أبوظبي – محمد عيسى "تنتاب المجتمعات المسلمة في الآونة الأخيرة المحن والإحن بكل أشكالها المأساوية ..والأمر المؤسي أو الموجع أنها راحت تتمظهر في الآونة الآخيرة بلباس ديني تحت عناوين عرقية وإثنية وطائفية وهي في حقيقتها ليست سوى تعبير عن الجنون المطلق".. هذا ما قاله الشيخ عبدالله بن بيه رئيس "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" فى كلمته بمجلس الحوار بمعرض ابوظبي الدولى للكتاب، فى لقاء مفتوح نظمته إدارة المعرض مع دار "كُتّاب". قدم المحاضر الدكتور خليفة الظاهري اللقاء موضحا أن مشروع الشيخ ابن بيه بات يمثل ظاهرة حداثية تتميز ببعد إسلامي مستنير يقوم على مفهوم التأصيل الشرعي بهدي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.. وهي محاولة فذة في التاريخ المعاصر.. معتبرا أن العالم الإسلامي هو أحوج ما يكون إليها في المرحلة الراهنة.وختم خليفة مداخلته بالسؤال عن خلاصات مشروع التجديد التي وصلت إليها جهود المنتدى.
تحدث بن بيه عن جهود المنتدى في إطار مشروع "تجديد الخطاب الإسلامي" الذي دعا إليه في أبوظبي العام الماضي.واستهل كلمته بالإشارة إلى البيئة الطيبة والحاضنة المواتية لانطلاق المشروع بقوة متمثلة بدولة الإمارات العربية المتحدة قيادة وشعبا وهو بلد المبادرات الخلاقة على كل المستويات الثقافية والمعرفية والإنسانية.. ملاحظا أن جهود المنتدى ما كان لها أن تصل إلى ما وصلت إليه من دون هذه الرعاية المباركة التي تختزل سيرة السلف المؤسس بأحسن ما يكون عليه الخلف. وأوضح أن المنتدى يخاطب المجتمع العالمي بمقاربات فلسفية وقانونية أو حقوقية تقوم على أسس علمية من التأصيل الشرعي باعتبار أن ثقافة السلم هي تعبير ناجز عن روح الإسلام الصحيح ولها جذورها العميقة في فلسفة الدين الحنيف ..مشددا على أن المنتدى لا يدعي احتكار الحقيقة أو الاستحواذ على خلاصة المعرفة بهذا الشأن وإنما هي محاولة "نحسب أنها الطريق الصحيح" لتعميم ثقافة السلام والوئام بدل الحروب والخصام لأن "تعزيز السلم هو بالحقيقة استعارة لإيجاد السلم أولا أي إيقاف الحرب فتلك هي الغاية التي نسعى إليها.. قد لا نملك الحل أو البلسم الشافي إلا أننا نسعى ولذلك التقينا بممثلي كل الأديان ونصر على التواصل معهم بغرض الوصول إلى مقاربات تؤدي إلى وقف الحرب". وقال الشيخ ابن بيه إن مشروع تعزيز السلم ينهض على دعامتي "التأصيل والتبشير" وهما ركيزتان بغاية الأهمية ذلك لأن التأصيل يساعدنا على جمع علماء ومفكري العالم الإسلامي تحت عنوان الدعوة إلى الاجتهاد بغرض تعزيز ثقافة السلام وإطفاء الحرائق من خلال التجديد في الرؤى والمفاهيم أي بمعنى ضرورة الارتقاء بالجهد العلمائي إلى مستوى زمانهم وضرورة مواكبة عصرهم من خلال تقديم الحلول لمشاكل زمنهم إذ لا بُد من تقديم منتج دوائي من صيدلية الشريعة وهو بالضرورة منتج مركب بمعنى أنه يحاكي الزمان بأصول شرعية. واضاف أما دعامة التبشير فتقوم على الجهود الدولية المبذولة في هذا الإطار لقد ذهبنا إلى الأممالمتحدة خلال انعقاد الجمعية العامة في العام الماضي وقدمنا تصورنا للسلم أمام مؤتمر القادة وأسمعناهم صوتنا عاليا بمطالبتهم بالعمل الفوري على وقف الحروب وإطفاء الحرائق قبل أي شيء آخر.. ولاقت دعوتنا اهتماما واسعا تمثل بعض وجوهه في البحث المطول مع أمين عام المنظمة الدولية بان كي مون وسبق لنا أن تواصلنا مع مختلف المنظمات الفرعية التابعة لهيئة الأممالمتحدة فضلا عن الجمعيات والمؤسسات الأهلية أو المدنية الكبرى في العالم. وقال "كما التقينا ومازلنا نواصل هذا الجهد مع ممثلي مختلف الأديان السماوية والأرضية.. ولعل "إعلان مراكش" بشأن حقوق الأقليات غير المسلمة في الديار الإسلامية" هو واحد من جملة فعاليات التبشير التي تركت صدى دولياً واسعاً ولاقت قبولاً واستحسانا على مختلف مستويات النخب الثقافية في العالم. وتحدث الشيخ بن بيه باستفاضة عن الجهود التي بذلت للوصول إلى "إعلان مراكش" الذي بات اليوم بعهدة الأممالمتحدة باعتباره وثيقة إسلامية من أقدم الوثائق الإنسانية التي تقدم صيغة راقية بل نموذجية للمواطنة التعاقدية بين أفراد متساويين بالحقوق والواجبات على اختلاف مللهم ونحلهم أو أهوائهم ومشاربهم تعود إلى ألف وأربعمائة عام ونيف. واوضح أن إعلان مراكش جرت مقاربته بتأصيل شرعي معزز بأحد عشر دليلاً في القرآن الكريم ومثلها في السنة النبوية الشريفة.. ولاحظ معاليه أنه لا يدعي الانفراد بهذا الجهد الكبير وإنما شارك به أخوة مجتهدون "بعضهم بينكم الآن وآخرون غائبون". وختم الشيخ ابن بية حديثه بالتأكيد على أن جهود منتدى تعزيز السلم تؤتي أكلها في بعض الأزمات كما حصل في إفريقيا الوسطى وأن بعضها الآخر يحتاج إلى التراكم حتى يشكل حالة ثقافية عامة ولكن بكل الأحوال تبقى هذه الجهود بحاجة إلى التوصيل أي بحاجة إلى جهودكم أنتم جميعا لتعميم ثقافة السلام فالإعلام مطالب بهذا الدور والشباب معني بهذا الدور وجميع النخب من الكتاب والمفكرين والعلماء لا تقع على مسؤوليتهم مهمة التوصيل والانخراط في تعميم ثقافة السلم والانفتاح على الإنسانية فقط وإنما هم مطالبون بالإبداع في تخليق قيم ثقافية إسلامية تتميز ببعد إنساني كوني.