علي خلفية الاحتقانات المتزايدة بين الجانبين المسلم والمسيحي في السنوات الأخيرة، طالب الدكتور القصبي محمود زلط عضو مجمع البحوث الإسلامية نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق بتفنيد الآراء والشبه التي تؤدي إلي التمييز بين الناس، لاسيما بين المسلمين وأهل الذمة من النصاري. مشيرا إلي أن بعض الفقهاء يذهب إلى أن غير المسلم في بلاد المسلمين من أهل الذمة يعتبر من رعايا المسلمين وليس مواطنا يتمتع بحقوق المواطنة، وكأن أهل الذمة وغيرهم كيان منفصل عن مجتمع المسلمين أو مواطنون من الدرجة الثانية.. وهذا الرأي كما يقول الدكتور زلط لا يؤيده الواقع الآن، حيث إنه يقوم علي تقسيم الناس على أساس أديانهم، واعتبار مواطني الدولة الإسلامية هم المسلمون دون غيرهم، واعتبار مسئولية النظام أمانة في عنق المسلمين وحدهم، الأمر الذي يلغى قيمة الوطن الذي يظل ملكاً للجميع، سواء الذين يدافعون فيه عن العقيدة، أو الذي يدفعون فيه عن التراب. وأضاف أن الفقهاء القدامى عندما ذهبوا إلى هذا الرأي كانوا يخاطبون عالماً غير عالمنا، حيث كانوا يخاطبون دولة الإسلام الكبرى في العصرين الأموي والعباسي والتي كانت مترامية الأطراف، فلا يمكن أن نأخذ هذا الرأي، وقد أصبح المسلمون الآن موزعين على أكثر من خمسين دولة، ولا يصح أن يتناقل الفقهاء المحدثون هذا الرأي، لأن الواقع قد اختلف. هذا بالإضافة إلي أن النصوص القرآنية والنبوية التي توصي بغير المسلمين خيراً، تناقض هذا الرأي، كما يناقضه ما ورد عن الصحابة في هذا المجال، فالله يقول:" لا ينهاكم الله عن الذين يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين". ويفسر الإمام القرافي معنى البر الذي أمر الله به المسلمين نحو غير المسلمين فيقول: إنه الرفق بضعيفهم، وسد خُلَّة فقيرهم، وإطعام جائعهم، وكساء عاريهم، ولين القول لهم – على سبيل اللطف لهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة – واحتمال أذاهم في الجوار – مع القدرة على إزالته – لطفاً منا بهم، لا خوفاً ولا طمعاً، والدعاء لهم بالهداية، وأن يجعلوا من أهل السعادة، ونصيحتهم في جميع أمورهم، في دينهم ودنياهم، وحفظ غيبتهم إذا تعرض أحد لأذيتهم، وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم، وأن يعانوا على دفع الظلم عنهم، وإيصالهم إلى جميع حقوقهم.