نواصل متابعة ورصد انخفاض الليرة التركية ونتناول فى هذا المقال تداعيات تراجع الليرة التركية على الاقتصادات الأوروبية العربية حيث توقع خبراء صندوق النقد الدولى أن تنخفض صادرات تركيا إلى الاتحاد الأوروبى إلى نحو 75.5 مليار دولار بنهاية عام 2018، مقابل 85.3 مليار دولار فى عام 2017، بتحقيق فائض لصالح الاتحاد الأوروبى بقيمة 10.2 مليار دولار، وهو ما يعكس الاهمية النسبية للعلاقات التركية - الأوروبية. الا اننا لا يمكن ان نغفل الأثر الايجابى لانخفاض سعر صرف الليرة التركية على تحفيز صادراتها للاسواق العالمية خاصة الاسواق الأوروبية التى تمتلك اقتصاداتها قواعد انتاجية متنوعة ومرنة، فضلا عن كونها تمثل الشريك التجارى الاول لتركيا خاصة إذا ما تجاوزت تركيا أزمة العملة الحالية. وبالنسبة للدول العربية، فإن “تركيا” تجد فى السوق العربية المميزات التسويقية التى تحقق لها الفائض التجارى بالإضافة إلى كونها مصدرا مهما للمواد الخام والنفط، حيث نجد أن واردات “مصر” من “تركيا” تقدر بنحو 2.4 مليار دولار مقابل صادرات مصرية قدرت بنحو 2.0 مليار دولار فى عام 2017، وبفائض لصالح “تركيا” يقدر بنحو 0.4 مليار دولار، كذلك تبلغ قيمة الصادرات التركية لدولة الإمارات العربية المتحدة نحو 9.2 مليار دولار مقابل صادرات إماراتية للسوق التركية بنحو 5.6 مليار دولار (تتركز فى مواد نفطية)، وبفائض تجارى لصالح”تركيا” يبلغ مقداره 3.6 مليار دولار فى 2017، كما تسجل صادرات تركيا للعراق نحو 9.6 مليار دولار فى مقابل نحو 1.5 مليار دولار هى صادرات عراقية للسوق التركية. وعليه، تأتى الدول العربية كالعراق والإمارات والسعودية فى مقدمة الدول العربية استقبالا للواردات التركية تليها مصر ودول المغرب العربى وبقية دول مجلس التعاون الخليجى. والجدير بالذكر أن التجارة التركية مع انخفاض الليرة التركية تجد مزية تنافسية وسط العملات الأخرى للنفاذ بشكل أكبر للأسواق المجاورة، خاصة العربية التى تمثل جانب الفائض فى الميزان التجارى لتركيا. أما فيما يتعلق بالتصورات المحتملة لخروج تركيا من أزمتها فإن التصور الأول يتمثل فى انصياع نظام اردوغان للضغوط الامريكية بالافراج عن القس الامريكى والعودة مرة ثانية إلى تحالفها التقليدى مع دول حلف الناتو (الولاياتالمتحدة والغرب) ومن ثم ينتهى مسلسل انهيار الليرة التركية وتبعاته ويعود الاقتصاد التركى لحالته الطبيعية. التصور الثانى: ان تستمر تركيا على عنادها وتشددها تجاه الولاياتالمتحدةالامريكية مع استمرار الضغوط الامريكية عليها بفرض مزيد من العقوبات وتحول الأزمة من ازمة عملة إلى ازمة اقتصادية ومالية تؤدى فى نهاية المطاف إلى خروج غالبية الشعب التركى فى الشارع تحت وطأة الغلاء ومن ثم انهيار نظام اردوغان ورحيله عن المشهد السياسى ودخول تركيا فى دوامة من عدم الاستقرار الامنى لفترة مؤقتة لحين ظهور بديل آخر بالاتفاق مع الولاياتالمتحدة والغرب. التصور الثالث: استمرار مقاومة تركيا للضغوط الامريكية ومحاولتها التعاون مع حلفائها فى الشرق (الصين وروسيا وايران) اقتصاديا بالتعامل بنظام مبادلة عملاتها دون استخدام الدولار فى معاملاتها التجارية والاستثمارية بهدف إيقاف التدهور المستمر فى قيمة عملتها وما يستتبع ذلك من آثار سلبية على المتغيرات الاقتصادية الكلية. لقد جاءت قرارات نظام اردوغان بفرض المزيد من الرسوم الجمركية على وارداته من الولاياتالمتحدةالأمريكية فى إشارة منه بالمعاملة بالمثل. يتعين على النظام التركى خفض الواردات الكمالية التى تتسبب فى تفاقم العجز التجارى، مشيرا إلى تجربة ماليزيا عام 1997، التى خفضت وارداتها الخارجية بنسبة 25% دفعة واحدة ما ساعدها بقوة فى الخروج من أزمتها. أما التصور الأكثر احتمالا لحل الأزمة الراهنة فهو أنه ربما يضطر “أردوغان” إلى التوصل لاتفاق مع الولاياتالمتحدة لإطلاق سراح “برونسون” مقابل الحصول على إعفاء من العقوبات الأمريكية، وذلك على غرار اتفاق ضمنى توصلت إليه مع “ألمانيا” فى الأشهر الماضية للإفراج عن الصحفى الألمانى “دينيز يوجيل” مقابل تطبيع العلاقات الاقتصادية مع دول الاتحاد الأوروبى. وبالتالى، فإنه على الأرجح أن تتجه تركيا نحو احتواء ازمتها مع الولاياتالمتحدةالأمريكية تجنبا لتعرض اقتصادها إلى مزيد من الخسائر خاصة أن نظام أردوغان ما زال يعانى من وجود تحديات كبيرة على صعيد ترتيبات البيت التركى من الداخل.