لم تكن زيارة الملك سلمان خادم الحرمين الشريفين الأخيرة لمصر سوى صفحة جديدة فى تاريخ العلاقات التاريخية بين البلدين ولا سيما من الجانب الاقتصادى، وهو ما ترجمه حجم الاتفاقيات التى جرى التوصل اليها والتدفق الاستثمارى الضخم المتوقع.. ناهيك بأن الزيارة تبعث رسالة واضحة لكل من يحاول النيل من العلاقات الابدية بين الدولتين الشقيقتين وتؤكد عمق الأسس القائمة عليها. وقد شهدت الزيارة توقيع العديد من الاتفاقيات والمعاهدات ومذكرات التفاهم التى تهدف إلى زيادة أواصر المحبة والصداقة، ومن ضمن ذلك إنشاء جسر برى يربط ليس فقط بين البلدين وإنما بين قارتى أفريقيا وآسيا، كما سيعمل على تعزيز حركة التجارة العالمية والعربية وتنشيط انتقال رءوس الأموال، وذلك سينعكس بالإيجاب على تنمية التجارة بين القارتين وتعزيز مجالات التعاون بين البلدين، خاصة فى ظل التطورات العالمية التى تؤثر بالسلب على دول المنطقة العربية ككل، ما يدفع بالاقتصاد المصرى للتقدم خاصة فى ظل الأزمات التى يواجها، إذ سيعزز ذلك من فرص الاستثمار وإقامة المشروعات، ويؤكد هذا أن هناك استقرارا للوضع الأمنى فيجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وتسهيل حركة التجارة مع العالم الخارجى، وسيترتب على ذلك العديد من الفوائد الاقتصادية ليس فقط للمستثمرين الذين ستتاح لهم المزيد من الأسواق والمزيد من الصادرات، ولكن سيساهم بشكل مباشر فى علاج مشاكل عديدة ينوء بها كاهل الاقتصاد المصرى ومن ضمنها مشكلة البطالة التى تتزايد عاما بعد عام مع تزايد أعداد الخريجين، إذ إن مزيدا من الاستثمارات والأسواق تعنى مزيدا من المشروعات وآلافا من فرص العمل المتاحة داخل مصر أو خارجها. ومن ضمن الاتفاقيات التى تناولتها الزيارة إنشاء منطقة تجارة حرة فى سيناء، ما سيعود بالنفع على الاقتصاد المصرى، إذ سيؤدى ذلك إلى توسيع حجم التعاملات التجارية مع الدول المجاورة، وبالتالى زيادة النهوض بسيناء وإعطائها مكانتها التى تستحقها والتى أهدرت منذ زمن بعيد، ذلك كله سيؤدى إلى حدوث حراك اقتصادى كبير، وسيؤدى لمزيد من الاستقرار السياسى والافتصادى ليس فى مصر وإنما فى المنطقة بأكملها، وبالتالى سيعمل تدريجيا على رفع قيمة الجنيه أمام العملات الأخرى ما سيؤدى إلى استقرار سعر الصرف. ولا شك أن الاتفاقيات التى تم توقيعها بين الطرفين تعتبر بمثابة طوق النجاة لكثير من الدول ليس فقط من الناحية الاقتصادية وإنما أيضا من الناحية السياسية فى ظل الظروف المحيطة وتحديات الأمن القومى العربى، إذ من الممكن مع مرور الوقت أن يؤدى ذلك إلى إنشاء عملة عربية موحدة أو منطقة تجارة حرة أو سوق عربية مشتركة تربط بين الدول العربية فى القارتين، ذلك سيؤدى إلى إقالة الأمة العربية من عثراتها والتصدى للمخاطر التى تواجهها، وتقوية شأن الدول العربية اقتصاديا وسياسيا وأيضا عسكريا أمام النفوذ الخارجى الذى يحاول أن يبث سمومه إلى داخل عروبتنا، ويضع فتيل الكراهية بين شعوبنا مستغلا اعتمادنا على الغير فى طعامنا وكسائنا ودوائنا، حتى أمننا القومى؛ فهو مكشوف أمام الكثير إذ إن سلاحنا يكون بعلم الغير قبل علمنا. لذلك فلا بد لنا من تشجيع أى خطوة للتعاون بيننا وبين أشقائنا للتصدى للمكائد التى تنصب لنا، وعلى أمل أن تعود مصر لمكانتها ليس فقط عربيا وإنما أيضا دوليا كما كانت فى سابق عهدها.