حذّر الزعيم الأفريقى نيلسون مانديلا الثوار العرب من تعرض ثوراتهم للإجهاض بسبب استهداف مؤيدى الأنظمة السابقة، مؤكدًا أنه لو حدث ذلك فى جنوب إفريقيا لما كانت قصة كفاحها واحدة من أروع قصص النجاح الإنسانى اليوم، وأن النظر إلى المستقبل والتعامل معه بواقعه أهم بكثير من الوقوف عند تفاصيل الماضى المرير. جاء ذلك فى رسالة وجهها الزعيم الأفريقى نيلسون مانديلا إلى الثوار العرب بدأت باعتذاره عن الخوض فى الشئون الخاصة للثوار العرب.. منوها إلى أنها جاءت من منطلق إحساسه بواجب النصح والوفاء ورد الجميل لمساندة العرب له ولبلاده فى مناهضة الفصل العنصرى. وقال مانديلا فى رسالته "إن الجدل السياسى اليومى فى مصر وتونس يشير إلى أن معظم الوقت مهدر فى سب وقذف كل من كانت له صلة بالنظامين البائدين، كأن الثورة لايمكن أن تكتمل إلا بالتشفى والإقصاء.. كما يبدو لى أن الاتجاه العام فى بلديكما يميل إلى استثناء وتبكيت كل من كانت له صلة قريبة أو بعيدة بالأنظمة السابقة، وهذا أمر خاطىء فى نظرى". وأعرب مانديلا عن تفهمه للأسى الذى يعتصر قلوبهم من مرارة الظلم.. مؤكدا أنه "على الرغم من ذلك فإن استهداف هذا القطاع الواسع من المجتمع (مؤيدى النظام السابق) يسبب للثورة متاعب خطيرة، لأنهم كانوا يسيطرون على المال العام وعلى مفاصل الأمن والدولة وعلاقات البلد مع الخارج، واستهدافهم قد يدفع إلى أن يكون إجهاض الثورة أهم هدف لهم فى هذه المرحلة التى تتميز عادة بالهشاشة الأمنية وغياب التوازن، وأنتم فى غنى عن ذلك". وحذّر الثوار العرب من أن "استهداف أنصار النظام السابق أو غيابهم أو تحييدهم يمثل كارثة اقتصادية أو عدم توازن أنتم فى غنى عنه، لأنهم ممسكون بمعظم المؤسسات الاقتصادية.. متطرقا إلى ما قام به عقب خروجه من محبسه بجنوب أفريقيا بعد أن أمضى فيه 27 عامًا لمعالجة هذا الشأن.. قائلا "إن أكبر تحدى واجهنى هو أن قطاعًا واسعًا من السود يريدون أن يحاكموا كل من كانت لهم صلة بالنظام العنصرى السابق فى جنوب أفريقيا ". وأضاف "لقد وقفت دون ذلك، وبرهنت الأيام أن هذا كان الخيار الأمثل ولولاه لانجرفت جنوب أفريقيا إما لحرب أهلية أو ديكتاتورية من جديد.. مشيرًا إلى تشكيله آنذاك (للجنة الحقيقة والمصالحة) التى جلس فيها المعتدى والمعتدى عليه وتصارحا وسامح كل منهما الآخر.. واصفا هذا بأنها كانت سياسة مرة لكنها كانت ناجحة. ودعا الزعيم الأفريقى نيلسون مانديلا الثوار العرب إلى تذكر أن أتباع النظام السابق هم فى النهاية مواطنون ينتمون لبلدهم، واحتواؤهم ومسامحتهم هى أكبر هدية للبلاد فى هذه المرحلة حيث إنه لايمكن جمعهم ورميهم فى البحر أو تحييدهم نهائيا، ثم إن لهم الحق فى التعبير عن أنفسهم، وهو حق ينبغى أن يكون احترامه من أبجديات مابعد الثورة. وقال إنه يعلم "أن ما يزعج الثوار العرب هو أن يروا ذات الوجوه التى كانت تنافق النظام السابق تتحدث اليوم ممجدة الثورة، ولكن الأسلم ألا يتم مواجهتهم بالتبكيت إذا مجدوا الثورة".. منوها إلى ضرورة تشجيعهم على ذلك حتى يتم تحيديهم.. وقال "ثقوا أن المجتمع فى النهاية لن ينتخب إلا من ساهم فى ميلاد حريته، وأن النظر إلى المستقبل والتعامل معه بواقعية أهم بكثير من الوقوف عند تفاصيل الماضى المرير". وقال إنه بهذه الطريقة "وأنتم أدرى فى النهاية سترسلون رسائل اطمئنان إلى المجتمع الملتف حول الديكتاتوريات الأخرى مفادها أنه لاخوف على مستقبلهم فى ظل الديمقراطية والثورة، مما قد يجعل الكثير من المنتفعين يميلون إلى التغيير، كما قد تحجمون خوف وهلع الديكتاتوريين من طبيعة وحجم ما ينتظرهم". وأكد أن إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم وذلك لأن الهدم فعل سلبى، بينما البناء فعل إيجابى.. معززا بذلك مقولة حسن الترابى التى قال فيها "إن إحقاق الحق أصعب بكثير من إبطال الباطل". وقال الزعيم الأفريقى إنه لايزال يذكر يوم خروجه من السجن بعد أن أقام بين جدرانه 10 آلاف يوم بتهمة حلمه فى أن يرى بلاده خالية من الظلم والقهر والاستبداد، خرج إلى الدنيا سعيدا برؤية أطفاله وأمهم بعد هذا الزمن إلا أن همه الأكبر والسؤال الذى كان يلح عليه حينها هو "كيف سنتعامل مع إرث الظلم لنقيم مكانه عدلا". وتابع "أكاد أشعر أن هذا السؤال هو ما يقلقكم اليوم، لقد خرجتم لتوكم من سجنكم الكبير، والإجابة عن هذا السؤال تتحدد بطبيعة الاتجاه الذى ستنتهى إليه ثوراتكم." وطالب مانديلا الثوار العرب بتخيل "إذا كانت جنوب إفريقيا قد ركزت -كما تمنى الكثيرون- على السخرية من البيض وتبكيتهم واستثنائهم وتقليم أظافرهم.. لو حدث ذلك لما كانت قصة جنوب إفريقيا واحدة من أروع قصص النجاح الإنسانى اليوم"، معربًا عن تمنياته بأن يستحضر الثوار قول النبى محمد صلى الله عليه وسلم "إذهبوا فأنتم الطلقاء".