أثارت زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للقاهرة قلق البعض وسعادة الأغلبية, البعض يري أن هناك مخاوف من المد الشيعي إلي مصر, وأعتقد أن الشعب المصري من الصعب أن يؤثر فيه وفي عقيدته أي شعب آخر, لأن الطبيعة الوسطية التي يتمتع بها المصريون جعلتهم يستوعبون كل من جاء إلي مصر حتي الاحتلال الإنجليزي الذي استمر أكثر من سبعين عاما لم يؤثر في صلب العقيدة المصرية, عكس ما حدث في كثير من دول العالم التي تغيرت لغتها وثقافتها تبعا للدولة المستعمرة. والشعب المصري بطبيعته الوسطية يحب أهل البيت إلي درجة أن من يزور مصر من الشيعة يتصور أن المصريين كلهم من الشيعة, ومن يزور مصر من أهل السنة يتأكد أن مصر هي حاملة لواء تطبيق السنة والحفاظ عليها من خلال أزهرها الشريف وعلمائها الوسطيين الذين يطبقون عمليا قول الله تعالي وكذلك جعلناكم أمة وسطا. أعتقد أن استعادة العلاقات مع إيران في إطار من احترام كلا البلدين للآخر ومعرفة القدر الحقيقي لدولتين من أصحاب أقدم الحضارات الإنسانية سيكون له عائد ليس علي مصر فقط ولكن أيضا علي الدول الخليجية التي تخشي من تدخل إيران في شئونها, لأن مصر بخبرتها الدبلوماسية تستطيع أن تكون رمانة الميزان لتحقيق مصالح دول المنطقة كلها, بل إن إيران نفسها يمكن أن تعتمد علي الدبلوماسية المصرية في دمجها في المجتمع الدولي ومحو الصورة الذهنية لدي العالم عن ارتباط إيران بالإرهاب الدولي. لقد لمست بنفسي خلال زيارتي لطهران مرتين كيف أن الشعب الإيراني يتابع كل ما يحدث في مصر ليس فقط علي المستوي الرسمي ولكن الأفراد العاديين في الشارع ومعاهد العلم. وإيران لها تجارب ناجحة في العديد من المجالات الصناعية خاصة الصناعات الثقيلة والسكك الحديدية وصناعة السيارات ومترو الانفاق والتصنيع الزراعي والعسكري وفي مجال الإدارة المحلية وعلاج معضلة الدعم ومشكلات المرور والنظافة. أعتقد أيضا أنه ليس من العدل أن يزيد حجم التبادل التجاري بين دول الخليج وإيران علي200 مليار دولار وأن تطالب دول الخليج مصر بعدم تحقيق التقارب مع إيران لأنها استولت علي جزر إماراتية. لا أقول هذا لكي نندفع نحو استعادة العلاقات غدا مع إيران, ولكن علي الأقل ندرس إيجابيات وسلبيات تلك العلاقة علي المستوي الثنائي وشغف ملايين الإيرانيين بالسياحة إلي مصر, واحتياج الاسواق الإيرانية لكثير من المنتجات المصرية, وانخفاض قيمة المنتجات الإيرانية في ظل تدهور قيمة الريال الإيراني بعد الحظر الدولي المفروض عليها, لاشك أن هناك فرصا هائلة في التعاون الاقتصادي. أعتقد أيضا أن المؤتمر الاقتصادي المزمع عقده خلال شهر مارس المقبل يجب ألا يعيد اختراع العجلة لأن الجامعات ومراكز البحوث المصرية مليئة بالدراسات والحلول لمشكلات مصر.. ولكن نحن في حاجة إلي الاتفاق علي نموذج عمل لمواجهة مشكلاتنا, والاستفادة من تجارب ليس فقط إيران ولكن أيضا تركيا وماليزيا والهند والبرازيل, وربما تكون القمة الإسلامية التي نجحت مصر في الاستفادة منها في التمهيد لبناء علاقات للمصالح المشتركة مع تلك الدول, التي كانت ولاتزال العلاقات الاقتصادية بين اعضاء منظمة التعاون الاسلامي حبرا علي ورق. إن التوازن في العلاقات المصرية مع تركيا السنية وإيران الشيعية وقبل كل ذلك مع الدول العربية هو مفتاح النجاح الحقيقي لاستعادة مصر لمقعد الريادة في منطقة الشرق الأوسط, وهو الحل لمشكلاتنا الاقتصادية وزيادة صادراتنا وجذب الاستثمارات الأجنبية وتوفير فرص عمل, وعودة السياحة ومن بعد كل ذلك زيادة قوة الجنيه المصري. [email protected]