' تخلف التنمية' هو في الحقيقة' التنمية المشوهة' لكل مظاهر الحياة, التي يأتي حصادها المر متمثلا في تنمية التخلف ذاتهDevelopmentofUnder-Development وتكريس الفقر بجميع معانيه وأبعاده المادية وغير المادية. هذه التنمية المشوهة من أبرز سماتها هدر الموارد وتبديدها, وتخريب البيئة وتلويثها, واتساع الأنشطة الطفيلية, وتدني مستوي الإنتاج, وضعف الإنتاجية, مما يسفر عن تباطؤ معدلات النمو. هذا الوضع المؤسف والمزري لكثير من بلدان العالم النامي, كانت محصلته أن نحو ربع سكان العالم يعيشون في فقر مدقع, حيث يقل مستوي الدخل الفردي عن25,1 دولار أمريكي يوميا. الأمر الذي دفع بعض الكتاب إلي التحذير من مغبة ما قد يتمخض عنه ذلك من موجات من الاضطرابات والقلاقل السياسية والاجتماعية, وما قد يؤدي إليه من نزاعات إقليمية. لقد شهد عالمنا تقدما علميا وتكنولوجيا مذهلا, وصحيح أن ثمة تأكيدا علي عالمية الحقوق, وتمحورها حول المساواة بين جميع البشر اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا. مع ذلك تبقي أوجه حرمان كثيرة حيث يفتقر مليار شخص إلي مياه الشرب النظيفة, و6,1 مليار شخص تعوزهم الكهرباء, وثلاثة مليارات لا تصل إليهم خدمات الصرف الصحي اللائقة. وفي حين بلغ تحقيق الإمكانيات البشرية ذرا غير مسبوقة في أوروبا وأمريكا, كان هناك علي الجانب الآخر ملايين الاطفال لا يجدون الفرصة للتعلم في المدارس الابتدائية, وملايين غيرهم يعيشون أو يعملون في الشوارع, بل إن ربع عدد الأطفال في البلدان النامية يعانون من سوء التغذية. ونقص الإسكان يمثل مشكلة إضافية, فأكثر من مليار نسمة يعيشون في مساكن غير لائقة, ونحو ستمائة مليون آخرين بلا مأوي. كان الفكر السائد منذ أن طرحت قضية التنمية غداة الحرب العالمية الثانية مبنيا علي أن التخلف لا يعدو أن يكون مجرد تأخر زمني. ولم يعد هذا التفكير- الآن- كافيا أو مقنعا لتفسير ظاهرة التخلف. ويتبني بعض الاكاديميين ما يعرف بنظرية الحلقة المفرغةTheviciouscircle. الدخل القومي للبلدان النامية محدود, لذلك فمستوي الادخار المحلي متواضع, وبالتالي تقل الاستثمارات, فتقل معدلات النمو. حلقة مضمونها أن التخلف يؤدي إلي مزيد من التخلف! بعض الاقتصاديين- ومنهم الاقتصادي الارجنتيني راؤل بربيشRaulPrebisch- تصور نموذجا للاقتصاد العالمي علي شكل دائرة مركزها عدد ضئيل من البلاد الصناعية المتقدمة, ويتناثر علي محيطها أو علي حافتها أغلب بلدان العالم وسكانه. وليس هنا مقام تأصيل أو تنظير أو تفسير قضية التخلف والتنمية. الذي يهمنا حقيقة, بل ويثير الانزعاج ما يشير إليه تقرير للبنك الدولي من أن عملية التنمية ستزداد صعوبة في المرحلة المقبلة, وخاصة مع تغير المناخ, وستكون البلدان النامية هي الأكثر معاناة, فالتقديرات تفيد بأنها ستتحمل نحو75-80 في المائة من تكاليف الأضرار الناجمة عن تغير المناخ. العمل الآن ضروري, وإلا اختفت الخيارات الممكنة, وازدادت الأعباء والتكاليف. والمهمة العاجلة أمام البلدان النامية الآن تتمثل في تحقيق دفعة قوية يتهيأ بفضلها إحداث تغيير بنياني مما يساعد علي زيادة الدخل الحقيقي باضطراد عبر فترة ممتدة من الزمن. وإذا كان الأمر يتطلب تعدد مستويات العمل الإنمائي: محليا ودوليا, إلا أننا نسارع إلي القول بأن التنمية هي عملية واعية مدروسة ومنسقة ينظمها ويوجهها ويدفعها مجهود وطني قبل كل شيء, وأن التعاون الدولي أو الاقليمي قد ييسر الأمر لمجابهة الكثير من المشكلات, ولكنه لن يغنيها عن العمل الوطني الجاد والدءوب. وقد يكون من المناسب الإشارة إلي بعض العناصر كمفاتيح أساسية لتحريك عملية التنمية. 1- تشجيع الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي في القطاعات الانتاجية كافة. 2- إعطاء أولوية للتصنيع علي أساس أن الصناعة القوية ستكون بمثابة القاطرة التي تسحب وراءها بقية قطاعات الاقتصاد القومي تلقائيا من أجل الوفاء بالاحتياجات الأساسية للمواطنين, وزيادة الصادرات. 3- تحفيز المشاركة المجتمعية, والاهتمام بقضية العدالة الاجتماعية.