أن تصبح – فجأة- كل قرارات المجلس الأعلى للقوات المسلحة خاطئة من وجهة نظر أحزاب وقوى سياسية، فلابد أن شيئاً ما خطأ، لكن ذلك الخطأ لم يكن من المجلس العسكرى - وفقاً لتفسيرات خبراء سياسيون- لكنه جاء من بعض الأحزاب التى انقسمت على نفسها، وباتت تبحث عن تحقيق مآرب شخصية فقط، تحفظ لها وجودها الذى كان شبه منعدم قبل ذلك، وكأن لسان حالها يقول للمجلس العسكرى: "إما تنفيذ المطالب أو الانقلاب عليك". بعض القوى السياسية منذ أن تم إسناد السلطة للمجلس العسكرى، وهى توحى دائماً بأنها فى صفه مهما تغيرت الظروف، لكن عندما وجهت إليها أصابع الاتهام بأنها عقدت صفقة مع المجلس العسكرى، تحولت من المؤيد إلى المعارض، بل والمحذر بلهجة شديدة، خوفاً من أن تطولها ألسنة القوى السياسية الأخرى، التى تفرغت لانتقاد "حكم العسكر". ووفق محللون سياسيون، فإن جماعة الإخوان المسلمين، متمثلة فى جناحها السياسى، وهو حزب "الحرية والعدلة" كانت تسير فى اتجاه واحد يرفع شعارات الرفض للمليونيات المعادية للمجلس العسكرى، أو المطالبة إياه بأن يسلم السلطة فى أقرب وقت ممكن، لكن بين عشية وضحاها، دخلت الجماعة ضم التيار المعاكس، وربما سلك الإخوان هذا الاتجاه للرد على اتهامات الجماعة السلفية لهم بأنهم عقدوا صفقة مع المجلس العسكرى، خصوصا بعد أن رفضت الجماعة المشاركة فى مليونية استرداد الثورة. غير أن صبحى صالح، القيادى الإخوانى بجماعة الإخوان المسلمين، وجناحها السياسى المتمثل فى حزب "الحرية والعدالة" قال فى تعليقه على تغير موقف الإخوان من المجلس العسكرى، وانقلابهم على سياسته فى إدارة شئون البلاد، إنه وفقاً لما قاله المرشد العام للإخوان، الدكتور محمد بديع، إن "من أحسن كنا له أحسن، ومن أساء كنا له نداً، ومن تأخر طالبناه بالإسراع". لكن صالح نفى أن تكون هناك خصومة بين الإخوان والمجلس العسكرى، أو وجود أى مصالح مشتركة بينهما، بل قال: "لا تعنينا الخصومة مع المجلس العسكرى، ولسنا حريصون عليها، كما أن الإخوان ليسوا دولة داخل الدولة، بل فصيل سياسى، يؤيد المحسن، ويعادى السيئ"، غير أن "بوابة الأهرام" واجهت القيادى الإخوانى بما ورد عن حزب الحرية والعدالة اليوم من تحذيره للمجلس العسكرى بعدم الخوض فى أى "لعبة سياسية"، فرد بتعجب قائلاً: "الكلام ده كان امتى، ومين اللى قاله" فكان جوابنا بأنه صادر فى بيان عن حزب الإخوان، لكنه رد قائلاً:" أنا معرفوش، وأول مرة أسمعه"، وعندما قرأنا عليه نص بيان الحزب كان رده:" نعم..المجلس العسكرى كان لا شأن له بالعمل السياسى، وكان يترك القوى السياسية تختار ماتحب، واعتمد فى فترة ما على إحالة الأمور إلى الشعب ليقرر مايراه، لكنه فى الفترة الأخيرة، بدأ يتدخل فى الاختيارات، مثل قانون الانتخابات البرلمانية، وتحديد نصف المقاعد للأحزاب والنصف الآخر للمستقلين، ومن هنا بدأ يبدى رأياً فى مسائل سياسية". هنا كان تساؤلنا للقيادى الإخوانى: كيف لايبدى المجلس العسكرى رأياً فى مسائل مصيرية وقد فوضه الشعب للتحدث باسمه، فى الوقت الذى لايجد فيه الشعب أى حزب يتحدث باسمه؟ فأجاب: "المجلس العسكرى بيحاول يجامل بعض الفصائل، وربما أراد استرضاء هؤلاء وهؤلاء، والسياسة لاتحتمل إرضاء الجميع". أما موقف الأحزاب من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، من منظور عسكرى، كان تفسيرها على لسان اللواء زكريا حسين، الرئيس الأسبق لأكاديمية ناصر للعلوم العسكرية، وأحد رجال المؤسسة العسكرية، الذى قال إن الشعب لايستشعر حتى الآن بأنه تخلص من الحكم الفردى، ويخشى أن يعود الحكم الديكتاتورى مرة أخرى، من خلال الانفراد بالرأى. نعم هناك توتر بين الأحزاب والمجلس العسكرى، لكن سببه الرئيسى يرجع إلى إصدار الأخير قرارات لاتتوافق مع مطالب جموع القوى السياسية، ومن المفترض أن يحدث العكس بأن يرضى الجميع، وإن لم يستطع فعليه الرحيل.. هكذا فسّر اللواء زكريا حسين سبب الهجوم على المجلس العسكرى. وبرغم مهاجمة هذا الرجل العسكرى لسياسة المجلس الأعلى فى التعامل مع مطالب الأحزاب، فإنه قال: "أنا من مريدى المجلس العسكرى، لكننى أعترض على أسلوب الإدارة". من الهجوم "العسكري" على إدارة المجلس العسكرى، إلى التفسير السياسى لمطالب الأحزاب، على لسان الدكتور جمال سلامة رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، الذى وصفها ب"المصالح الشخصية"، غير أن الدكتور جمال سلامة أراد الرد على منتقدى المجلس العسكرى، بعبارات حملت وطنية المؤسسة العسكرية عندما حافظت على الثورة، وتصدت لمحاولات النظام السابق إحداث فتنة بين فئات الشعب، برغم أن القوات المسلحة لم تعتد على ممارسة السياسة، وتسلمت السلطة فى ظروف صعبة، وأبت أن تكون فى جانب، والشعب فى جانب آخر. أضاف رئيس قسم العلوم السياسية: "إذا كانت الأحزاب تطالب المجلس العسكرى بتسليم السلطة فى أقرب وقت ممكن، فإننى أسأل قيادات هذه الأحزاب، لمن سيتم تسليم السلطة؟ وأين الحزب القوى حتى يتحمل هذه السلطة؟ وكيف سيتم تسليم السلطة إليكم وغالبيتكم غارقون فى الانقسامات الداخلية؟ وكيف بعد كل ماقدمه المجلس العسكرى طوال الفترة الماضية من حفاظ على أمن الوطن نقول له شكراً.. فرصة سعيدة؟". لم يكتفِ الدكتور جمال سلامة بطرح التساؤلات السابقة، بل أجاب عليها قائلاً:" الأحزاب معندهاش أى رؤية للمستقبل، ومعظم القوى السياسية الموجودة الآن على الساحة، تحاول الحصول على ماتبقى من غنائم الثورة على حساب مصالح الشعب، كما أنها تمنى نفسها بالحصول على منافع ذاتيه سواء على المستوى التنظيمى أو الشخصى، لكننى أقول لهم:" أنتم الذين طالبتم بالقائمة النسبية فى الانتخابات البرلمانية، وعليكم أن تعلموا أن هذه القوائم ظاهرها الرحمة، وباطنها العذاب، وانتظروا مزيداً من الانقسامات الداخلية"، واصفًا كثيرا من الأحزاب الحالية بأنها عبارة عن " كيانات إعلامية وغرف علاقات عامة فقط".