الطاقة عنصر أساسي للتنمية، فهي تسهم في رفع المستويات المعيشية، وتحسين سبل توفير المياه والخدمات الصحية، وزيادة الإنتاجية، وزيادة إنتاج المحاصيل الزراعية. كما أنها تسهم في تحقيق المساواة بين الجنسين وفي التعليم والقضاء علي الفقر المدقع والجوع وفي زيادة المشاريع الصغيرة جدا، وأنشطة كسب الرزق، والأعمال التجارية المحلية، وزيادة فرص الحصول علي المعلومات، وتيسر طهو الطعام. لذلك فأي إجراء يتخذ في سياسة الطاقة أو تسعيرها يؤثر تأثيرا مباشر علي كل الأنشطة. وكنا نحذر دوما من الإفراط في الاعتماد علي مصدر واحد للطاقة، لذلك يعتبر تطوير الطاقة المتجددة خطوة ضرورية في التصدي لتقلبات الأسعار وعدم الاستقرار الاقتصادي الذي يصاحب الاعتماد علي الوقود الأحفوري. ومن المتوقع أن يستمر تقلب الأسعار بسبب القلق إزاء حالة الإمدادات في مواجهة الطلب المتزايد. وتعد مستويات أسعار النفط المتزايدة باطراد إحدي القوي الدافعة إلي تطوير مصادر بديلة للطاقة حيث يعتبر بعض المحللين بيع النفط بسعر يزيد علي80 دولارا للبرميل العتبة التي تجعل تطوير الطاقة المتجددة فعالة من حيث الكلفة. كما ينصحون صناع القرار، بأن يلزموا الجهة المسئولة عن الكهرباء أو الحكومة بتحمل نفقات إضافية من أجل إنتاج الطاقة المتجددة. ومن سوء حظ الطاقة المتجددة في مصر أنها جاءت في أشد مراحل الدعم عداوة، لكن علي الجانب الآخر نجد أن تكاليفها أرخص من الطاقة الكهربائية المستمدة من المصادر التقليدية، وذلك بفضل عاملين رئيسيين - التطورات الجارية في مجال التكنولوجيا الجديدة والمتجددة، وتزايد سعر الوقود الأحفوري. ويتوقف اختيار التكنولوجيا المناسبة علي الموارد المتجددة المتاحة، وحجم الطاقة المطلوب، ونوعية الاستخدام المراد للطاقة المتولدة، ومدي فعالية كلفة شتي الخيارات ومعايير الاستثمار. وليس هناك حل واحد مناسب لجميع الحالات. وقد تأخذ بلدان مجاورة بتكنولوجيات مختلفة اختلافا كبيرا وفقا للاختلاف في الموارد الطبيعية التي تتوفر لديها. وتعد التقنيات الشمسية الحرارية لإنتاج الكهرباء من أهم البدائل المطروحة لزيادة إسهام الطاقة المتجددة في توفير الاحتياجات المستقبلية من الطاقة، ويرجع ذلك إلي اعتبارات كثيرة، حيث تستمد الطاقة الشمسية من الشمس وتسخر باستخدام الخلايا الفلطائية الضوئية لإنتاج الطاقة الكهربائية أو من خلال مجمعات حرارة شمسية لأغراض تسخين الماء. وهي شكل من أشكال الطاقة المناسبة للعديد من سكان الأرياف، الذين غالبا ما يستبعدون من نظم الشبكات بسبب التكاليف الهائلة التي تنطوي عليها، كما أن مستوي التطور الحالي لتقنيات ونظم الطاقة المتجددة يجعلها قابلة للاستخدام، سواء في النظم الصغيرة التي تؤمن الإمدادات المحلية في المناطق النائية، أو النظم المركزية للاستخدامات الحرارية في الصناعة وغيرها، كما تعتبر مكونا رئيسيا لأي نظام صحي فعال.بالإضافة إلي نظم توليد الكهرباء بالقدرات الكبيرة التي يمكن أن ترتبط بالشبكات الكهربائية الإقليمية والتي دخلت حيز التنفيذ مؤخرا وتتيح تصدير الكهرباء المولدة. بالإضافة إلي أنها تؤدي إلي تحقيق وفر في استهلاك المصادر التقليدية للطاقة، الذي يمكن أن يمثل فائضا للتصدير، وتسهم في إطالة عمر مخزون المصادر التقليدية من النفط والغاز. كما يمكن أن يمثل الوفر المحقق من الاستهلاك خفضا في تكاليف استيراد البوتاجاز والسولار. بالإضافة إلي أنها تؤدي إلي إيجاد فرص للعمالة المحلية في مجالات تصنيع وتركيب معدات الطاقة المتجددة وصيانتها، حيث أن العديد من هذه المعدات يمكن تصنيعها بإمكانات محدودة.ولما كان توفر معدات الطاقة المتجددة يوفر وسائل سهلة التداول ونظيفة بيئيا لأغلب خدمات الطاقة بالمناطق الريفية وخاصة توفير مصادر الكهرباء وضخ المياه والطهي وغيرها، فإن ذلك يمكن أن يحدث تغييرا محوريا في أوضاع المرأة الريفية وذلك بتحسين نوعية الخدمات المتوفرة لها، بالإضافة إلي ما يمكن أن يوفره ذلك من إمكانات لإقامة صناعات حرفية صغيرة وما يرتبط بها من زيادة لدخل الأسرة. كذلك فإن توفر مصادر الطاقة المتجددة محليا في مواقع الاحتياج إلي المياه، خاصة بالتجمعات الصغيرة والتي تحتاج إلي استهلاكات محدودة من المياه العذبة يمكن أن يمثل الحل الاقتصادي والتقني لتحلية المياه في المناطق التي يتعذر بها توفير المصادر التقليدية بكلفة اقتصادية. وأخيرا تلعب الطاقة المتجددة دورا كبيرا في الحد من التأثيرات البيئية لقطاع الطاقة.والفرصة مواتية لمصر لاستغلال المنح والمعونات التي تقدمها كثير من المنظمات والهيئات الدولية وكذلك الاتحاد الأوربي لتنفيذ مثل هذه المشاريع. وكنا ندعو إلي استعمال الكفاءة في استخدام الطاقة كوسيلة للحد من الاعتماد علي ذلك المصدر وحده. أي استخدام مقدار أقل من الطاقة لتقديم نفس المستوي من خدمات الطاقة، أو الحصول علي مقدار أكبر من خدمات الطاقة من مدخلات الطاقة نفسها. ويمكن تحسين الكفاءة في استخدام الطاقة عن طريق الحد من استهلاكها. فالفارق الأساسي بين الاستخدامات التقليدية والحديثة للطاقة لا يكمن في التوصل إلي موارد جديدة أفضل للطاقة، بل في اختراع ونشر أجهزة' التحويل الأولية' القادرة علي تحويل الطاقات الأولية إلي طاقة ميكانيكية أو كهربية أو حرارية، بكفاءة وبتكاليف معقولة. فلم يشهد العالم سوي أقل القليل من الابتكارات الحقيقية في هذا السياق منذ استخدام هذه المحولات الأولية علي نطاق تجاري لأول مرة منذ أكثر من قرن من الزمان، (التوربينات المائية، والتوربينات البخارية، ومحركات الاحتراق الداخلي)، أو منذ أكثر من ستين عاما في حالة التوربينات الغازية. وقد طالت التغيرات معظم مؤسسات إنتاج الكهرباء في العالم نتيجة للأزمات المالية وارتفاع أسعار الوقود والنظر إلي الكهرباء علي أنها سلعة وخدمة، وبالتالي لا يصلح إدارة هذا المرفق بقواعد الأمس. ففي معظم الدول تتكون الصناعة إما من احتكارات تمتلكها الحكومة أو تنظمها أو تشرف عليها. وتقر هذه المؤسسات أي نوع من المحطات تبني ومتي تبنيها. ويتم تقرير أسعار الكهرباء حسب تنظيمات معينة لا علاقة لها بتكاليف بناء مصادر جديدة للطاقة حيث كان الاعتقاد السائد بأن بناء المحطات الكبيرة كان ضروريا لتخفيض التكاليف. إن تكاليف الطاقة المتجددة لابد وأن تهبط في النهاية بفضل الإبداع التكنولوجي والإنتاج الضخم. فالبرلمان الأوروبي قد استن قانونا لدعم المستثمرين الذين يساعدون القارة في بلوغ هدفها بالوصول إلي حصة الطاقة المتجددة في إجمالي احتياجاتها من الطاقة إلي20% بحلول عام.2020 وتحمل ألمانيا لواء الريادة في قطاع التكنولوجيا النظيفة، بالتركيز علي الطاقة الشمسية. وهي تخطط لتأمين47% من احتياجاتها من الكهرباء بالاستعانة بمصادر الطاقة المتجددة. وفيما يتعلق بتوافر الكهرباء بأسعار ميسرة، تستطيع الحكومة العمل علي ضمان أن تكون تكاليف التركيبات الأولية بأسعار ميسرة فضلا عن القدرة علي تحمل الأعباء الشهرية.وتشكل الإعانات أداة تقليدية، لا غني عنها أحيانا، للمساعدة علي خفض كل من التكاليف الأولية والتشغيلية للكهرباء. وإضافة إلي ذلك، قد تقدم الحكومات إعانة لتكاليف الكهرباء خلال فترة معلومة لضمان حصول أفقر الأسر المعيشية علي مستوي أساسي من الخدمات. ومن ثم فموضوع كيفية تمويل الطاقة المتجددة هو نفس موضوع كيفية توفير الدعم المالي لها. فلا يمكن التوسع في موضوع الطاقة المتجددة دون النظر لتجارب الآخرين واستيعاب التغيرات التي طرأت علي صناعة الكهرباء في العالم. لابد من دراسة التجربة الصينية وما انتهي إليه الآخرون بحتمية وجود بورصة للكهرباء خاصة بعد السماح للقطاع الخاص المصري في الدخول في إنتاج الكهرباء. فمشروع تنمية الطاقة المتجددة في الصين، الذي أعد في عام2001، استهدف تحسين نوعية منتجات الطاقة الكهربائية الضوئية الشمسية، وضماناتها، وخدمات ما بعد البيع; وتعزيز القدرات التجارية; وتعزيز الجهود التسويقية. وقدمت أموال هذاالمشروع من خلال اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح إلي نحو80 من الموردين المعتمدين و32 من شركات البيع بالجملة في جميع أنحاء الصين. وشملت هذه الشركات مشاريع خاصة، ومشاريع مشتركة، وشركات مملوكة كليا أو جزئيا لمعاهد البحث، ومشاريع مملوكة للدولة. واستوفت جميع الشركات المعاييرالصارمة لجودة المنتجات والخدمات والإدارة، بغية اعتمادها وبقائها في البرنامج. وعقدت حلقات عمل تقنية ودورات تدريبية لتحسين نوعية المكونات. وقدم للشركات، شريطة نجاحها في اختبارات المعايير العادية، دعم قدره5، 1 دولار لكل واط عند ذروة الإنتاج لكل نظام من نظم الطاقة الكهربائية الضوئيةالشمسية تم بيعه. وبارتفاع معايير الجودة يزداد الدعم المقدم. وفي بداية عام2006 كان نحو50% من مبيعات الشركات المشاركة خارج برنامج الدعم، مما يشير إلي أن تركيب نظم الطاقة الكهربائية الضوئية الشمسية سيواصل الازدهار حتي بعد انتهاء الدعم المقدم. كما سنت قوانين تتعلق بالتغذية في نحو50 بلدا، وتلزم هذه القوانين المرافق بشراء الطاقة المتولدة من مصادر متجددة بسعر معين تحدده السلطة التنظيمية، مع ميزة لكل كيلو واط - ساعة، وبذلك تمنح هذه القوانين منتجي الكهرباء من المصادر المتجددة سعرا مضمونا لكمية متفق عليها من الكهرباء يتم إنتاجهاوتغذيتها. ولتكميل الآليات المالية المحلية، مثل برامج الإعانات، ينبغي أن ننظر في الاستفادة من الآليات المالية الدولية مثل آلية التنمية النظيفة. وقد أنشئت هذه الآلية بموجب بروتوكول كيوتو، رغم أن مشاريع آلية التنمية النظيفة الجاري تنفيذها لا تتوزع حاليا توزعا جغرافيا عادلا، حيث يلاحظ أن الاقتصادات الناشئة الكبري، مثل الصين والهند والبرازيل والمكسيك هي البلدان الرئيسية الحائزة لهذه المشاريع. وثمة آليات مالية دولية أخري، تشمل صندوقالتكنولوجيا النظيفة الذي يديره البنك الدولي، وبرنامج النهوض بالطاقة المتجددة. وتستطيع أسواق رأس المال الخاصة تمويل الطاقة المتجددة. وهناك مجمعات للطاقة الكهربائية تشبه سوق للأوراق المالية ففي كل ساعة من ساعات اليوم، يعرض الموردون الكهرباء علي المجمع بمختلف الأسعار ومختلف الكميات. ويشمل الموردون المتعاملين في السوق ومنتجي ومستوردي الكهرباء المستقلين. وفي الوقت ذاته، يدرج المشترون ( أي تجار التجزئة، والعملاء المباشرون والمصدرون) في عطاءاتهم كمية الكهرباء التي هم علي استعداد لشرائها بمختلف الأسعار. وترتب العطاءات من أعلي إلي أدني تبعا للاستعداد للدفع. وتشكل هذه العطاءات والعروض الأساس للتنبؤ بكمية الطاقة المطلوبة من الشبكة في ساعة محددة وبوحدات التوليد التي ستستخدم في تلبية الطلب علي الشبكة. ويعلن سعر واحد لكل ساعة ويباع مجموع الطاقة بسعر المجمع المعلن للساعة. وفي هذا النظام، تستخدم المولدات الأقل تكلفة أولا ولا يتم اللجوء إلي المولدات الأعلي تكلفة إلا عند الضرورة لمعالجة حمل أعلي. وقد انشئت بعض المجمعات بموجب قانون المرافق الكهربائية. ويتولي مجلس مستقل لمجمع الطاقة إدارة المجمع وهو مسئول عن عملياته. بالإضافة إلي ذلك، يشرف مدير مستقل للنقل علي استخدام شبكة النقل من جانب المشترين والبائعين لضمان أسعار عادلة، وفرص وصول غير تمييزية لجميع المشتركين في السوق وأداء مأمون ويعتمد عليه للشبكة. وساهمت أنواع أخري من الحوافز مثل ترتيبات التمويل، حيث تتحمل الحكومة المخاطر أو تقدم قروض بفوائد منخفضة وكذلك الإعفاءات الضريبية، والإعفاءات من ضريبة الإنتاج، في تطوير وإنتاج الطاقة المتجددة. كما صممت بعض البلدان النامية حزم حوافز، منها التخفيضات الضريبية وغيرها من الحوافز الضريبية والمالية، من أجل اجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر إلي قطاع الطاقة المتجددة. كما ظهرت شركات لخدمات الطاقة تهدف إلي تحقيق وفر في استهلاك الطاقة، فمن خلال الترتيبات التعاقدية التي يمكن أن تعرضها الشركة لخدمات أحد عملائها، تقوم الشركة بتحديد وتقييم فرص التوفير في الطاقة ثم توصي بإجراء مجموعة من التحسينات يسدد ثمنها من قيمة الوفورات المحققة. فهل آن الأوان لأن نغير من أسلوب حياتنا وأسلوب إنتاجنا واستهلاكنا للطاقة؟وهل ستر قريبا بورصة للكهرباء تعيد تنظيم سوق الكهرباء في بلدنا؟