محمد أسعد لأول مرة تدون محكمة القضاء الإداري في إحدى حيثيات حكمها، رفضها القاطع الإساءة أو المساس بثورة الخامس والعشرين من يناير، وتسطر كلمات تعطي درساً لكل من يسىء إلى الثورة أو يصفها ب"النكسة" أو يوجه أية اتهامات أو إساءات لمن شارك فيها.
جاء ذلك في حيثيات حكم محكمة القضاء الإداري، بوقف الدعوى المقامة من جبالي محمد جبالي المراغي، رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، والتي طالبت بحل النقابات والاتحادات المستقلة، وقررت المحكمة إحالة قانون النقابات العمالية للمحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستوريته.
دعوى جبالي حملت العديد من العبارات المسيئة لثورة الخامس والعشرين من يناير، كما أن بعض المحامين وصفوها ب"النكسة" أمام هيئة المحكمة خلال جلسات المرافعة.
تقول المحكمة في حكمها إذا كان داء الثورات هو بعض من يخرج عليها فإن دواءها التمسك بمبادئها، ولا خلاف على أن ثورة الشعب المصري لم تكن ثورة مؤسسة أو جماعة أو تنظيم وإنما سيسجلها التاريخ على أنها نداء الشعب إلى أبنائه للثورة على نظام جثم على مقدراته عقودا عدة.
وحذفت المحكمة كل ما ورد بصحيفة الدعوى من نسبة أي مثلب لثورة الخامس والعشرين من يناير سواء ما ورد مسطراً في صحيفة الدعوى أو قولاً أمامها عملاً بسلطاتها المقررة بالمادة 105 من قانون المرافعات، وقالت: "ما ذلك إلا انحناء من منصة القضاء العالية لقول الشعب المسطر في الوثيقة الدستورية وهو القول الفصل الذي يقصر أمامه أي اجتهاد أو اتجاه سياسي ويبقى سارياً ومقدراً ومحترماً إلى أن يرى فيه الشعب قولاً آخر".
أشارت المحكمة إلى حقيقة دستورية أثرت في النظام القانوني المصري بعامة وفي مجال الحقوق والحريات العامة بخاصة، وتتمثل في قيام ثورة شعبية في الخامس والعشرين من يناير نعتها الدستور الساري في ديباجته بأنها فريدة بين الثورات الكبرى في تاريخ الإنسانية بكثافة المشاركة الشعبية التي قدرت بالملايين وبدور بارز لشباب متطلع لمستقبل مشرق، وهذا التوجيه الدستوري الصادر عن الشعب مصدر السلطات يغدو كل قول يخالفه أمر باطل واقعاً واعتداء على أحكام الدستور الحاكم الذي ارتضاه الشعب عبر استفتاء عام ورقابة شعبية وقضائية.
وإذا كان ما تقدم هو حقيقة واقعة لا تقبل إثبات العكس فإن ثمة التزاما على كافة سلطات الدولة "التنفيذية والتشريعية" بما تقترحه أو تصدره من تشريعات، وقضائية بما تراه من مخالفة لأحكام الدستور أن تراعي الأوامر والمبادئ الدستورية عند إصدار التشريعات أو إحالتها إلى القضاء الموسد له لإعلاء شأن أحكام الدستور ومبادئه، فالثورات الشعبية عبر التاريخ لا تدمر الشعوب وإنما تجدد نشاطها ولا يقاس أثر الثورات ببعض أخطاء أو خطايا تنسب إلى بعض من قام بها بحسبان أن الشعوب لا تخطىء في التعبير عن إرادتها.
سطر حيثيات الحكم المستشار أحمد الشاذلي نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس الدائرة الثانية بمحكمة القضاء الإداري، وعضوية المستشارين سمير عبدالمقصود وتامر سوف طه وبحضور المستشار أدهم درويش مفوض الدولة.
أما عن موضوع الدعوى، قالت المحكمة في حيثيات حكمها إنه ثبت من التجربة المصرية في العقود الماضية أن الحركة النقابية العمالية أسفرت عن تنظيم حكومي لم يستطع أن يعبر عن هموم وآمال الطبقة العامة سواء في مواجهة الدولة أو أرباب الأعمال، ولا خلاف على أن قيام ثورتي الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو على أكتاف الطبقة العاملة كجزء أساسي من التكوين الشعبي يلزم سلطات الدولة أن تعلي داخل هذه الطبقة روح الفهم الديمقراطي الدافع إلى تحسين الأداء خدمة للاقتصاد القومي ونبذ النظرية الاستعلائية التي قد تأتي من داخل التنظيم الحكومي ذاته وتتناسى أن هذه الفئات وأن أطلق عليها ملح الأرض فمعناها قطعاً التبر والمعدن النفيس اللازم لاستمرار دورة الحياة.
كما جاء فى حيثيات الحكم "القول بأن احترام اتفاقيات حقوق الإنسان ينال من سيادة الدولة يتجافى مع الواقع والقانون بحسبان أن الدولة في دستورها الصادر عن الشعب هي التي أعطت هذه الاتفاقيات موضع الاحترام والتقدير، فمن ينفذ التزامه الدستوري لا يجرح كبرياءه بل يؤسس لنظام ديمقراطي يعلي من شأن الفرد وكرامته وحقوقه وهو في عمق الزمان أفضل انجاز لكل من يوسد أمر البلاد".
تستطرد المحكمة "إذا عدلت التشريعات السارية أو صدرت التشريعات الجاري إعدادها في إطار اتفاقيات حقوق الإنسان استوى البنيان الدستوري للنصوص التشريعية الحاكمة واستشعر المواطن أن بلده هي من رفعت من شأنه بين شعوب العالم بغض النظر عن الدعاوى التي تصدر عن بعض المنظمات والدول قائمة على أساس الانتفاء أو الهوى السياسي، وترسخ لدى البعض أن الحقوق والحريات فقط للدولة المتقدمة وأن الأنظمة في غيرها تضع شعوبها في مرتبة أدنى وأن الحقوق تنزع جبراً بتوجيه دولي وهو ما يجرح الكبرياء العام وخصوصا في مصر التي سبقت غيرها من دول العالم لموقع اصطفاها به الله وحضارة تليدة ارتوت من عبق الزمان أصالة وعزة.