«وقوع البلا ولا انتظاره» مقولة مصرية دارجة، ربما تنطبق على ما يحدث فى مصر على الصعيد الاقتصادى فى الوقت الراهن، فى رأيى ورأى الكثيرين فقد آن الأوان لتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى والاجتماعى الحقيقى.. التأخير ليس فى صالح أحد.. من الضرورى البدء الآن وليس غدا. على السلطات المصرية (البنك المركزى والحكومة) أن تتخذ الإجراءات التالية كإجراءات مسبقة قبل عرض البرنامج على المجلس التنفيذى للصندوق للحصول على الموافقة النهائية على تمويل البرنامج و تقديم الدفعة الاولى البالغة 2.5 مليار دولار. كان هناك العديد من الإجراءات المسبقة Prior Actions تم تنفيذ إجراءات عديدة منها: قانون الخدمة المدنية، اتباع سياسة مرنة لسعر الصرف (تم خفض الجنيه بنحو 5.41% فى منتصف مارس الماضى)، تطبيق ضريبة القيمة المضافة، رفع شرائح الكهرباء، إقرار قانون. المنازعات الضريبية، وغيرها من الإجراءات.. ولكن ما تبقى ثلاثة إجراءات مسبقة: الأول السلطات على علم به، والثانى كان مفاجأة للسلطات المصرية نطقت به السيدة/ كريستين لاجارد مدير عام الصندوق فى أثناء أحد اللقاءات فى ثانى يوم الاجتماع السنوى للصندوق والبنك الدوليين وبالتحديد فى لقاء اللجنة الدولية للسياسات النقدية والمالية يوم السبت الماضى 8 أكتوبر. 1- أن تدبر الحكومة المصرية مبلغ 6 مليارات دولار من مصادر أخرى لملء الفجوة التمويلية للسنة الأولى.. تقريبا هذا الإجراء تم تدبيره حيث حصلت مصر على تعهدات بالحصول على هذه الحزمة المالية. أما المفاجأة التى تلقاها الوفد المصرى فتمثلت فى مطالبة الصندوق باتخاذ الإجراءين التاليين حيث يعتقد مسئولى الصندوق أن ما تم بشأنها ليس كافيا بسبب تأخر السلطات المصرية فى تحقيقها وتفاقم الفجوة بين السعر الرسمى والسوق الموازى واتجاه الأسعار العالمية للطاقة إلى الارتفاع. الصندوق هو الآخر فى حالة قلق ومع مرور الوقت يتشدد فى طلباته خاصة أن قيمة القرض كبيرة (12 مليار دولار) مقارنة بما كانت السلطات المصرية تطلبه فى فترة حكم المجلس العسكرى (3.2 مليار دولار) أو فى فترة حكم الرئيس الأسبق مرسى (4.8 مليار دولار). 2 - يطالب الصندوق السلطات المصرية باستكمال منظومة دعم الطاقة. إن القراءة الدقيقة للبيان الصحفى للبعثة فى نهاية زيارتها بالقاهرة يتضمن تطبيق منظومة ترشيد دعم الطاقة (كهرباء - المنتجات البترولية) كإجراء مسبق قبل عرض البرنامج على المجلس التنفيذى للصندوق.. الصندوق يرى أن الحكومة المصرية قامت بالتنفيذ بشكل جزئى ولم تستكمل باقى الإجراءات. المطلوب أن تقوم الحكومة بتطبيق باقى منظومة الكروت الذكية للمنتجات البترولية. 3 - أما بخصوص سعر الصرف؛ فيطالب الصندوق السلطات المصرية بضرورة توحيد سعر الصرف كإجراء مسبق Prior Action فوفقا للمادة الثامنة من مواد اتفاقية الصندوق ضرورة أن تلتزم الدول الأعضا،ء ومنها مصر، بسعر صرف واحد لعملاتها وليس تعدد أسعار الصرف.. هنا الصندوق يترك للسلطات المصرية الحرية: أ- إما أن تقوم بتخفيض (وليس تعويم) قيمة الجنيه الى سعر التعادل تقريبا اى ان يتراوح بين 11 و12 جنيها للدولار مع استخدام الاحتياطى لتلبية احتياجات السوق بالشكل الذى يقضى على السوق السوداء، ومن ثم يتوحد سعر الصرف.. للأسف الاحتياطى الحالى - 19.6 مليار دولار- لن يكون كافيا ولن يمكن البنك المركزى فى عملية توحيد سعر الصرف. ب- الحل الآخر: هو التعويم.. بأن يترك البنك المركزى سعر الصرف يتحدد وفقا للعرض والطلب اى كيفما يكون مستوى السعر فى السوق الموازية (السوداء) دون تدخله بيعا وشراء (اى يتم الغاء آلية العطاءات التى تعقد كل يوم ثلاثاء أسبوعيا بمبلغ 120 مليون دولار) و عليه فإن البنك سيحافظ على الاحتياطى الحالى بل على العكس يمكن أن يتزايد مع تدفق مزيد من الاستثمارات الأجنبية والتحويلات والصادرات والسياحة والقروض التى عقدتها الحكومة مع المؤسسات المالية وغيرها. التقييم الشخصى: أعتقد أن الصندوق سيتشدد أكثر كلما تأخرت السلطات المصرية ولم تحسم السلطات أمرها بخصوص الإجراءات المسبقة المطلوبة عاليه. كذلك أتوقع ان يتأخر عرض البرنامج على المجلس التنفيذى إلى نهاية العام لتنفيذ الإجراءين المسبقين السالفة الإشارة إليهما. وفى رأيى الشخصى: 1 - أن يقدم البنك المركزى على تعويم الجنيه المصرى مقابل الدولار خلال الأيام القليلة القادمة دون تدخل، بحيث يترك السوق يتوازن حسب قوى العرض والطلب. 2- اتخاذ قرارات استثنائية برفع أسعار الفائدة بمعدلات تشجع على الادخار وسحب فائض السيولة دون انتظار لاجتماعات لجنة السياسات النقدية لمحاربة التضخم. 3- الإسراع بتطبيق منظومة الكروت الذكية للمنتجات البترولية حيث إنها منظومة تقريبا جاهزة للتطبيق مع رفع جزئى لأسعارها. 4- استمرار الحكومة فى بذل جهودها لتعزيز شبكة حماية الطبقات غير المقتدرة بتوفير السلع والخدمات الأساسية والرقابة الصارمة على الأسعار فى الاسواق. 5- ضرورة أن يتحقق التناغم بين أعضاء الحكومة وبخاصة وزراء المجموعة الاقتصادية لا بد أن يكون لديهم نسخة بتفاصيل البرنامج بحيث لا يقتصر الأمر على محافظ البنك المركزى ووزير المالية. 6- الشفافية والتواصل مع الشعب من خلال الإعلام الواعى؛ ليعرف حقائق الوضع الاقتصادى حتى يكون مهيأ لتحمل عبء الإصلاح والتصحيح الاقتصادى.