الضويني: الأزهر سيظل منارة علم وبيتًا جامعًا لأبناء الأمة الإسلامية من شتى بقاع الأرض    «مؤشرات أولية».. فوز «الشاذلي والعمدة» من الجولة الأولى وإعادة بين 16 مرشحًا بدوائر الفيوم    محافظ الدقهلية يتفقد أعمال إنشاء المعرض الدائم للسلع والمركز التكنولوجي بالمنصورة    سعر الذهب اليوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025 بعد الارتفاع الأخير.. عيار 21 بكام الآن بالصاغة؟    ترامب يطالب ال بي بي سي بتعويض مليار دولار    اليابان تتعاون مع بريطانيا وكندا في مجالي الأمن والاقتصاد    وزير دفاع إسرائيل يغلق محطة راديو عسكرية عمرها 75 عاما.. ومجلس الصحافة يهاجمه    استبعاد نجل زيدان من قائمة الجزائر    منتخب مصر يخوض تدريباته في السادسة مساء باستاد العين استعدادا لودية أوزبكستان    فيديو بورسيعد يقود الأمن لضبط متعاطي مخدرات أثناء سيره بالشوارع    حملات تموينية موسعة بالقليوبية تكشف مخالفات جسيمة وسلعًا غير صالحة للاستهلاك    وزير التعليم: رفع الحضور في المدارس الحكومية لأعلى مستوى منذ 30 عامًا    «أنا اللي مكبركوا».. أول تعليق من هيدي كرم بعد زواج مي عز الدين وأحمد تيمور    الوزراء: المتحف المصري الكبير تجاوز التوقعات بعدد الزائرين (فيديو)    «عندهم حسن نية دايما».. ما الأبراج الطيبة «نقية القلب»؟    فتح باب الحجز الإلكتروني.. عرض «كارمن» يستقبل جمهوره على مسرح الطليعة (صور)    بعد الإعلان عن خلو مصر منه، تعرف على مرض التراكوما، الأسباب والأعراض    الأهلي يضع تجديد عقد ديانج في صدارة أولوياته.. والشحات يطلب تمديدًا لعامين    زيركزي يدرس 5 عروض للرحيل عن مانشستر يونايتد في يناير    وصول بعثة يد سموحة للإمارات لمواجهة الأهلى فى نهائى كأس السوبر    «العمل»: التفتيش على 257 منشأة في القاهرة والجيزة خلال يوم    للخريجين الجدد، مجلس اتحاد المهن الطبية يقرر تخفيض قيمة اشتراك مشروع العلاج    البيضة ب 3 جنيهات.. أسعار البيض فى كفر الشيخ الأربعاء 12 نوفمبر 2025    حبس الأنفاس.. لحظة انهيار عقار مكون من 8 طوابق بجمرك الإسكندرية "فيديو"    المشدد 15 و10 سنوات للمهتمين بقتل طفلة بالشرقية    السعودية تستخدم الدرون الذكية لرصد المخالفين لأنظمة الحج وإدارة الحشود    مصرع عامل نظافة سقط من على مقطورة فى المنوفية    إطلاق قافلة زاد العزة ال71 بحمولة 8 آلاف طن مساعدات غذائية إلى غزة    جوتيريش يهنئ الشعب العراقى على إجراء الانتخابات البرلمانية    الملك سلمان يدعو لإقامة صلاة الاستسقاء فى المملكة غدا الخميس    وزير السياحة والآثار: افتتاح المتحف الكبير أثار شغف المصريين والسائحين بالحضارة المصرية القديمة    محمد محمود عبدالعزيز يحيي ذكرى وفاة والده: بتوحشني وهتفضل واحشني    خالد سليم ينضم لأبطال مسلسل ست الحسن أمام هند صبرى فى رمضان 2026    الحبيب الجفرى: مسائل التوسل والتبرك والأضرحة ليست من الأولويات التى تشغل المسلمين    دار الإفتاء توضح حكم القتل الرحيم    ما الحكم الشرعى فى لمس عورة المريض من قِبَل زوجة أبيه.. دار الإفتاء تجيب    حملة ميدانية لإعادة الإنضباط ورفع الإشغالات بمدينة شبرا الخيمة    طريقة عمل كفتة الفراخ بخطوات بسيطة وطعم لا يقاوم (الخطوات والمقادير)    قصر العينى يحتفل بيوم السكر العالمى بخدمات طبية وتوعوية مجانية للمرضى    إعلان نتائج انتخابات غرفة تطوير واستصلاح الأراضي الصحراوية للدورة 2025-2029    كمال شعيب: قرار سحب أرض الزمالك "باطل".. وسنستعيد حق النادي بالقانون    «لو الطلاق بائن».. «من حقك تعرف» هل يحق للرجل إرث زوجته حال وفاتها في فترة العدة؟    «خبير تغذية»: أطعمة بريئة يومية ترفع سكر الدم وتسبب مقاومة الإنسولين    غدًا.. عرض فيلم «السلم والثعبان 2» بالسينمات السعودية    اليوم.. عزاء المطرب الشعبي إسماعيل الليثي    وزير الخارجية يزور مقر اتحاد الغرف والبورصات التركية (TOBB) في أنقرة    تعرف على أكبر نتائج مباريات كأس العالم للناشئين بعد ختام دور المجموعات    «كامل الوزير»: التعاون الصناعي خطوة أساسية قبل توسيع العلاقات التجارية مع جنوب أفريقيا    «وزير التنعليم»: بناء نحو 150 ألف فصل خلال السنوات ال10 الماضية    رئيس هيئة الرقابة المالية يبحث مع الأكاديمية الوطنية للتدريب تطوير كفاءات القطاع غير المصرفي    المصرية جمانا نجم الدين تحصد لقب أفضل قنصل لعام 2025 في المملكة المتحدة    بيزيرا: لم أقصد الإساءة لأحد.. وأعتذر عن الخطأ غير المقصود    محافظ الغربية: رفع درجة الاستعداد القصوى لانتخابات مجلس النواب 2025    مباحث الجيزة تكتشف جريمة بشعة داخل شقة مهجورة فى بولاق الدكرور    استقرار سعر الريال السعودي في بداية تعاملات اليوم 12 نوفمبر 2025    عباس: الإجراءات القانونية بشأن تسليم الفلسطيني هشام حرب لفرنسا في مراحلها النهائية    دعمًا لمرشحيه بمجلس النواب.. «مستقبل وطن» ينظم مؤتمرًا جماهيريًا بدمياط    دعاء الفجر | اللهم ارزق كل مهموم بالفرج واشفِ مرضانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ياسين الحاج ل"بوابة الأهرام": حياة السوريين تحت خط الفقر السياسي فجّرت الثورة.. وإيران تدعم الأسد
نشر في بوابة الأهرام يوم 26 - 03 - 2012

مع انقضاء عام على اندلاع الثورة السورية يزداد الوضع السوري تعقيداً مع دخول أطراف إقليمية ودولية على خط الصراع، بين الثوار والنظام، بين قوي دولية غربية تؤيد الخلاص من نظام الأسد، وبين دعم إيراني وروسي وصيني يبدو غير مشروط حتي حينه، ومع ازدياد حدة المواجهات وطول أمدها، تزداد المعاناة الإنسانية والإجتماعية والوطنية للشعب السوري تفاقماً، في ظل معارضة سورية، غير قادرة على التوحد حتى الآن.
في هذا الحوار الذي أجري عبر الإنترنت، يلقي المفكر السوري البارز ياسين الحاج صالح، أحد المفكرين السوريين الذين يعيشون بالداخل السوري وعلى اتصال وثيق بالحراك الثوري السوري، نظرة مقربة على الأسباب التي جلبت الربيع العربي إلى سوريا، ورؤيته لمواقف الأطراف الدولية المتصارعة حول الملف السوري.
ياسين الحاج صالح مفكر ومعارض سوري وسجين سياسي سابق أمضي 16 عاماً في سجون النظام السوري، له مقال أسبوعي بجريدة "الحياة" الصادرة من لندن ينتظره ويقدم فيه تحليلاً معمقاً لما يحدث بسوريا، ومن كتبه "سوريا من الظل: نظرات داخل الصندوق الأسود" عن دار جدار للثقافة والنشر وكتاب "أساطير الآخرين: نقد الإسلام المعاصر ونقد نقده".
"بوابة الأهرام" - تناولت في كتابك الأخير "السير على قدم واحدة" المحركات الاجتماعية للثورة السورية، فهل يمكن أن تطلعنا على بعض تلك الأسباب التي جلبت الثورة إلى سوريا؟
الثورة السورية هي ثورة العامة، المتن الاجتماعي السوري الذي كان قد جرى تهميشه سياسيا وثقافيا منذ مطلع العهد الأسدي، ثم تدهورت مقدراته المادية في سنوات حكم بشار الأسد بفعل لبرلة سلطوية للاقتصاد، استفاد منها من نسميهم في سوريا "أبناء المسؤولين" ومحاسيبهم ومحظييهم، ما يسمى أحيانا "رأسمالية الحبايب".
في هذه السنوات تشكلت سوق عمل جديد، متمركز حول الخدمات (بنوك، وكالات استيراد أجنبية، أدوات إعلامية، مشاريع ترفيه) يوفر وظائف مجزية لنسبة ضئيلة ممن يحوزون مؤهلات أعلى مما توفر مؤسسات التعليم الرسمية.
ونموذج النمو والتراكم الجديد محابٍ بوضوح للمدن على حساب الأرياف، وللشرائح الميسورة والمسيطرة سياسيا على حساب الأكثرية الاجتماعية. لذلك انتشرت الاحتجاجات في المدن والضواحي المهمشة، وظلت بعيدة عن مراكز المدن الكبيرة.
وهذا مع تراجع حاد في وظائف الدولة الاجتماعية، وعجز القطاع الحكومي عن توفير وظائف لخريجي الجامعات. يدخل سوق العمل سنويا في سوريا نحو 300 ألف وافد جديد، لا يوفر القطاع المنظم، الحكومي والخاص، أعمالا سوى ل 62 ألفا منهم.
في عام 2007 كان 37% من السوريين (23 مليون في 2010) يعيشون دون خطر الفقر الأعلى، دولارين في اليوم، و11% دون خط الفقر الأدنى الذي لا يفي بالحاجات الحيوية الأساسية. هذا مع عيش السوريين كلهم تحت خطر الفقر السياسي، محرومين من إمكانية التجمع والتعاون، كما من التعبير الحر عن الرأي في الشؤون العامة. وهذا ربما يفسر مشاركة قطاع متعلم من الطبقة الوسطي مكتف ماديا، لكنه شديد الحساسية للحاجات السياسية والفكرية، ويثير اشمئزازه جشع وعدوانية الطغمة الحاكمة والبرجوازية الجديدة ذات النزعات الفاشية.
وهذا مع افتقار النظام إلى أي قضية عامة أو إيديولوجية مهيمنة يمكن أن تسوغ هذه الأوضاع المتدهورة في أعين السوريين، ومع مستوى متدن من الكرامة والاعتبار العام.
"بوابة الأهرام" - كيف يبدو المشهد السوري الآن مع اقتراب إتمام الثورة عامها الأول، في ظل هذا العنف المتمادي من جانب النظام؟
يبدو لي مشهدا مفتوحا على احتمالات متنوعة، لا يكاد يكون بينها للأسف تحول هادئ نحو أوضاع سياسية جديدة أكثر حرية وإنسانية. أغرق النظام البلاد بالدم والموت، وقتل أو تسبب بقتل فوق 9000 شهيد، وما قد يتجاوز أربعة أضعافهم من الجرحى، وعشرات ألوف اللاجئين والمهجرين، وعشرات ألوف المعتقلين. هذا كثير على أي بلد، وهو كثير على سوريا. هذا فوق أن الاقتصاد يتدهور، ويتعمق الانقسام الاجتماعي، وتشتد الانفعالات الطائفية، وتتعرض البلاد لتجاذب إقليمي طائفي حاد، يهدد بتمزقها. ويتسبب ذلك كله في تمزق المجتمع السوري وتمزق الضمير الوطني السوري، ويحمل مخاطر تمزق الكيان السوري نفسه. ليس من السهل أن يكون المرء سوريا في مواجهة طغمة فاشية إلى هذا الحد.
هل تعتقد أن سوريا أصبحت ساحة لصراع الجميع ضد الجميع، أقصد ساحة لنزاع السعودية مع إيران وروسيا مع الغرب، كيف تري المواقف الدولية المتضاربة في الشأن السوري ودلالاتها؟
سوريا موضع تجاذب اليوم بين القوى المذكورة في السؤال. اليوم للنظام وحلفائه الإيرانيين والروس اليد العليا عسكريا، ويتطلعون على حسم الصراع مع الثورة لمصلحتهم. قد تتحول سوريا إلى ساحة إذا ثابرت روسيا وإيران على دعم النظام لتحقيق النصر في حربه على الشعب السوري، وتحولت السعودية وبلدان عربية وبمساعدة غربية إلى تسليح وتمويل الجيش الحر. أسوأ الاحتمالات على الإطلاق اجتماع شرط الساحة المفتوحة مع بقاء النظام لأمد أطول.
"بوابة الأهرام" - كيف ترون رفض الغرب للتدخل في سوريا، هل هم يضعون في اعتبارهم رفض قطاع واسع من المعارضة في الداخل لتلك الخطوة في حسبانهم أن الأمر أوسع من ذلك؟
الشيء الوحيد الذي يبرر تدخلا عسكريا من أي كان في سوريا هو الاعتبارات الإنسانية. وليس هناك قوى دولية إنسانية بقدر كاف كي تتدخل هذا التدخل المنزه عن الغرض. أظن القوى الغربية لا تجد لها مصلحة في التدخل العسكري في سوريا، فوق أنها تخشى عواقبه الكثيرة. ولذلك يختبئون وراء انقسام المعارضة السورية وافتقارها للإجماع. يناسبهم أن يتردد السوريون في هذا الشأن، لأنهم لا يجدون سببا كافيا من وجهة نظر مصالحهم القومية للتدخل. علما أن السوريين سيبقون مترددين في هذا الشأن الصعب عليهم سياسيا وفكريا.
"بوابة الأهرام" - ما حقيقة الدور الإيراني داخل سوريا، هل يمدون الأسد بالسلاح والمقاتلين؟
بالتأكيد بخصوص السلاح. أوقفت تركيا أكثر من مرة شحنات سلاح إيرانية كانت متجهة إلى سوريا. وحسب تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية مؤخرا، فإن إيران توفر للنظام خبراء في القمع ومراقبة الاتصالات، وربما يشارك إيرانيون في قمع السوريين مباشرة. وإلى ذلك أيضا دعم استخباري، ومساهمة ما في تمزيق المعارضة السورية وإضعافها. ولا ريب أن هناك دعم مالي للنظام، وإن كنا نفتقر على معلومات موثوقة في شأنه. ثم أيضا الدعم الإعلامي. الإعلام الإيراني الناطق بالعربية يعمل كإعلام حرب إلى جانب النظام، ويعتنق قضيته بالكامل، وبلغة شديدة العدائية.
"بوابة الأهرام" - هل تعتقد أن وقت المفاوضات مع النظام انتهي؟
متى كنا في هذا الوقت؟ النظام لا يقر بالأهلية السياسية للسوريين ولا يعترف بهم ولا يفاوضهم. وهو لم يفاوض يوما إلا من هم أقوى منه. بنيته تقوم على أن 100% من السلطة له، ومن الهيمنة على الإعلام وعلى المواد العامة. وبعد عام لم يظهر أي مؤشر على استعداد للتفاوض مع أحد من السوريين أو على التنازل ولو عن 10% من السلطة الفعلية. هذا النظام لا يتفاوض. أما يستعبِد أو يسقط.
"بوابة الأهرام" - كيف تري الخلافات بين شقي المعارضة السورية أقصد المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق، وهل من أمل في توحيد المعارضة، وهل تعتقد من الأساس أن توحيد المعارضة هو شرط لها لكي تنتصر؟
ليس سليما وضع تقابل بين المجلس الوطني وبين هيئة التنسيق. عدا أن المجلس مظلة تمثيلية أوسع بكثير، فإن آخره السياسي هو النظام، هيئة التنسيق أضيق تمثيليا، وآخرها السياسي الذي تنشغل به كثيرا هو المجلس الوطني، ومحصلة جهدها توسيع هامش مناورة النظام.، ويتواتر أن يجري اتهام المجلس الوطني بالخيانة من قبل متكلمي الهيئة، مع المثابرة الغريبة في الوقت نفسه على الدعوة إلى وحدة المعارضة وتحميل المجلس المسؤولية عن غيابها. وهذا موقف متهافت. فإذا كانوا خونة فينبغي بالأحرى النضال ضدهم بالأحرى، وليس الدعوة على الوحدة معهم؛ وإذا كانت الوحدة واجبة معهم فينبغي التوقف عن تسميم الجو العام بتهم التخوين.
ورأيي أنه ليس مطلوبا أصلا الدعوة إلى توحيد المعارضة. ما يلزم هو حسن الاختلاف والتوافق على مبادئ عامة تترك المختلفين مختلفين، لكن ليس متعادين. ويبدو أن هذا متعذر لأسباب اجتماعية ونفسية.
"بوابة الأهرام" - في نفس السياق كيف تري الاتهامات للمعارضة بأنها هي التي ترفض الحوار؟
هذا خلط بين الأسباب والنتائج. رفض المتن المعارض الحوار مع نظام لم يتوقف يوما عن قتل مواطنيه منذ بداية الثورة. هل تتحاور مع من يحتل المدن ويقتل الناس ويحرض على الكراهية والقتل؟ سيكون الحوار في هذه الحالة تحايلا، الغرض منه إفقاد المعارضين صدقيتهم دون تقييد النظام بأي شيء.
"بوابة الأهرام" - لماذا تراجعت أسهم المجلس الوطني في الشارع السوري رغم استقباله بتفاؤل في البداية؟
لأن أداءه لم يكن مقنعا، وهيكلته الداخلية مترهلة، ولم يستطيع أن يبلور مبادرة سياسية كبرى تعرّف به وتسهم في تغير البيئة السياسية داخل سوريا وحولها، وتدفع السوريين إلى الالتفاف حوله، ولأن غير قليل من كادر المجلس دون تاريخ نضالي، ولم يسبق أن سمع بهم أحد حتى شهور قليلة مضت، ولأن إسلاميي المجلس يتصرفون بانتهازية وبما يعود عليهم بالحمد وحدهم. تعامل المجلس باحترام مع الثورة في الداخل، لكنه لم يستطع لا أن يكون مصدر عون منظم لها، ولا قوة قائدة سياسيا. وليس واضحا لي إن كان المجلس قادرا على إصلاح ذاته.
"بوابة الأهرام" - هل عسكرة المدنيين حل أم أنها ستزيد مدي العنف وتؤدي لعنف متزايد وغير منضبط؟
لم تكن العسكرة المتسعة فعلا للثورة خيارا كي تكون حلا. انشق عسكريون عن الجيش، وانضم لهم مدنيون، وهم يشكلون مكونا عسكريا للثورة لا يمكن تجاهله أو رفض التعامل معه، وإن كان واجبا ضبط نشاطه تنظيميا وتوجيهه سياسيا.
من المحتمل أن نشوء واتساع المقاومة المسلحة أسهم في تصعيد العنف في البلد ظرفيا، أما من حيث الجوهر فقد مارس النظام العنف من اليوم الأول، وتسبب في نشوء الجيش الحر ذاته، وقدر متسع من عسكرة الثورة. الشيء المهم اليوم هو صون المكون المدني والسلمي للثورة وتوسيعه بقدر الإمكان، بحيث يوسع الشعب السوري طيف خياراته في مواجهة نظام باطش. وهذا محقق بقدر معقول.
لكن من المهم أيضا في رأيي العمل بكل الوسائل على منع النظام من تحقيق نصر على المكون العسكري للثورة؟، أي الجيش الحر. إن تحقق له ذلك فسيتحول نحو سحق والمكون الاجتماعي والميداني، وسيدين الحكم في البلد للشبيحة.
"بوابة الأهرام" - لماذا اتسم نظام البعث تاريخياً بالعنف المفرط ولا يري أمامه سوي الحلول الأمنية ؟
هذا سؤال مهم. وقد يكون موضوعا لبحث مطول أو لكتاب، يتناول الأصول الاجتماعية والثقافية للفاشية في سوريا، ويُعرِّف هذه الفاشية ذاتها أو يوضح خصوصيتها. في بالي ثلاثة عناصر في هذا الشأن.
أولها مفهوم العروبة المطلقة البعثي الذي ينكر الانشقاق أو حتى التعدد الداخلي، وينصب بالمقابل حواجز شاهقة في وجه "الخارج"، الكلمة التي تأخذ في الثقافة السياسية السورية معنى خطرا ومشبوها إلى أقصى حد. هناك ضرب من البارانويا العامة، مألوف في الثقافة العربية عموما، لكنه قد يكون أشد حضورا في سوريا من غيرها. المقياس المناسب لهذا الضرب من الجنون هو درجة شيوع التفسير بالمؤامرة.
في المقام الثاني هناك ما يحيل على الطائفية والانقسامات الدينية والمذهبية الموروثة. في سوريا من المذاهب الإسلامية (سنيون، علويون، دروز، اسماعيليون، شيعة) ما ليس في غيرها من البلدان العربية، فضلا عن مكون مسيحي لا بأس به، وعن نحو 10% من السكان من الكرد. وتتشاطر هذه المكونات كلها سرديات المظلومية وسرديات التفوق على اختلاف في الأسانيد الفكرية والأخلاقية والتاريخية لهذه السرديات. هنا أيضا لكل جماعة خارجها الخطر والمريب والمتآمر، وهنا أيضا تشيع حالة من البارانويا العامة، تفلُّ الحس النقدي والفكر الحر.
وفي المقام الثالث، وبارتباط مع الشرط الطائفي الذي عمل النظام على تنشيطه وتثبيته تشيع في سوريا عقيدة حداثية تضع نفسها قبالة الإسلام (السني، في السياق السوري) وتخلو تماما من أي بعد قيمي يحيل إلى العدالة والمساواة والحرية والكرامة الإنسانية. ضرب من تكنولوجيا فكرية وسلوكية، لا يجد أي شخص أو تنظيم فاشي حائلا دون اعتناقها. وهذه العقيدة مشتركة بين "مفكرين" سوريين معروفين وبين جنرالات المخابرات، ويعتقد الطرفان أن مشكلة المجتمع السوري الأساسية هي جمهور متدين متخلف، بعيد عن التنوير والحداثة والعلمانية، تتصرف معه المخابرات بقسوة، ولا يجد مفكرون ما يقولونه في هذا الشأن، إن لم يثنوا عليهم.
لكن من هذه الأصول الثلاثة، الأول فقط ذي أصول بعثية. يصعب إرجاع الوحشية التي تعرفها سوريا اليوم إلى حزب البعث. هذا يشبه اليوم المجتمع السوري في بيئاته المتعددة المنعزلة عن بعضها، أكثر مما يشبه أصلا عقديا بعثيا لم يعد أحد قادرا على تعريفه. وغير قليل من البعثيين اليوم متدينون "متخلفون" لا وزن لهم ولا اعتبار.
وكل هذا على خلفية ثقافة عربية وإسلامية، أبوية، لقيم الطاعة والامتثال حضور مهم فيها، ولم تمر بمرحلة شكية أو تجري فيها مراجعات جدية للنظرة الدينية إلى العالم.
"بوابة الأهرام" - كيف تري حديث بعض أطراف المعارضة عن أن الحل الوحيد هو فترة انتقالية تحدد بمفاوضات مع النظام وتشمل خروجاً آمناً للأسد وعائلته، وحديثهم عن أن الشعب السوري سيقبل بهكذا حلول وسطي؟
رأيي أن هذا الحل الذي يؤمن الأسرة الحاكمة المالكة القاتلة غير عادل وغير أخلاقي، وأن كثيرا من السوريين، ربما أكثريتهم لن يقبلوا به. وفوق هذا فإن أول من يرفض هذا الطرح حتى اليوم هو النظام الأسري ذاته، ولن يقبل به إلا إذا اقتنع أن خيارته الأخرى أسوأ، أي أنه سيسقط وينال جزاءه. لذلك فإن كان هناك من يرغب في هذا المخرج فعليه أن يجبر النظام أولا على القبول به، واليوم قبل الغد. كلما تأخر هذا المخرج غير العادل أصلا سيلقى قبولا أقل، وسيكون جرى تدمير مادي وسياسي وأخلاقي أوسع للبلد.
"بوابة الأهرام" - أخيراً، ما الذي يمكن للعالم أن يقدمه دعماً لكم؟
قطع مواد النظام العسكرية والمادية، وإضعاف تأثير القوى الداعمة له، ويلزم إدراك أن التساهل مع نظام على هذه الدرجة من الوحشية يعطي رسالة سيئة لا إلى الشعب السوري وحده بل إلى أي طاغية قاتل يثور عليه شعبه.
ينبغي أن يكون هناك التزام عربي ودولي بمساعدة الشعب السوري على التخلص من النظام. تبقى أدوات تحقيق ذلك موضع أخذ وعطاء. أفضل طبعا بيدنا لا بيد عمرو. ثم طبعا الدعم الدبلوماسي والحقوقي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.