مساء الخميس الماضي أذاع التليفزيون في خبر عاجل الإعادة بين مصر وفرنسا، ولم يذكر شيئًا عن إنهما سيصفيان مع قطر التي حصل مرشحها على 22 صوتًا؛ بينما حصلت كل من مصر وفرنسا على 18 صوتًا، وتلقف المشاهدون النبأ بالفرحة، وبعد أن أذاعت الوكالات والمواقع الخبر كاملًا أصيب الجميع بالإحباط؛ في تكرار لما وقع مع كل من فاروق حسني وإسماعيل سراج الدين عندما ضاع المنصب من العرب لتشتت الأصوات لصالح الآخرين. وبدا أن التاريخ يعيد نفسه لملوك الطوائف بخروج العرب من المنافسة، وبعد أن كان النشيد القومي للمنطقة "أمجاد يا عرب أمجاد"، بات "أحقاد يا عرب أحقاد" فقد صوتت 9 دول عربية ضد مصر في الجولة قبل الأخيرة لصالح المرشحة الفرنسة، وهكذا فشلت المؤامرة القطرية لكي تنجح المؤامرة الفرنسية، على حد مزاعم محللي "الفيس بوك" وتوتير، وحتى بعد أن أزاح الأشقاء مصر أزاحوا مرشح قطر، وأبدعوا فيما فشلت فيه إسرائيل من دعم المرشحة الفرنسية ذات الأصول اليهودية المغربية. وليت الأمر توقف عند هذا التردي، بل راحوا يؤكدون للعام هشاشتنا القومية والسياسية لأننا أمة لا تعرف أن في كل المعارك الانتخابية منتصرًا ومهزومًا، وفِي تلك المعارك تستخدم كل الأساليب المشروعة وغير المشروعة، وكان أن أضفنا لخسارتنا الانتخابية خسارة أخلاقية جديدة باتهام العالم كله بأنه مرتش، وأن الثقافة أصبحت سلعة في مزاد الطائفية والدولار. وخلال تلك المعركة لم يعترف أحد بالتقصير، ولم يسع الكبار أو جامعة الدول العربية مثلا للتنسيق، والغريب أن الذين أصابهم الحزن على ضياع المنصب لم نسمع منهم يومًا أي محاولة لتقديم رؤية نقدية – مثلا - لحركة الترجمة العربية، أو السعي للحفاظ على استعادة الآثار العربية والإسلامية المنهوبة في حروب الطوائف العربية، أو تقديم رؤية عربية فلسفية للأحداث الاجتماعية المتغيرة في العالم، أو تطوير المكتبات وقصور الثقافة، والحفاظ على الهوية المعمارية الإسلامية. وبدا أن الضجيج على المنصب هو للتغطية على الفشل العام للمشروع الثقافي العربي، بل أبناء المنطقة فشلوا حتى في الدفاع عن عقيدتهم الإسلامية المتهمة بالإرهاب أمام العالم. وبغض النظر عما حدث فقد أثبتت التجارب أننا لا نستفيد من تجاربنا، وآخرها ما حدث لفاروق حسني الذي وصل للمرحلة الخامسة والأخيرة، ووقفت ضده أمريكا والصهيونية عقابًا له بعدما تم استدراجه من جماعة الإخوان وتصريحه بحرق الكتب اليهودية. وكان لدى مصر قامات ثقافية دولية كبيرة، ولم يكن المهم هو الترشح فقط - كما فعلنا في صفر المونديال - ولكن كان من المهم قراءة الأحداث والترتيب والتخطيط، ولا نعتمد على التأييد الشفوي، وبرغم خروج ثلاثة مرشحين في يومين لم نحصل إلا على صوتين فقط، بما يشير إلى غيابنا الفعلي عن إفريقيا، وإلا ما معنى حصولنا على 13 صوتًا من 24 صوتًا عربيًا وإفريقيا مِمن لهم حق التصويت؛ أي أننا لم نجذب أي أصوات ذات قيمة خلال آخر تصويتين قبل انفراد قطر بأعلى الأصوات؛ بينما حصلت فرنسا على نصيب الأسد من أصوات فيتنام، وكانت الصين أكثر وعيًا في قراءة المشهد بالانسحاب، ولم يقلل ذلك من كونها الدولة الأكبر حضاريًا واقتصاديًا، والأكثر مساهمة في النشاط الثقافي الإنساني، خاصة بعد الظهور العلني للمرشحة الفرنسية مع المرشح القطري، والتنسيق العلني بينهما، فقد تفرغت البعثة القطرية لتدعيم المرشحة الفرنسية عشية جولة الإعادة مع مصر. وهنا كان على مصر الانسحاب، وإصدار بيان واضح غير مغلف باللغة الدبلوماسية تكشف وتفند فيه الخلل في العملية الانتخابية؛ بحكم أن مصر دولة كبيرة ذات حضارة عريقة، وتقدم نقدًا للدور الفرنسي الذي تخلى عن عرف ابتعاد دولة المقر عن الترشح للمنصب، وكان الخروج بإرادتنا وبأيدينا أفضل من الخروج رغمًا عنا، مهما كانت عبارات المواساة بالتمثيل المشرف، وخوض المعركة بشرف؛ لأن حقيقة الأمر أن هذا المنصب كان ممكنًا بحسن الاختيار، والإدارة الجيدة، ولكنه ضاع لأننا اخترنا القطار بدون أي قضبان.. وهكذا كانت اليونسكو فرصة "أتلفها الهوى" للمرة الثانية على التوالي!!