"لقد كان إدوارد سعيد هو المعلم الذي شجع جميع الباحثين في أن يسلكوا طريقه، و شكلت أعماله الفاتحة في مجالات الدراسات ما بعد الإستعمارية والدراسات الثقافية وكانت من أكبر المساهمات الفاعلة في مجال الدراسات الأمريكية ومناهضة الإستعمارية الجديدة" هكذا وصف البرفيسور "جون كارلوس رو " أستاذ العلوم الإنسانية والدراسات الأمريكية بجامعة ساوث كاليفورنيا بالولاياتالمتحدة إدوارد سعيد في المحاضرة التذكارية السابعة "لإدوارد سعيد" التي ألقاها مساء أمس الثلاثاء بالجامعة الأمريكية في ذكري ميلاد سعيد والتي جاءت تحت عنوان "الإستشراق الأمريكي بعد إدوارد سعيد" وحضرها جمهور كثيف. وإدوارد سعيد ( 1 نوفمبر 1935 – 25 سبتمبر 2003 ) مفكر فلسطيني أمريكي يعرف بكتابه الذي أصبح علماً في مجاله "الإستشراق" الذي فتح المجال واسعاً أمام الباحثين لدراسة الخطاب الإستعماري في الثقافة والسياسة الغربية، والإستشراق في أبسط معانيه يعني وجهة النظر الغربية للشرق والتي يصوغ بها الغربيون مفاهيمهم عن الشرق، وهي المفاهيم التي فضحها إدوارد سعيد وبين إلي أي حد تحمل في طياتها سياسات إستعمارية، حتي بعد نهاية الإستعمار من خلال ما يسميه سعيد الإستعمار الجديد. وقال "رو" الذي كان صديقاً شخصياً لسعيد أن أكثر الأمور أهمية في أعمال سعيد وأكثرها لا محدودية هو وعيه العميق بالكيفية التي يمكن بها لأفراد مثلنا أن يقفوا ضد الرغبات الإستعمارية للدول بغض النظر عن قواها الإقتصادية والعسكرية، وآلتها الإعلامية الجبارة التي تحاصرنا ليل نهار، فرغم كل ذلك نحن لانزال قادرين علي التفكير خارج هذا الإطار الذي تصنعه لنا الدولة، ولازلنا قادرين علي الكلام والكتابة وفي النهاية الفعل أيضاً، وقد رأي الأمريكيون هذا في ثورة 25 يناير وفي كل دول الربيع العربي. وربط رو الإحتجاجات التي تشهدها الولاياتالمتحدة والمتجسدة في حركة احتلوا وول ستريت وغيرها ، بالربيع العربي وقال أنها لم تكن لتري النور لولا أن الربيع العربي قد أظهر لها الطريق. ورأي رو أن نقد سعيد للنزعة الإستعمارية الأمريكية وخاصة سياساتها في الشرق الأوسط هو السبب الذي يعد الباحثون لأجله إدوارد سعيد واحداً من أهم الباحثين في الدراسات الأمريكيةالجديدة. وبهذا المعني فإن إدوارد سعيد تنبأ بالإستشراق الأمريكي من بعده ولكنه لم يعش ليراه في حالته الآن خاصة تلك المتجسدة في المشكلات المتعلقة الإسلاموفوبيا الظاهرة في أجزاء معينة من المجتمع الأمريكي وبعد النقاشات حول بناء مركز إسلامي قرب موقع أحداث 11 سبتمبر ودعاوي حرق المصحف وهي مشاكل قد وضعت الإسلام والولاياتالمتحدة علي طرفي النقيض. وأضاف رو أن سعيد كان يدرك جيداً أن الولاياتالمتحدة في طريقها إلي خلق نزعة إستعمارية جديدة مع دخولها حرب الخليج الأولي وقد برهن العقدين الماضيين علي صحة تنبؤات سعيد التي نري تحققها في السياسات الأمريكية منذ حرب الخليج الأولي مروراً بمشروع الشرق الأوسط الكبير وغزو العراق، فالولاياتالمتحدة تنشر الديمقراطية عبر الغزو العسكري، ورأي أنه لا يجب أن ننظر إلي الإستشراق الأمريكي علي أنه نسخة أخري من الإستشراق الأوروبي. ولم يستغرب سعيد من الأثر المأساوي الذي أحدثته الحرب في العراق فقد أدرك جيداً بحسب رو أن حملة بوش لم تكن مبررة وأنها ستسبب حرب أهلية وانهيار للمجتمع المدني وأندلاع صراعات طائفية داخل البلد ستأخذ في طريقها مئات الآلاف من الضحايا فبالنسبة لسعيد هذه قصة مألوفة للغاية تكررت عشرات المرات في التاريخ الغربي. وقال "أخذ سعيد علي عاتقه مهمة أن يكون مترجماً حضارياًَ ومزيلاً للبس والغموض بين الحضارات، فوضع نفسه في مقابل الإستعمار والسياسات الإستعمارية للغرب الذي فهمه سعيد وفهم كل البروتوكولات والمبادئ التي تحكمه و فضح الممارسات الغربية التي تخفي تحتها سياسات سياسية في الشرق الأوسط، مثل المنح الدراسية والفنون البصرية والآداب.