د. عبد الحميد الموافي في ظل استمرار انخفاض العائدات النفطية العمانية، خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، والذي بلغ نحو 30 % ، وبالرغم من تسجيل الميزان التجاري للسلطنة فائضا يتجاوز 3،1 مليار دولار ، وهو ما يعني حدوث انخفاض كبير في الواردات، فإن الحكومة العمانية تواصل العمل من أجل وضع هدف تنويع مصادر الدخل القومي، والحد من الاعتماد الكبير على النفط، موضع التنفيذ العملي، وعلى نحو يمكن تطبيقه بالفعل خلال خطة التنمية الخمسية التاسعة ( 2016 – 2020 ) التي بدأت بالفعل يناير الماضي، كجزء أساسي من هذه الخطة، التي تكتمل مع نهايتها الرؤية المستقبلية ( عمان 2020 ) . وإذا تم ذلك بالفعل، كما هو معلن عنه حتى الآن، فإن الرؤية المستقبلية ( عمان 2020 ) تكون قد اقتربت كثيرا من تحقيق أهدافها التي وضعت قبل 25 عاما، حيث بدأ تنفيذ ها مع الخطة الخمسية الخامسة ( 1996 – 2000 ) خصوصا أنه من المخطط له أن تكون المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم - وهى أكبر منطقة استثمارية عمانية تطل على بحر العرب والمحيط الهندي، وتضم استثمارات تصل إلى نحو 15 مليار ريال عماني (أي نحو 38 مليار دولار ) – قد تكاملت ودخلت معظم مشروعاتها حيز الإنتاج الفعلي، وقد بدأ بعضها في التشغيل الفعلي، مثل الحوض الجاف لإصلاح السفن، والذي استقبل حتى شهر أكتوبر الماضي 430 سفينة، متعددة الأحجام والاستعمالات، لإصلاحها أو لتعديل استخدامها. ولعل ما يميز التحرك العماني الأخير، أن عملية تنويع مصادر الدخل القومي، قد تحولت من مجرد هدف معلن، يتم الحديث عنه إعلاميا، إلى خطة عملية يتم بحث كل جوانبها، ووضع سبل تحقيقها، بالتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص العماني، وبمشاركة شعبية واسعة، وبالاستعانة أيضا بالخبراء والمختصين، والاستفادة بشكل قوي من التجربة الماليزية في هذا المجال، وذلك بمشاركة مباشرة من "وحدة الآداء والتنفيذ" التابعة للحكومة الماليزية. وفي هذا الإطار تم تصميم "البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي" – تنفيذ – وهو برنامج بدأت مرحلته الأولى في مايو الماضي، وامتدت مرحلته الثانية من 18 سبتمبر حتى 26 أكتوبر الماضي. وفي حين حددت المرحلة الأولى مجالات وأولويات الاستثمار في السلطنة، بالتركيز على قطاعات الصناعات التحويلية والسياحة والخدمات اللوجستية، إلى جانب قطاعي المالية والتمويل والتشغيل، وهى القطاعات ذاتها التي تركز عليها خطة التنمية الخمسية التاسعة، فإن المرحلة الثانية من البرنامج، التي أطلق عليها حلقات العمل، أو "المختبرات" حرصت على تنظيم حلقات عمل ومناقشة برئاسة الوزراء المعنيين بالقطاعات المختلفة، وبمشاركة متخصصين وأساتذة جامعات وخبراء ورجال أعمال وإعداد من الشباب – رواد الأعمال – وأعضاء في مجلس الدولة ومجلس الشورى، وذلك لمناقشة أفضل السبل لتطبيق برنامج التنويع الاقتصادي والخروج بتوصيات، سيتم الإعلان عنها في العشرين من شهر نوفمبر الجاري، ومن ثم فتح حوار مجتمعي واسع حولها، لضمان أكبر مشاركة شعبية ممكنة في هذا البرنامج، الذي سيتم إعلان تفاصيله ومراحل ووسائل متابعة التطبيق وفق جداول زمنية محددة، يتم محاسبة الحكومة على الالتزام بها. ومما له أهمية ودلالة في هذا المجال أنه تم إنشاء وحدة خاصة باسم "وحدة دعم التنفيذ والمتابعة"برئاسة وزير، وهى تابعة لوزير الديوان السلطاني، كضمان لتفعيل هذه الوحدة وقيامها بدورها في المتابعة والالتزام، بما يتم تحديده من خطوات يشعر الجميع بأنها باتت ضرورية أكثر من أي وقت مضى. وبينما شارك في المرحلة الثانية من البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي – تنفيذ – ما يزيد على 250 مشاركا ومشاركة، يمثلون 160 شركة ومؤسسة من القطاعين الحكومي والخاص، بالإضافة إلى فريق "وحدة متابعة الأداء والتنفيذ" الماليزية، فإن عملية التنفيذ الفعلي، سوف تبدأ أوائل العام المقبل 2017 ، بعد استكمال المراحل الثماني للبرنامج، خلال الأشهر المقبلة. ومع أنه من المعروف أن مجلس الوزراء العماني يتمتع بسلطة متابعة تنفيذ خطة التنمية الخمسية، كما أن مجلس الشورى يتمتع بصلاحيات رقابية لمتابعة خطة التنمية، سواء من خلال بيانات وزراء القطاعات الخدمية، التي يتم إلقاؤها ومناقشتها أمام مجلس الشورى، أم من خلال الأدوات الرقابية لمجلس الشورى – في إطار صلاحياته – فإن هذه هى المرة الأولى التي يتم فيها إنشاء "وحدة دعم التنفيذ والمتابعة"، التي أنشئت في أكتوبر الماضي، لضمان الالتزام والتنفيذ، بما يتم اتخاذه من توصيات، في ظل شعور عام، في الحكومة والشارع العماني، بضرورة العمل بجدية لتحقيق التنويع الاقتصادي وزيادة جذب الاستثمارات والانتهاء من مشروعات الخطة الخمسية التاسعة مع حلول عام 2020 ، ليبدأ بعدها تطبيق الرؤية العمانية ( عمان 2040 ) التي بدأ العمل للإعداد لها منذ الآن. وسيكون البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي – تنفيذ – أحد أهم المرتكزات الرئيسية لتلك الرؤية عند تطبيقها، في ظل ما يمكن أن تحققه عمليا خلال السنوات الأربع المقبلة، وبما يمكن أن يرسيه من أساليب عملية للتنفيذ والمتابعة في مختلف المجالات. ولذا تسعى الحكومة العمانية إلى تحقيق أوسع مشاركة شعبية ممكنة في مناقشة توصيات البرنامج وتنفيذه كضمان لنجاحه من ناحية، وضمان لتفهم الجماهير واستيعابها لمتطلباته، وما قد تتضمنه من تضحيات وأعباء لا مفر منها من ناحية ثانية، وذلك للحد من عجز الموازنة العمانية الذي يقدر له أن يصل إلى نحو 13 مليار دولار هذا العام. ومعروف أنه تم تخفيض الدعم على المحروقات، وزيادة رسوم استقدام العمال وإصدار وتجديد تراخيص العمل للعمال الأجانب بنسبة 50 % تقريبا في الأيام الماضية.