قد لا يمر وقت طويل حتى نرى فى الفضائيات اعلانا من نوعية الاعلانات التى تخاطب اصحاب القلوب الرحيمة يظهر فيه رجل فى منتهى الشياكة. . بشنب وبدلة وكرافتة وهو يقول: انا اسمى احمد. . معايا دكتوراه فى الطاقة النووية. . مش لاقى كوسة علشان تشغلنى من يوم ما تخرجت. . اتبرع لى ولو بجنيه. . تعاطفك وحده مش كفاية! وقد تشتد الحملة الموجهة لاصحاب القلوب الرحيمة فتعلن الجمعيات الخيرية عن تبنيها لكفالة حملة الماجستير والدكتوراه مثلما يكفلون الفقراء والارامل والايتام والمعوقين! ومش بعيد نجد اعلانا للجمعية اياها تدعو فيه اهل الخير لشراء جاموسة عشار لمساعدة الاستاذ الدكتور العاطل عن العمل، او شراء كشك سجاير له لاعانته على مواجهة ظروف الحياة! هذا الكلام ليس ضربا من ضروب الخيال او صورة كاريكاتورية سوداء بعيدة تماما عن الواقع لكنه قد يحدث فى اى وقت. . صدقوني! ولان الشيء بالشيء يذكر. . فقد اخذتنى الجلالة وانا أتحدث أمام اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس الشعب قبل ان يتم حله بعدة ايام حول من يضع دستور مصر؟! وقلت وقتها اننا يجب ان نستفيد من تراثنا الدستورى الذى يمتد لاكثر من 130 سنة منذ دستور عام 1882 ، بل يجب ان نستفيد من كل تجارب العالم فى وضع الدستور لاننا لن نعيد اختراع العجلة! وانتابتنى الحماسة وسخنت اكثر فقلت: ان الدستور يجب الا يعبر عن جماعة ولا حزب، لكنه حلم امة يشارك فى وضعه الادباء والفنانون والمثقفون والفلاحون. . والعاملون. . والعاطلون! وما ان نطقت بكلمة العاطلون حتى وجدت همهمة وحالة استنكار مكتومة بين الحاضرين من اعضاء المجلس الموقر، وكأننى سكت دهرا ونطقت كفرا، فكيف يشارك العاطلون فى وضع الدستور. .؟ وكيف سيتم اختيار ممثلى العاطلين؟ وهل نجمعهم من على المقاهى والكافيهات والارصفة؟ والاهم من هذا كله وذاك، كيف يضع هذا الذى يعيش على هامش الحياة ولا يعمل دستور بلاده؟ وكانت وجهة نظرى ان العاطلين فى مصر يقترب عددهم من 13% من عدد السكان او بالتحديد 12.6% ، وان 30% من هؤلاء العاطلين يحملون مؤهلات عليا ودرجات ماجستير ودكتوراه، نعم دكتوراه وماجستير وبالتالى فمن غير المعقول الا يساهم كل هؤلاء فى وضع دستور بلادهم. . فالصورة النمطية عن العاطل التى رسختها الافلام والمسلسلات انه شاب طائش فشل فى التعليم. . مدمن خمر ومخدرات وبتاع نسوان ويتحرش بالبنات فى الرايحة والجاية، ويقضى يومه كله فى التنطع والتنقل من هذا الرصيف الى ذاك ومن هذا المقهى او الكافيه الى ذاك. . وهى صورة نمطية خاطئة بعيدة عن الواقع تماما ففى كل بيت هناك عاطل، وهو بالمناسبة يصلح اسما لفيلم فى بيتنا عاطل ، بل ان الاسرة الواحدة قد تضم اكثر من عاطل انفقت عليهم الاسرة دم قلبها، لكنهم فى النهاية لم يوفقوا فى الحصول على اى فرصة عمل فى اى مجال، ناهيك عن عمل يتناسب مع تخصصاتهم وامكانياتهم والشهادات التى حصلوا عليها. . وقد حذرت اكثر من مرة من ان العاطلين فى مصر قنابل موقوتة قد تنفجر فى وجه المجتمع كله فى اي لحظة، فهم كرات لهب ممزوجة بسخط وغيظ وحقد على المجتمع، وهؤلاء عادة ما يكونون صيدا سهلا للدول والجهات المعادية، فيوظفونهم فى اعمال تهز أمن واستقرار مصر. . لذلك كله يجب الا تستهين الحكومة الحالية، كما استهانت الحكومات السابقة بقضية البطالة، حيث كانت تعتبر حلها اى الحكومات السابقة مجالا للمزايدة والدعاية الانتخابية لا اكثر، وبعد انتهاء الانتخابات. . راحت خالتى عن خالتك واتفرقوا الخالات! على الحكومة ان تتحرك لخلق المزيد من فرص العمل وان تسارع بعمل نظام ضمان اجتماعى للعاطلين لرعايتهم ماديا وصحيا، لانه من غير المقبول ان يمد حامل دكتوراه او ماجستير او حتى بكالوريوس او ليسانس يده ليحصل على مصروفه من ست الحبايب يا حبيبة. . ومن الاخبار التى قد يعتبرها البعض طريفة، وأعتبرها انا خطيرة ، خبر نشر فى ذيل احدى الصفحات الداخلية لصحيفة يومية يشير الى انه تم تسجيل اول نقابة للعاطلين فى مصر، نعم للعاطلين تم تسجيلها بالاسماعيلية، وهذه النقابة سيكون من اول اهدافها المطالبة بخصم 1% من الاجر الشامل للعاملين بالقطاع العام والخاص لتوفير مبلغ يتم توزيعه على العاطلين بمعدل 600 جنيه شهريا لكل عاطل، كإعانة بطالة، بما يوازى نصف الحد الادنى للاجور. .! ولم يفصح مؤسسو النقابة عن باقى مطالبهم لكن مش بعيد انهم يطالبوا بتخصيص كوتة للعاطلين فى البرلمان بغرفتيه، اسوة بنسبة الخمسين فى المائة من مقاعد البرلمان للعمال والفلاحين. . ومش بعيد ايضا انهم يطالبوا بعمل يوم اجازة سنويا ليكون عيدا للعاطلين زى عيد العمال بالضبط! وانا شخصيا شايف ان من حق العاطلين فى هذا البلد طالما ان كل الحكومات تتجاهلهم، ان يطالبوا بكل هذا واكثر حتى يتأكد الجميع انهم مواطنون من الدرجة الاولى، وانهم ليسوا غرباء فى بلدهم الثانى مصر، كما انهم وهذا هو الأهم ليسوا مواطنين فرز ثالث وقعوا فى غفلة من الزمن من قعر قفة الوطن