البورصة وسعر صرف الدولار هما المنطقتات الأكثر حساسية فى مصر هذه الأيام تجاه الأحداث السياسية المتلاحقة التى تمر بها البلاد. فالبورصة تبعث يوميا بتصويت سلبى أو إيجابى عبر مؤشرها العام الذى يعلو ويهبط على وقع الأحداث الأمر الذى دفع بيوتا مالية ومحللين إلى النظر إلى أداء البورصة المصرية لمعرفة مدى إيجابية أو سلبية هذه الأحداث أو مدى صواب القرارات التى تتخذها الهيئات المعنية. أما الدولار فقد أصبح يدخل فى صراع يومى مع سعر صرف الجنيه الذى اثبت قدرة كبيرة على الصمود على مدار عامين بعكس كل التوقعات التى كانت تشير إلى احتمالية انهيار الجنيه أمام الدولار. صحيح أن سعر الجنيه تراجع منذ اندلاع الثورة وحتى الآن إلا ان هذا التراجع له مبررات اقتصادية وظل فى الحدود المقبولة فلم نر انهيارا مفاجئا بل كان هبوطا تدريجيا باستثناء ما حدث فى الأسبوع الماضى" فمع حصار الاتحادية والتهاب الموقف السياسى واشتداد الصراع بين طرفى المعادلة السياسية فى البلاد وهما تيار الاسلام السياسى بكل تنويعاته والتيار الليبرالى بكل تنويعاته أيضا وما صاحب هذه الاحداث من التعليق المؤقت للقرارات الضريبية وتأجيل الاتفاق مع صندوق النقد الدولى دخل الصراع بين الجنيه والدولار الى منطقة جديدة وهى منطقة لا تحكمها العوامل الاقتصادية بقدر ما تحكمها العوامل النفسية والسيكولوجية مدفوعة بالتطورات السياسية السلبية بدرجة كبيرة. فالتراجع السريع والكبير فى سعر صرف الجنيه امام الدولار فى ايام معدودة فاق التراجع فى شهور طويلة وبدا البنك المركزى عاجزا عن التدخل أمام طلب مفاجئ ومتعطش للدولار من جانب فئات دخلت السوق مشترية دون مبرر اقتصادى اللهم إلا الخوف من تداعيات الأحداث السياسية. بوضوح أكثر يمكننا القول إن عودة ظاهرة الدولرة هى التى باتت تحرك خيوط الصراع بين الجنيه والدولار فى سوق العملات وتراجعت الاسباب الاقتصادية لتفسح المجال أمام الأسباب السياسية التى دفعت بعض حائزى العملة المحلية فى شكل مدخرات بالبنوك الى الاسراع بتحويل هذه المدخرات الى الدولار تخوفا من تطورات الموقف السياسى بالبلاد" ورغم ان هيكل الاقتصاد الكلى وقطاعاته المولدة للنقد الاجنبى لاتزال تعمل بمعدلات مقبولة سواء فى السياحة أو التصدير أو رسوم المرور فى قناة السويس أو تحويلات العاملين فى الخارج التى سجلت 18 مليار دولار العام الماضى وهو رقم قياسى غير مسبوق فإن الشعور السلبى الذى انتاب الاسواق على مدى الايام الماضية منح الدولار قوة اضافية فى مواجهة الجنيه الذى اضطر للتراجع وهو تراجع لايزال مستمرا ومتواصلا حتى كتابة هذ السطور ذلك لأن المشهد السياسى لايزال على تعقيداته رغم انجاز المرحلة الاولى من الاستفتاء" خلاصة القول إن فاتورة الازمة السياسية واستحكامها هذه المرة دفعها مضطرا الجنيه المصرى على عكس الأزمات السابقة وهذا يعنى حدوث تحول نوعى فى الآثار المترتبة على مثل هذه الأزمات وهو تحول ينذر بالخطر ذلك لأن انهيار العملة المحلية فى أى بلد لا يعنى سوى شىء واحد وهو أن اقتصاد هذا البلد دخل مرحلة الفشل التى تكون مقدمة طبيعية لمرحلة الخراب الاقتصادى فهل هذا هو ما يأمل فيه المتصارعون اليوم على كراسى السلطة وهم يدركون خطورة هذه المؤشرات السلبية التى ترصدها المؤسسات الدولية والعالم الخارجى بقلق شديد تجاه مستقبل الأوضاع فى مصر أم ان لا أحد بات يلتفت للاقتصاد ويهتم بشئونه" يا سادة الوضع بالفعل خطير وينذر بكارثة اذا لم تهدأ حدة الصراع السياسى ذلك لأن صراع الجنيه مع الدولار هو الأكثر تأثيرا فى حياة المواطنين من ذلك الصراع السياسى الذى لم يعد يتبين فيه أحد الخيط الأبيض من الخيط الأسود .