العزب الطيب الطاهر أكد أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية أن هناك حاجة ماسة لتجديد مفهوم الدولة الوطنية في العالم العربي على نحو تكون معه مقرونة بكل معاني الحُكم الرشيد والعدالة وأن تكون "دولة كل مواطنيها" بحق، دون أن تقوم على مذهب أو تستند إلى عرق. لا تنفرد بها فئةٌ أو جماعة. وشدد فى الوقت نفسه على أن العمل العربي المُشترك، والتنسيق والتحرك الجماعي، لم يعد في اللحظة الراهنة ترفاً أو شعاراً وإنما أصبح ضرورة بقاء من أجل علاج الجراح العربية النازفة، وإعادة الحيوية للجسد العربي المنهك وعبر فى الكلمة التى ألقاها فى الِجمعية المصرية للقانون الدولي ،عن قناعته بأنه على الرغم من وجود أسباب التخبط واليأس،فإن هناك ضوءً في آخر النفق لكنه لفت الى الى أن خروج العالم العربي من هذه الأزمة الكبرى لن يتحقق إلا بالتلاحم والتعاضد بين مكوناته الأساسية. وقال إن الأزمات الراهنة فرضت على دول عربية أن تتداعى لنجدة دول أخرى وهو ما يعكس مؤشرٌا جيدا على أن هناك عصبٌ للنظام العربي ما زال سليماً، وأن بإمكانه – بقليل من الفكر الجسور وروح المبادرة- أن يعمل بكفاءة وأن يصير "نواة" تستعيد للعالم العربي تماسكه، وللدولة الوطنية منعتها ووحدتها. وتطرق أبو الغيط الى الأزمة العميقة والخطيرة التي ألمت بالمنطقة العربية في السنوات الأخيرة والتى أدت الى أن هناك دولا تكاد تختفي من على الخريطة، بينما هناك دول أخرى يُناضل أبناؤها من أجل الحفاظ علي كيانها موضحا أن القاسم المُشترك بين أزمات الدول العربية هو العجز عن صهر الولاءات الأولية، للقبائل والعشائر والمذاهب والمناطق، في بوتقة وطنية جامعة والذى تتحمل النخب مسئولية استمرارها بهذه الصورة القبيحة والمُفزعة. وقال إن الانفجار الذي نشهده اليوم، في سوريا والعراق وليبيا واليمن، ليس سوى نتيجة طبيعية لتنازع الهويات، وضعف الولاء للدولة الوطنية باعتبارها عنوان الانتماء. في غياب الولاء لعلم الدولة، يُطل الانتماء للقبيلة. في غياب الانصهار في الجيش الوطني، تظهر الميلشيات والعصابات. وعندما تُكسَر وحدة السلاح، تتعدد البنادق، وتتكاثر الولاءات، وتغرق الأوطان في الفوضى. وأضاف : إن الدولة العربية لم تواجه التهديد من كيانات أصغر منها فحسب، وإنما أيضاً من أحلام –أو أوهام- أكبر فلقد شهدنا من يُبشرون بالانتماء للخلافة الإسلامية، وينسبون أنفسهم –زوراً- لها. وهؤلاء يقصمون ظهر الدولة الوطنية ويضربونها في مقتل لأنهم يُبشرون بكيان أكبر منها لا وجود له سوى في خيالاتهم ,كما أنهم يستغلون ارتباطنا الوجداني بتجربة الخلافة الإسلامية ليقفزوا إلى السلطة وجميعنا شاهد ما يفعلونه عندما يتربعون على كرسي الحكم. كلنا رأينا بأعيننا حقيقة ما يدعون إليه في الرقة والموصل وسرت. من إعدامات بالجملة. واستعباد للنساء. وترويع للعباد وخراب للبلاد. ونبه الى أن الدولة العربية تواجه تهديداً من أعلى ومن أسفل. من داخلها ومن خارجها في وقتٍ يمر فيه العالم كله بحالة من السيولة والفوران مشيرا الى أنه لا يوجد نظامٌ دولي مُستقر يساعد في التنبؤ بسلوك اللاعبين الآخرين وهو ما يشير الى بروز لحظة مُرتبكة تشهد ميلاداً جديداً غيرأنه لا يُمكن استيضاح معالمه أو تبين محدداته. ورأى أبو الغيط أنه وبسبب الارتباك الراهن تبدو الأزمات العربية أكثر تعقيدا المصحوب ببزوغ وتضخم لطموحات قوى إقليمية تُريد الانقضاض على ما تراه غنائم لها، ومكاسب يتعين عليها تحصيلها. وبعض هذه القوى لا يرغب سوى في الهيمنة والسيطرة وبسط النفوذ على البلدان العربية الى جانب تبلور أجندات جديدة لقوى دولية صاعدة تطمح لإزاحة القوة العظمى المُهيمنة وتُريد أن تلعب دوراً، وأن تكسب أرضا وهى تسعى عبر استشعار الفراغ الذي نتج عن تآكل الدول وتفتيتهاالى أن تتمدد في هذا الفراغ لتملأه تبعاً لمصالحها وتحقيقاً لأهدافها. وحذر أبو الغيط من أن كل شبر تخسره الدولة الوطنية يتمدد فيه الآخرون وكل ثغرة هناك من هو جاهز لاقتناصها، وكل فراغ سيجد من يملأه لافتا الى أن الدولة الوطنية ليست كياناً يُدافع عنه بالسلاح فحسب، ولكنها المناط الأخير للانتماء والولاء وقال إن هذا الانتماء لا يولد من رحم الخوف والرعب من دولة قاهرة، وإنما بدافع الإيمان الحقيقي والاقتناع الأصيل. وكم من دولٍ قامت على الخوف فتهاوى بنيانها بين عشية وضحاها.