خرج عوض من بيته الساعة السابعة صباحًا، وركب الأتوبيس عند وصوله المحطة، ولأول مرة يجد مقعدًا شاغرًا. بيّت عوض النية على فرض كلمته بالقوة: بالتحديد بإطلاق الرصاص من سلاحه المرخص عليها. يعرف أنها ستخرج من البوابة الحديدية، وبيدها ابن أخيها شريف، حيث توصله إلى مدرسته الابتدائية ثم تتجه إلى مديرية الزراعة حيث عملها. رصد حركتها، ورآها بفستانها الكلوش الواسع بالدقة الزرقاء على أرضية من اللون الأسود. هتف بها: انتظري. ارتبكت واستدارت مندهشة: عوض؟! لم يرد عليها، تقدم خطوة. أبعد الطفل بحزم، وصار في مواجهتها. نظرت إليه مستغربة ونحت يده الممتدة لصفحة وجهها. رآها بشكل عابر جزءا من الإهانة. تراجعت خطوة فأصبحت في مرمى النيران تمامًا. يمكنه أن يصوب الفوهة لقلبها. صحيح أن خبرته في إطلاق النار محدودة. في سلاح المشاة تدرب على إطلاق النار في تبة فايد من السلاح الآلي، حين كان يعلق السونكي في "الجفير". يتذكر أنه أصاب منتصف الدائرة. وقد لوح له الأومباشى صبري مخاريطة بيده بعد أن تفحص الشاخص. هي الآن في مواجهته تمامًا. لديها يقين أنه يخوفها فقط. لن يجرؤ على إطلاق الرصاص عليها انتقاما منها؛ لأنه متردد ورعديد. ما بينهما كان مجرد ارتباط لم يدونه يد مأذون. خطبة فسختها بعد أن استمر في البحث عن شقة ثلاث سنوات بلا جدوى. لم يكن أمامها غير الإنصات لنصيحة خالتها "نبيهة" التي أشارت عليها برد الشبكة وخلع الدبلة. بعد أسبوعين فقط قبلت أسرتها بعريس جاهز من كل شيء. ليس الحب مهما في هذه الحالة فكل شيء يأتي بعد الزواج. كل شيء: الحب، والعاطفة، والأبناء. صوب المسدس وشعر أن يده ترتجف. ضغط على الزناد. انحشرت الرصاصة في ماسورة المسدس القصيرة ربما بسبب عطب لم ينتبه له. هزت رأسها ساخرة وشيعته بنظرة تشف: حتى في هذا أنت خائب. هي الجملة التي جعلته يرتبك أكثر. وضع المسدس في الحزام وتقدم منها. خنقها بيديه القويتين. كان يضغط على العنق بكل ضراوة. لاحظ أن وجهها قد أزرق وجحظت عيناها. يا للمصادفة الغريبة. العنق الذي قبله مرات في حديقة الأندلس تحت شجرة التين بنغالي. تهاوى الجسد، وسمع بكاء الطفل الصغير على عمته. كانت حلقة من الناس يراقبون المشهد، أوشك بعضهم على التدخل. فأسرع بانتزاع المسدس، وهددهم به. فتح الخزنة وضبط المشط. أطلق رصاصة في الهواء. انطلقت رصاصتان دمدمتا في الهواء البعيد. كان الخطة أن تكون الرصاصة الأخيرة في قلبه هو. مر عصفور رمادي راح يطلق زقزقته الحزينة فمست روحه: هل أنت قاتل يا عوض؟! عصفور يعبر المسافة بين قمتي شجرتين. سمع اللحن المميز لبرنامج "طريق السلامة"، وأدرك أن عليه أن يغير الخطة. قفز على موتسيكل كان على الناصية القريبة. بأسرع ما يمكنه من وقت اتجه إلى الطريق المؤدي إلى قسم الشرطة. كانت الأصوات تطارده : أمسك .. قاتل .. .. قاتل. ربما كانت التفاته ليبرأ ساحته. ما لم يقله جملة ترددت في عقله: بل أنتم القتلة. دخل إلى الضابط النوبتجي يحكي ما حدث، ولكي يكون الاعتراف مرتبًا. أمر له بكوب ليمون بارد. وقد نفعه ذلك في الكلام بترابط ودون أن تختلج في وجهه عضلة واحدة!