حظيت زيارة ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان، إلى القاهرة الأسبوع الماضى، باهتمام كبير على جميع المستويات الرسمية والإعلامية، ليس لأنها الزيارة الأولى له بعد توليه منصبه الحالى، أو لأنه صاحب مشروع التحديث ويقود استراتيجية 2030 التى يجرى تنفيذها بشكل ملموس منذ توليه منصبه فحسب، بل لأن مصر والسعودية هما عمودا الخيمة العربية، وحماية الأمن القومى العربى وإصلاح ما اعتراه من تدهور نال عددا من دوله لا سيما فى سوريا والعراق واليمن وليبيا، فالتحالف المصرى والسعودى والإماراتى يبدو لكل المراقبين هو طوق النجاة للعالم العربى فى مواجهة المخاطر التى يتعرض لها إقليميا ودوليا. لقد نجح الرئيس عبد الفتاح السيسى فى استعادة مصر لمكانتها ودورها العربى والإقليمى، من خلال تعزيز علاقاتها مع الدول العربية ذات الثقل وفى مقدمتها المملكة العربية السعودية، التى ساندت ثورة الشعب فى 30 يونيو بقوة، واستمرت هذه العلاقات على قوتها بمدد من السياسة الخارجية الرشيدة لقيادة البلدين لمواجهة التحديات، والتغلغل الإيرانى فى اليمن من خلال التحالف العربى الذى ساندته مصر بعضويتها فيه ولا تزال، كما تجسد هذا التنسيق والتعاون فى مواجهة الخروج القطرى عن مبادئ الأمن القومى العربى والتحالف مع أعدائه وما يمثله من مخاطر تستهدف الاستقرار فى الدول العربية وتفشى الفوضى وتمكين الجماعات الإرهابية التى تمثل الخطر الأكبر. المراقب للسياسة الخارجية لمصر منذ تولى الرئيس السيسى، يدرك أنها ترسخ ثوابت مهمة وقوية من أجل بناء تحالف عربى قوى فى مواجهة التحديات وتعزيز الأمن القومى العربى الذى تعرض لهزات عنيفة خلال السنوات الماضية، هذا التحالف عماده مصر والسعودية والإمارات دون أن يستثنى أيا من الدول العربية الأخرى التى تسير على النهج نفسه وتنطلق من نفس المرتكزات والأهداف لحماية وصون الأمن القومى، وبناء دولة مدنية حديثة، ولا سيما الأردن والبحرين والكويت. مصر والسعودية بمكانتهما وإمكاناتهما وعلاقاتهما الدولية تمتلكان رصيدا قويا لدعم ومساندة القضايا العربية فى المحافل الدولية. زيارة ولى العهد السعودى حققت نتائج إيجابية على جميع المستويات، ولا سيما الصعيد الاقتصادى، حيث تم توقيع عدد من الاتفاقيات المهمة، لعل أبرزها تأسيس صندوق استثمارى مصرى سعودى بقيمة 16 مليار دولار، والتنسيق بين الدولتين الشقيقتين فيما يتعلق بمشروع «نيوم» الذى يُعد أكبر مشروع اقتصادى فى الشروق الأوسط. الصندوق المشترك للاستثمار بين صندوق الاستثمارات العامة فى المملكة العربية السعودية ووزارة الاستثمار والتعاون الدولى المصرية، إلى جانب البرنامج التنفيذى للتعاون المشترك لتشجيع الاستثمار بين الهيئة العامة تمثل نقلة نوعية لدفع التعاون الثنائى من خلال المشروعات الاستثمارية الضخمة بين البلدين، ففى حين يوفر الصندوق الاستثمارى المشترك الأموال لضخ الاستثمارات السعودية فى عدد من المشروعات بالمحافظات وفقا للخريطة الاستثمارية التى أعدتها وزارة الاستثمار والتعاون الدولى بالتنسيق مع باقى الوزارات والهيئات الحكومية، فإن التوقيع على البرنامج التنفيذى للتعاون المشترك لتشجيع الاستثمار بين البلدين، سوف يسهم فى تبادل فرص الأعمال والاستثمار لزيادة الاستثمارات المتبادلة بين البلدين، لتسهيل التعاون فى مجال الاستثمار وتبادل القوانين والتشريعات واللوائح وجميع التطورات المتعلقة بمناخ الاستثمار فى كلا البلدين بما يترتب عليه تذليل العقبات، وتهيئة المناخ لتشجع القطاع الخاص فى البلدين على إقامة الاستثمارات المشتركة. ويبقى الحديث عن مشروع «نيوم» ذا أهمية خاصة، ليس فقط لكونه من أهم المشروعات التى تحدث عنها ولى العهد السعودى خلال الزيارة، حيث تصل استثماراته إلى 500 مليار دولار لخلق منطقة سياحية جاذبة بين مصر والسعودية والأردن، بما يسهم فى تغيير الخريطة السياحية بالمنطقة، وليس أيضا إلى ما سيوفره من فرص عمل للمصريين تقدر بنحو 250 ألف فرصة عمل مباشرة، ولكن من المهم إزالة اللبس الذى حاول البعض الترويج له على غير الحقيقة عن عمد، بما تم الإعلان عنه من تخصيص الحكومة المصرية ألف فدان جنوبسيناء لهذا المشروع، وكأن هذه المساحة سيتم التنازل عنها، فى حين أن الأمر واضح كل الوضوح ولا يحتمل اللبس، بأن هذا المشروع سيمتد على هذه المساحة فى مصر لتتم تنميتها سياحيا، بمشاركة مصر بالأرض مقابل أن تضخ السعودية الاستثمارات.