أحمد سعد الدين على مدار سبعة عشر عاماً كان أطفال مصر ينتظرون استطلاع هلال شهر رمضان لأنه مرتبط بأحد أجمل الأعمال التى قدمت وهو مسلسل «بوجى وطمطم»، الذى قدمه المبدع الراحل محمود رحمى خلال الفترة من عام 83 وحتى عام 2000 قدم خلالها حلقات غاية فى الروعة سواء على المستوى الفنى أو على مستوى الكتابة، التى تعلم الطفل العادات والتقاليد الصحيحة وتاريخ بلده وانتصارات جيشه، هذا المسلسل الذى تربى عليه أجيال تخطت الآن العقد الرابع من العمر لكنها لاتزال تذكر كل تفصيلة فى هذا العمل الذى شكل وجدانهم بأصوات المبدعين يونس شلبى وهالة فاخر وأشعار صلاح جاهين، الأهرام العربى إلتقت مصممة العرائس فوقية رحمى زوجة الراحل محمود رحمى فى الحوار التالى للحديث عن أهم الذكريات أثناء تحضير العمل الذى لا يزال حاضراً فى وجدان الكبار والصغار. لماذا ترك الفنان رحمى الفن التشكيلى وفكر فى ابتكار فن العرائس؟ الفكرة دائماً ما تكون من بنات أفكار فنان مبدع هو الراحل محمود رحمى رائد فن العرائس، فهو فى الأصل فنان تشكيلى تخرج فى كلية الفنون الجميلة قسم النحت، وعقب تخرجه أراد أن يعرض لوحاته فى معرض خاص به لكنه لاحظ أن الذين جاءوا إلى المعرض هم فقط المهتمون بالفن التشكيلى وليس عامة الشعب بفئاته المختلفه لذلك شعر أن رسالته لن تصل للجمهور عن طريق النحت وكان هذا المعرض هو الأول والأخير بالنسبة له فى مجال النحت، من هنا قرر البعد عن فن النحت والبحث عن وسيلة اخرى توصل رسالته للناس البسطاء، تزامن ذلك مع بداية عمل التليفزيون فدخل المبنى عقب إنشائه بعام واحد كان ذلك فى عام 1961 ومن وقتها وهو رائد فن العرائس . كيف جاءت فكرة عمل العرائس؟ هناك نوعان من العرائس، أحدهما يسمى عرائس الفتل وهى التى تثبت بخيط يمسك بها المدرب من أعلى ويحركها كما يحدث فى مسرح العرائس وكما حدث فى أوبريت الليلة الكبيرة، لكن أثناء دراسة محمود رحمى فى الجامعة جاءت فرقة من رومانيا تعرض أعمالها فى فن العرائس، لكنه لاحظ أن العرائس تعمل بدون خيوط وهى عبارة عّن عروس مفرغة من الداخل يستطيع اللاعب أن يدخل يده بداخلها ويحركها، وهذا ما جذبه فى هذا الفن، من الممكن أن يتم تصويره تليفزيونيا دون أن يرى المشاهد يد اللاعب فيظن أن العروس تتحرك بمفردها، من هنا جاءته فكرت تصميم العرائس بالشكل الجديد، وقد كان التليفزيون فى بدايته مستوعبا لجميع الأفكار الجديدة، فكان رحمى يحاول توظيف جميع أفكاره عن طريق فنون مختلفة مثل خيال الظل والرسومات الملونة وكذلك العرائس، فقد كان رئيسا لهذا القسم فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون لسنوات طويلة . لماذا تخصص فى فنون الأطفال؟ منذ بدايته وهو عاشق لفنون الطفل، لأنه يرى أن الطفل المصرى وخاصة فى مرحلة الخمسينيات كان مظلوما ولم يهتم به أحد، لكن فى فترة الستينيات كانت الدولة ممثلة فى وزارة الثقافة وفى اتحاد الإذاعة والتليفزيون مهتمة بالطفل لكنها تبحث عن إطار صحيح كى توصل له هذه الرسالة، من هنا تلاقى فكر الفنان رحمى مع الاتجاه العام داخل المبنى، وكان التفكير الأساسى كيف يمكن إيصال رساله للطفل عن طريق الصورة ثم الكلمة وهو ما جعله يفكر فى رسم بعض الشخصيات بشكل يستطيع مخاطبة وجدان الطفل المصرى، وهو ما تمت ترجمته فى ابتكار شخصية بقلظ التى ظهرت لأول مرة مع المذيعة الراحلة سلوى حجازى لفترة طويلة، ثم بعدما رحلت قدمت البرنامج المذيعة رشا مدينة فى بداية السبعينيات، وانتهى الأمر عند المذيعة نجوى إبراهيم، كان دائما يقول إن جميع أطفال العالم لهم شخصيات تراثية إلا الطفل المصرى، فالطفل اليابانى له اللعبة المفضلة لديه وهى عروس السومو وكذلك الطفل الإنجليزى له لعبة خاصه بالفارس الإنجليزى، لكن الطفل المصرى لم تكن له لعبة محددة، لذلك ظل يبحث فى هذا الأمر إلى أن توصل لشخصية عروس معينة أقرب إلى الشكل المصرى بصوت مختلف حتى يحبه الطفل فجاءت شخصية بقلظ بصوته الكاريكاتورى والذى يتحدث مع المذيعة ويتعلم الأطفال منه المثل والمبادئ والقيم الصحيحة . لماذا فكر فى ابتكار عرائس بوجى وطمطم وعمل مسلسل لها؟ مع مطلع الثمانينيّات وانتشار التليفزيون الملون حدثت طفرة كبيرة فى الإعلام، لكن للأسف كان هناك انتشار لبعض العادات السيئة التى وجب محاربتها وغرس القيم المجتمعية الصحيحة فى الأطفال، من هنا جاء التفكير فى عمل جديد للأطفال يكون به تشابه كبير بينهم، لذلك عند التفكير فى رسم شخصية بوجى وطمطم حاول تركيب الصوت على شكل الشخصية، إلى أن توصل للحالة التى ظهرت عليها فى المسلسل. ما أهم النقاط التى ركز عليها أثناء تحضير العمل؟ عندما اجتمع بِنَا كفريق عمل قال أنا بصدد عمل مسلسل جديد للأطفال وبعيدا عن الجانب الفنى للعرائس وتحريكها وشكلها، أنا أريد غرس المبادئ والقيم الحقيقية فى وجدان الطفل المصرى، من خلال بعض الأشياء المهمة التى تساعده على الفهم أولا وعلى تعلم أشياء مفيدة، لذلك نجده قال على لسان بوجى القسم الفرعونى، لابد أن أحافظ على مصر وعدم تلويث ماء نهر النيل، وفى حلقات أخرى شرح للطفل قيمة العمل بصرف النظر عن نوعية المهنة، وفى حلقات أخرى، علم الأطفال كيفية نظافة الشارع وعدم إلقاء القمامة فى نهر الطريق، كذلك قيمة الأمانة وعدم الكذب، كان يرى أن الأعمال الأجنبية المستوردة من الخارج تقوم على العنف والقتل، فبعد أن يشاهدها الأطفال كانوا يضربون بعضهم لأنهم يطبقون ما يشاهدونه أمامهم، لذلك عمل على بناء ذاكرة تقوم على السماحة لأنها ستبقى فى ذاكرة الطفل إلى الأبد، لأن الطفل المصرى يختلف عن الطفل الأجنبى، وهو ما نجح فيه بدرجة امتياز، فقد كان يجلس مع الممثل الذى سيؤدى الشخصية ويشرح له خلفياتها وطريقة مشيها وأسلوب كلامها وطبقة صوتها، وكان يختار طبقة الصوت التى لا تتعب الممثل وفى نفس الوقت يستطيع الأداء بها لحلقات كثيرة دون تغيير، لأن نفسية الطفل تتغير مع نغمة الصوت، وكم كان الراحل يونس شلبى بارعا فى أداء الشخصية. برغم وجود فريق عمل فإن رحمى هو الذى يقوم بكل شيء ما السبب؟ عندما كنّا فى التليفزيون فى قسم العرائس وكان يأتينا أوردر بتصميم عروسة لعمل معين كان المخرج يأتى ويجلس مع محمود رحمى ويشرح له أفكاره حتى يستطيع قسم العرائس تصميمها، وكنا نعمل على ذلك ليالى طويلة ثم فى بعض الأحيان عند العرض يجد رحمى أن الفكرة لم تصل كما ينبغى ويضيع معها كل المجهود الذى بذلناه، من هنا قرر أن يتولى مشروعه بنفسه، فهو الذى يضع الفكرة ويكتب لها السيناريو ويخرجها كى تترجم أفكاره وتصل الرسالة كما رآها فى خياله، والنتيجة أن الطفل الذى شاهد بوجى وطمطم فى عامها الأول 1983 أصبح الآن شابا فى الأربعين من عمره، لكن لا يزال يتذكر كل شيء بالنسبة لهذا العمل الذى تعلم منه الكثير، فيكفى أن أقول لك إن معظم الشباب الذين أقابلهم ويعرفون أننى إحدى مصممى بوجى وطمطم يقفون معى ويحكون أيام طفولتهم وكيف أثر العمل فيهم. كيف استطاع الفنان رحمى إقناع الشاعر الكبير صلاح جاهين بالمشاركة فى مسلسل أطفال؟ عظمة الفنان تأتى دائما من إيمانه بالفكرة، بمعنى أن الشاعر الكبير صلاح جاهين كان فنانا على حق وصاحب رسالة، وكان صديقا مقربا للفنان رحمى، وعند البدء فى تحضير الحلقات الأولى لمسلسل بوجى وطمطم، كان يأخذ رأى جاهين وقال له ما رأيك فى أن تشارك معنا فى تيترات الحلقات، فكانت المفاجأة أن صلاح جاهين كتب التيترات وأراد المشاركة بنفسه صوتا وصورة فى الحلقات إيمانا منه بقيمة العمل الذى يشكل وجدان الطفل المصرى، وهذا ما يفسر لنا كلمات صلاح جاهين فى أغنية «آه يا بطنى» وحرمت يا بوجى حرمت، حرمت ترمرم حرمت التى يرددها الشباب حتى الآن، أما الأجمل فهى أشعار جاهين داخل حلقة 6 أكتوبر وهو يحكى للطفل المصرى ما حدث فى 67 ثم نصر أكتوبر 73 فى حدوتة جميلة تحث الطفل على حب بلده وافتخاره بجيش بلاده الذى حقق النصر العظيم . كانت كلمات الأغنية جميلة فى مطلعها، حيث تقول «إحنا بنحبك يا رمضان خصوصا يوم عشرة رمضان علشان يوم عشرة رمضان مصر انتصرت على العدوان، مصر كانت كل أولادها مضايقين وزعلانين علشان أرضنا سيناء راحت لإيدين ناس تانيين، احتلوها بكل بواخة وقعدوا فيها 6 سنين، امشوا منها دى بتاعتنا يعملوا روحهم مش سامعين، وفى لحظة هجمنا عليهم وهدمنا الأسمنت فوقهم ومسكناهم من رقبيهم زى الحرامية الوحشين». هل من الممكن عودة بوجى وطمطم مرة أخرى للشاشة؟ خلال السنوات الماضية عرض علينا أفكار كثيرة لكن لم أشعر بالحس الإنسانى للشخصية كما رسمها المرحوم رحمى، لكن منذ أشهر قليلة جاءنى شاب اسمه محمد محروس ولديه أفكار جيده تعتبر إضافة للمسلسل الذى استمر عرضه سبعة عشر عاما متصلة، ونحن الآن فى مرحلة الإعداد لجزء جديد من بوجى وطمطم نركز فيه على شخصية مصر وعاداتها وتقاليدها وأنا أعمل على تصميم الشخصيات الجديدة لأن العرائس القديمة موجودة كما هى عندى، لكن نحتاج لإضافة أكثر من شخصية أعمل على تصميمها حاليا وأتمنى أن يخرج الجزء الجديد إلى النور فى رمضان المقبل . هل أخذ الفنان رحمى التكريم الذى يستحقه من الدولة؟ الحمد لله لقد تم تكريمه أكثر من مرة فى حياته، ونال العديد من الجوائز، وبعد وفاته تم تكريمه أيضا فى مهرجان الإذاعة والتليفزيون كأحد رواد فن العرائس، وأخيرا صدر قرار من محافظة الجيزة بإطلاق اسمه على الشارع الذى كان يسكن فيه.