخر الستينيات اختفت آمال فريد فجأة وتوارت عن الأنظار، وتزوجت من مهندس مصري قبل أن تنتقل لتعيش معه في موسكو، وتنقطع أخبارها قبل أن تعود للظهور العام الماضي، حين أبرزت الصحف الإهمال التي تتعرض لها أيقونة الرومانسية في الخمسينيات، وذلك أثناء جلوسها على أحد المقاهي تقاسى الوحدة والنسيان. و مع الساعات الأولى من صباح اليوم الثلاثاء، أعلن عن وفاة الفنانة القديرة في مستشفى شبرا العام، بعد أن قضت ليلة أمس في الرعاية المركزة .