أعلنت قوات الاحتلال الإسرائيلية إغلاق المسجد الأقصى في وجه المصلين، الجمعة الماضي، في تصعيد يعد هو الأكبر خلال 48 عامًا، فيما أعلنت الأوقاف الفلسطينية أن المسجد بات خارج سيطرتها تمامًا، وسط إدانة من الشيخ محمد حسين، مفتي القدس والديار الفلسطينية. وثمة تاريخ طويل من النزاع العقائدي والسياسي بين أصحاب الديانات الإبراهيمية الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلام، ربما يتجاوز صراعًا على "هيكل سليمان" أو "المسجد الأقصى"، هذا التاريخ من الصراع اتخذ طابعًا قوميًا وعرقيًا وبالطبع دينيًا، غير أنه من الممكن القول إن هذا الصراع صار إسلاميًا \ يهوديًا، أو عربيًا \ إسرائيليًّا في العقود الأخيرة، بخاصة بعد تبرئة بابا الفاتيكان، صاحب أكبر منصب ديني مسيحي، لليهود من قتل المسيح في صك أثار جدلًا كبيرًا. توطدت صلة المسلمين بالمسجد الأقصى بعد واقعة الإسراء والمعراج، التي أعلن فيها النبي – عليه السلام- أنه أسري به ليلًا إلى المسجد الأقصى، وقص تفاصيل المكان، ليصبح حائط المبكى \ البراق، الموجود بجانب المسجد، إرثًا مشتركًا محل نزاع بين الطرفين. ويروي عدد من المؤرخين أنه بعد فتح المسلمين للقدس على يد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب – وكان آنذاك تحت حكم مسيحي بعد منع اليهود من دخوله- بنى عمر مصلى متواضعًا محاذيًا لسور الأقصى من جهة القبلة، وفي عهد الدولة الأموية بنى الوليد بن عبد الملك "قبة الصخرة"، وأيًا تكن أسباب هذا البناء التي اختلف حولها المؤرخون، يبقى أمرًا متفقًا عليه أن الوليد هو من بناه بعد أن عاجلت المنية أباه عبد الملك بن مروان الذي أمر بالبناء فأتمه ابنه. وعلى عكس ما يعتقد كثيرون فإن المسجد الأقصى لا يعني فقط المصلى الذي تُقام فيه الصلوات حاليًا، أو قبلة الصخرة، ولكنه كل ما يقع داخل سور الأقصى، ليتكون بذلك "الأقصى" من 7 مصليات بالإضافة لملحقاتها. الاعتداء على مسجد الأقصى ليس جديدًا، غير أن الاعتداء الأخير، الذي يدخل اليوم خامس أيامه، يعد هو الأسوأ منذ ما يقرب من 5 عقود. ففي عام 1948، وإبان الحرب التي قادتها الجيوش العربية ضد العصابات الصهيونية التي فتحت لها بريطانيا آنذاك الباب للدخول لفلسطين، شنت العصابات الصهيونية هجومًا على المسجد لم يقتصر على الرصاص فقط، إنما كان هجومًا بالقنابل. وخلال حرب 1967 وقع اعتداء آخر من قبل الصهاينة، قاده الجنرال مردخاي غور – الذي سيصبح بعدها بسنوات رئيس الأركان العام بجيش الاحتلال- حيث اقتحم غور المسجد ليرفع جنوده العلم الصهيوني على قبة الصخرة، ويدنسوا المصاحف، قبل أن يغلقوا المسجد في وجه المصلين المسلمين. غير أن الأقصى كان في انتظار اعتداء أسوأ، ولعله الأسوأ في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، حين أقدم صهاينة على حرق المسجد بعدها بعامين فقط، في عام 1969، بتدبير – حسبما أعلنت السلطات- من سائح أسترالي يدعى دينيس مايكل روهان ينتمي ل"كنيسة الله"، وتم ترحيل روهان إلى بلاده بعد إعلان أنه مصاب بالجنون. كاد الحريق أن يأتي على المسجد الأقصى بتواطؤ من السلطات الصهيونية المتهمة بقطع المياه عمدًا عن المنطقة أثناء الحريق، لولا جهود العرب الذين حاولوا حصر الحريق حتى لا يمتد لبقية المسجد. في 1981 اقتحمت حركة "أمناء جبل الهيكل" الصهيونية المتعصبة المسجد ورفعت العلم الصهيوني، ليتكرر الأمر بعدها بعام واحد في 1982. عام 2000، وبينما كانت المفاوضات جارية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، اقتحم رئيس حزب الليكود آنذاك آريل شارون المسجد الأقصى، في سلوك وصفه كثيرون وقتها بالمزايدة على منافسه السياسي بينيامين نتنياهو لكسب تأييد الأعضاء. الاقتحام الذي برره شارون آنذاك بأنه جاء لزيارة "جبل الهيكل" تسبب في إشعال ما يعرف بالانتفاضية الفلسطينية الثانية التي هزت العالم وذلك بعد أن نقلت المحطات العالمية الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال في حق عزل، من بينهم أطفال. الأمر لا يتوقف على حوادث الاقتحام فحسب، فقد أشارت عدة تقارير، بدأت منذ عام 1981 إلى أعمال حفر تقوم بها سلطات الاحتلال تؤثر على المسجد الأقصى وتهدد بانهياره، في ظل إنكار السلطات مرة، وتحديها مرات أخرى. ليس ذلك فحسب، بل امتد الأمر إلى إصدار أحكام قضائية، بدأتها المحكمة المركزية في 1976، حكمت فيه بأحقية اليهود بالصلاة في المسجد الأقصى، ليتكرر الأمر في 1989 عندما سمحت الحكومة بذلك بشكل سافر، والأمر نفسه تكرر عام 1999 حين سمح المستشار القضائي لحكومة الاحتلال لليهود بالصلاة في الأقصى. هذه الاعتداءات التي لا تتوقف على الجانب السياسي أو العسكري، بل تتخذ أبعادًا ثقافية، أدانتها منظمة "اليونسكو" رسميًا في أكتوبر من العام الماضي حين تبنت قرارًا رسميًا ينص على أن المسجد الأقصى تراث إسلامي، مطالبة الكيان الصهيوني بالعودة لأوضاع ما قبل 1967. في تحدٍ سافر قررت سلطات الاحتلال تجاهل قرار اليونسكو، لتستمر في أعمالها سعيًا لما يعرف ب"تهويد القدس" في ظل صمت عالمي، فهل يصل الكيان الصهيوني لهدفه، ليصبح مصلى للصهاينة كما تطالب بذلك منظمات صهيونية عديدة، وتتبنى هذا المطلب الحكومات المتعاقبة؟ إحدى محاولات اقتحام الأقصى حائط المبكى قبة الصخرة صورة من داخل قبة الصخرة