فيما شهدت الأشهر السبعة الماضية محاولات عديد من دول العالم لتصدير تجاربها الخاصة فى "الانتقال نحو الديمقراطية" إلى مصر، وبينما تتأهب مصر الثورة لخوض معركة البناء مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية القادمة.. كشف سفير كوريا الجنوبية لدى مصر جونج جون يون عن عناصر الوصفة السرية، التى حققت لبلاده معجزتها الاقتصادية، والدروس التى يمكن أن تستفيد منها مصر من هذه التجربة لتحقيق التقدم والدخول إلى مصاف الدول العظمى اقتصاديا مع الاحتفاظ بالهوية المصرية كاملة دون انتقاص. وابتعد سفير كوريا الجنوبية عن الخوض فى تفاصيل تجارب التحول الديمقراطى، مؤكدا أن مصر مؤهلة بقوة وإرادة شعبها والإمكانات التى حبا الله بها أبناءها وكوادرها وموقعها الجغرافى ورصيدها التاريخى والثقافى؛ لأن تحقق معجزة اقتصادية مماثلة للمعجزة الكورية. وقال السفير جونج جون يون إن هناك خمسة دروس أساسية كانت وراء المعجزة الكورية أولها التعليم، مشيرا إلى أن بلاده تمكنت بفضل تكامل هذه العناصر الخمس من تحقيق معجزة بكافة المقاييس خلال أقل من خمسين عاما قفز خلالها متوسط دخل الفرد من 80 دولارًا فقط سنويا عام 1962 ليصل إلى 21 ألف دولار العام الماضى، ودخلت ضمن مجموعة الدول العشرين الاقتصادية الكبرى واحتلت المرتبة الحادية عشر بين أكبر اقتصاديات العالم والمركز السابع عالميا من حيث حجم التجارة، حيث بلغ حجم تجارة كوريا الجنوبية مع العالم نحو تريليون دولار العام الماضى.. وفيما يخص التعليم، أشار السفير جونج جون يون إلى أن الأسر الكورية تولى أهمية قصوى للتعليم وتنفق عليه نسبة كبيرة من دخلها، وهو ما يجعل الحكومة تفعل الشىء نفسه فأصبح التعليم هو البند الأكبر من حيث التمويل فى بنود الموازنة، موضحا أن حكومة كوريا الجنوبية تستثمر مبالغ هائلة في التعليم ليس فقط الابتدائى، ولكن الثانوى والجامعى أيضا. ولفت إلى أن كوريا الجنوبية تحتل حاليا المرتبة الأولى عالميا من حيث طلاب المدارس الذين يلتحقون بالجامعات حيث تلتحق نسبة تناهز 66% من طلاب المدارس بالجامعة .. وقال إن التعليم فى كوريا هو المعيار الوحيد الذى يمكن من خلاله أن ينتقل الفرد من الطبقة الدنيا إلى الطبقة المتوسطة أو العليا، حيث لا توجد أى فروق اجتماعية فى كوريا إلا من خلال التعليم. وحول الضغوط التى يفرضها الوضع الاقتصادى المصرى على الانفاق على التعليم، قال السفير جونج جون يون سفير كوريا الجنوبية لدى مصر، إن بلاده لا مجال فيها لأى أولوية أخرى قبل التعليم، مضيفا "لا يهم إذا ما كان الشخص فقيرا أو غنيا فلابد أن يعلم أبناءه، ولابد للحكومة أن تستثمر فى ذلك المجال، لأن ضعف تعليم الأطفال سيجعل حالة المواطن تتدهور من أسوأ إلى أسوأ، فالتعليم هو المعيار الوحيد للترقى فى المجتمع. وأضاف أن العنصر الثانى وراء المعجزة الكورية الجنوبية، هو حتمية الانفتاح على الاقتصاد العالمى وعدم الانكفاء على الذات، موضحا أن الدول وهى فى مفترق لطرق يكون أمامها خياران، إما الانكفاء على الذات والسعى فقط لتحقيق الاكتفاء الذاتى أو الانفتاح اقتصاديا على العالم. وقال إن كوريا الجنوبية تبنت نهج الانفتاح الاقتصادى على العالم لأن التركيز على الاكتفاء الذاتى سيجعل "الكعكة" التى يقتسمها المواطنون فى المجتمع كعكة صغيرة لكن الانفتاح يضخم من حجم هذه الكعكة فيمكن تقاسمها بين أعداد أكبر من المواطنين، مؤكدا أن نصيحتنا لمصر هى عدم التردد والهروب من الاقتصاد العالمى وخوض التحدى. وأشار إلى أن العنصر الثالث وراء نجاح تجربة بلاده هو تبنى استراتيجيات اقتصادية تتسم بالذكاء، موضحا أن كوريا الجنوبية لم تتجه للتصنيع بشكل عشوائى بل ركزت فى السبعينات على تدشين صناعات خفيفة كالملابس والأحذية بدأت على إثرها الدخول للاقتصاد العالمى، ثم تحولت فى السبعينات والثمانينات إلى الصناعات الثقيلة وفى الثمانينات والتسعينات دخلت صناعات تصنيع السفن والإلكترونيات والسيارات وتكنولوجيا المعلومات. وأضاف السفير جونج جون يون أن العنصر الرابع هو الربط بين البحوث العلمية والتكنولوجيا والتنمية واستثمار الحكومة فى هذا المجال ما جعل كوريا الدولة الثانية على العالم من حيث الاستثمار فى مجال البحث العلمى بنسبة تناهز 5% من الميزانية.. وقال "إننا نؤمن بضرورة الوصول إلى التكنولوجيا قبل استخدامها". وأوضح أن العنصر الخامس وراء المعجزة الكورية هو العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للدخل للحفاظ على الحد الأدنى للاستقرار الاجتماعى، من خلال أمور أهمها توفير الرعاية الصحية للجميع ومكافحة البطالة وسياسات الأمان الاجتماعى التى لم تعد نسبتها تتجاوز 3.5%، وبالتالى أصبحت كوريا الجنوبية من أفضل دول العالم من حيث توزيع الدخل. وشدد سفير كوريا الجنوبية لدى مصر على أن هذه السياسات الاجتماعية مهمة للغاية حتى يشعر المواطنون بالمساواة.