نوّارة لحرش الرواية المكتوبة بالفرنسية ظهرت 1950 وعبد الحميد بن هدومة فتح الباب أمام الكتابة بالعربية 1971 آسيا جبار الاسم الأكثر حضورا فى ترشيحات نوبل وأول أديبة عربية تنضم لمؤسسة الخالدين فى فرنسا ابنة شنوة أكثر الأديبات الفرانكفونيات حضورا فى الحقل الأدبى العالمى "وقائع سنوات الجمر " الفيلم العربى الوحيد الذى نال السعفة الذهبية وذلك عام 1975
ظل الأدب الجزائرى ومنذ سنوات الاحتلال وإلى اليوم ، المرآة العاكسة لمعاناة ونضالات ويوميات الشعب الجزائري، كما ظل يناضل بطريقته حاملا قضية الوطن والإنسان الجزائرى والهوية الوطنية، وقضية التحرر والاستقلال والثقافة واللغة والانتماء، فى متونه الشعرية والنثرية وباللغتين العربية والفرنسية وحتى باللغة الأمازيغية، وقد أسهم هذا الأدب فى التعريف بقضية الجزائر وبعدالتها فى المحافل الأدبية العربية والغربية. وحقق مكانته بين آداب الشعوب الأخرى، وهذا بفضل بعض الأدباء الذين حملوا ووضعوا قضيتهم التى هى بالأساس قضية الحرية والحياة والوطن على محك الكلمة، ومنهم من دفع حياته ثمنا وقربانا على طريق الكفاح، الذى اختار أن يكون بالقلم، هؤلاء الأدباء، فتيان الثورة/الكلمة، بكل معانيها، خلدوا بإبداعاتهم الفنية المختلفة، مآثر وتاريخ الجزائر فى أكثر مراحلها خصوصية وحساسية. يبقى أن الأدب الجزائرى المكتوب بالعربية ولد متأخرا عن نظيره المكتوب بالفرنسية، حيث ظهرت الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية عام 1971 على يد الكاتب والروائى عبد الحميد بن هدوقة بروايته "ريح الجنوب"، والطاهر وطار بروايته "اللاز"، فى حين سبقتها الرواية المكتوبة بالفرنسية فى الظهور، وهذا عام 1950 على يد مجموعة من المؤسسين الأوائل. ففى فترة الخمسينيات ظهرت روايات مولود فرعون "ابن الفقير" 1950،"الأرضوالدم" 1953، "الدروب الوعرة" 1957.وأيضا ظهرت "الهضبة المنسية" 1952، "السبات العادل"1955، لمولود معمري، أما بعد الاستقلال فكانت روايته "الأفيون والعصا" 1965، التى حولها المخرج أحمد راشدى لفيلم سينمائي. أما محمد ديب الذي تألق بثلاثية:"الدار الكبيرة" 1952، "الحريق" 1954، "النول" 1957، فقد واصل بعد الاستقلال مسيرته الروائية، حيث مكنته من إحراز شهرة عالمية فى المجال الأدبى الفرانكفوني، وتمت ترجمة رواياته إلى لغات كثيرة، كما نشر كاتب ياسين روايته الشهيرة "نجمة"1956، ومالك حداد"الانطباع الأخير" 1958، "سأهبك غزالة" 1959، "التلميذ والدرس" 1960، "رصيف الأزهار لم يعد يجيب" 1961،فى حين برزت آسيا جبار بروايتها الأولى "العطش" 1953. الأدب الجزائرى وباللغتين العربية والفرنسية، وخلال أكثر من 50 سنة من الاستقلال، قفز عاليا فى سماء الأدب العربى والعالمي، وحقق تألقا كبيرا لا يختلف بشأنه اثنان فى عالم الأدب. فجوائزه كثيرة، وإنجازاته بارزة، مكنته من الوصول إلى الأكاديمية السويدية والترشح لجائزة نوبل العريقة عدة مرات. حيث ظلت آسيا جبار، الاسم الأكثر حضورا فى ترشيحات جائزة نوبل للآداب، وهى أيضا أول شخصية أدبية عربية تُنتخب عضوا فى "مجمع الخالدين"، فى الأكاديمية الفرنسية للغة، وهذا عام 2005.فى حين كان محمد ديب عام 2000 على رأس قائمة المرشحين لجائزة نوبل. كما تم طرح اسم رشيدة بوجدرة لذات الجائزة عام 1998. الذى لا يمكن المرور على حقيقته أو القفز عليها، أن الأدب المكتوب بالفرنسية كان الأسبق فى الميلاد من الأدب المكتوب بالعربية. وحتى الآن وحسب المختصين والنقاد، هو أقوى من الأدب المكتوب باللغة العربية، والمفارقة التى لا يمكن تغطيتها بأى شكل، هى أن هذا الأدب ظل يحصد الجوائز والتقديرات الدولية، فى حين لم ينل الأدب المكتوب باللغة العربية حظه من هذه الجوائز والتقديرات الدولية، وظلت جوائزه محصورة فى بعض ما تجود به بعض أجندات الجوائز المحلية أو العربية الضيقة، وهذا ما جعل الأدب الجزائرى المكتوب بلغة فيكتور هيجو يتبوأ مكانة مرموقة بين الآداب الأخرى. لكن برغم المكانة الكبيرة التى حققها هذا الأدب والتتويجات والاستحقاقات التى حازها، فإنه ظل يثير الكثير من الجدل والإشكالات، ولا تزال حتى اليوم تُطرح قضية هاجسية حول ما إذا كان هذا الأدب ينتمى حقا للأدب الجزائري، ويحمل هويته وثقافته، أم أنه ينتمى أكثر للأدب الفرنسى باعتباره ناطقا ومكتوبا بلغة فرنسية، مع التأكيد أن اللغة هى هوية الأدب، وبما أنه ليس مكتوبا بالعربية، فهويته كما يذهب البعض هى فرنسية بشكل أو بآخر، غير مهتمين بحقيقة أنه وبرغم كتابته بلغة الآخر فإنه يحمل فى فكره وأطروحاته ومروياته قضايا جزائرية وتفاصيل الحياة واليوميات والشخوص الجزائرية والإنسان الجزائرى والهوية الوطنية، لكن يبدو أن هذه التيمات والموضوعات الجوهرية فى هذا الأدب لا تشفع له أن يكون أدبا جزائريا خالصا حسب بعض المتشددين لجزائرية الأدب، لا لإنسانية وجمالية الأدب، وهذا ما ساهم فى خلق بعض الشروخات النفسية والتصادمات الفنية بين الأدبين، إلا أنه وبرغم كل ما قيل ويُقال عن الأدب الفرانكفوني، فهو أدب وطنى جزائري، ولا يمكن وصفه بغير ذلك، وكان السبّاق فى حمل قضية الوطن وتقديمها فنيا وجماليا للعالم عبر الكثير من الروايات والمسرحيات والأشعار. النقطة الأخرى التى لا يمكن إغفالها، هى أن الأدباء الفرانكفونيين كانوا دوما يشعرون بانتماء أدبهم لنظيره المكتوب بالعربية، وهذا ما جعل صاحب رواية "الدار الكبيرة"، محمد ديب يصرّح ذات مرة، متحدثا عن هويته وعلاقته باللغة: "إن أخيلتى وتصوراتى نابعة من اللغة العربية، فهى لغتى الأم، إلا أنها مع ذلك تعتبر موروثا ينتمى إلى العمق المشترك. أما اللغة الفرنسية فتعتبر لغة أجنبية مع أنى تعلمت القراءة بواسطتها، وقد خلقت منها لغتى الكتابية". هنا تبرز دلالة ومغزى الهوية العميقة المشتركة بين كُتاب اللغتين التى يُقر بها البعض ويرفضها البعض الآخر. يبقى الأهم أن الأدب الجزائرى وخلال مسيرته، ظل يحصد الجوائز الكبرى، وهذا بفضل الكُتاب المؤسسين للرواية الجزائرية سواء الذين كتبوها بالعربية أم الذين كتبوها بالفرنسية، فمثلا، محمد ديب وهو أحد العلامات البارزة فى الأدب الجزائرى الفرانكفوني، كان أول كاتب جزائرى نال عام 1963جائزة الدولة التقديرية للآداب فى الجزائر، وأول كاتب عربى يحصل على جائزة الفرانكفونيةعام 1994، حيث تسلمها من الأكاديمية الفرنسية، تنويها بأعماله السردية والشعرية، كذلك تم ترشيحه لجائزة نوبل للأدب، وهذه أكبر الجوائز الأدبية فى العالم، والتى مجرد الترشح لها يكفى ويُعدُ إنجازا عظيما فى حد ذاته. كما نجد آسيا جبار التى حققت نجاحات بارزة منذ عملها الروائى الأول "العطش" عام 1953، وحصدت أكبر الجوائز وكانت أول كاتبة عربية تفوز عام 2000 بجائزة السلام فى فرانكفورت التى تمنحها جمعية الناشرين وأصحاب المكتبات الألمانية، وجائزة "ميديسيس" وهى إحدى أرفع الجوائز الفرنسية، والجائزة الأمريكية نيوستاد عام 1996،وقبلها حازت على الكثير من الجوائز الدولية فى إيطاليا، الولاياتالمتحدة، بلجيكا، فرنسا وغيرها من الجوائز العالمية فى مختلف دول العالم، وفى 2005 انتخبت بين أعضاء الأكاديمية الفرنسية، لتصبح بذلك أول عربية تنال شرف العضوية فى هذه الهيئة الثقافية العريقة وخامس امرأة تدخل الأكاديمية وتصل لهذا المنصب الرفيع، وهى أعلى مؤسسة فرنسية تختص بتراث اللغة الفرنسية، والتى تُسمى ب "مؤسسة الخالدين". كما انتخبت فى الأكاديمية الملكية للغة والآداب الفرنسية فى بلجيكا عام 1999. وبفضل رواياتها وكتاباتها عززت صاحبة "ليالى ستراسبورغ" مكانتها الأدبية الرفيعة، ومكانة الأدب الجزائرى فى فرنسا وفى الغرب عموما، وتعبر ابنة شنوة أكثر الكاتبات الفرانكفونيات حضورا وشهرة فى الحقل الأدبى العالمي، وهذا ما أسهم فى ترشيحها لجائزة نوبل للأدب لدورات متتالية، منها دورة 2008 ودورة 2010. جبار تلقب فى باريس ب"فرانسوازساغان"، وهو ما جعل الجنرال ديغول عام 1956 يأمر بإعادة انخراطها من جديد فى دار المعلمين العليا. جبار طرقت مجال السينما أيضا حيث أخرجت بعض الأفلام السينمائية والوثائقية منها فيلمها "نوبة نساء جبل شنوة" عام 1979والذى فاز بالجائزة الدولية فى مهرجان البندقية. من جهته كاتب ياسين صاحب تيار الأدب الطليعى والإنسانى، الذى قدم فى أعماله أحلام البسطاء والمهمشين والبؤساء، حلق بالأدب الجزائرى عاليا بروايته "نجمة" 1956، والتى تعد أكبر رواية للأدب الجزائرى المكتوبة باللغة الفرنسية وأشهرها فى العالم، والتى وضعت السرد الجزائرى فى مصاف الأدب الإنسانى العالمي. كما كان صاحب "نجل الفقير" مولود فرعون، مناضلا بقلمه وفكره وكتاباته، وناطقا أدبيا للجزائر وقضيتها وكفاح شعبها، وقد دفع حياته ثمنا نتيجة لنضاله ومواقفه السياسية، حيث تمت تصفيته جسديا واغتيل فى 15 مارس 1962، ويعتبر فرعون أحد أبرز من أسهموا فى تألق الأدب الجزائرى الفرانكفوني، إلى جانب مالك حداد الذى تميزت كتاباته بالشاعرية والرومانسية والسوداوية والفلسفة، حدّاد الذى ظل يبدع بلغة فرنسية ويعبر بها، إلى أن جاء وقت كفر بها، واعتبرها منفاه اللغوي، فأعلن صاحب "الشقاء فى خطر" موته الأدبى وهو فى عز العطاء، رافضا مواصلة الكتابة بلغة هى غنيمة حرب، وبهذا أنهى مسيرة أدبية حافلة لم يكن غيره ربما ليفعلها وهو فى أوج التألق والنجاح. كما كان الطاهر وطار المُلقب بأب الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية أحد المؤسسين لها، وأحد أهم الكُتاب المعاصرين الذين أسهموا فى تألق الفن الروائى الجزائرى وإيصاله إلى المحافل العربية والدولية، إذ ومنذ روايته "اللاز" وهو يصنع الحدث الروائى، محرزا مع كل عمل جديد نجاحا واستحقاقا ملحوظين، كما كان من بين أكثر الروائيين الجزائريين الذين حصدوا أكبر عدد من الجوائز الأدبية، منها جائزة العويس الثقافية لعام 2008. وكان وطار إلى جانب كوكبة أخرى من كُتاب العربية يشكلون لفيف الرواية الجزائرية بامتياز، منهم صاحب "الحلزون العنيد" رشيد بوجدرة الحائز على جائزة الرواية العربية لعام 2010 التى يمنحهامعهد العالم العربى فى باريس، لأفضل الروايات العربية المنشورة فى فرنسا وهذا عن روايته "أشجار التين الشوكي".أيضا نجد مرزاق بقطاش، أمين الزاوي، واسينى الأعرج الحائز على جائزة الشيخ زايد للكتاب، فرع الرواية فى دورتها الأولى عام 2006 عن روايته "الأمير ومسالك أبواب الحديد". وغيرهم ممن أسهموا فى تقدم الرواية الجزائرية بفن وتميز بارزين. كما برز خلال التسعينيات جيل جديد من الروائيين الشباب الذين أعطوا بريقا آخر للرواية الجزائرية ونالوا عدة جوائز عربية، كما وصلت بعض رواياتهم إلى لائحةالبوكر العالمية للرواية العربية.جيل شكل إضافة للمتن السردى الجزائري، وكانت روايات هذا الجيل تعالج فى أغلبيتها المذابح المرتكبة بحق النساء والأطفال وموجة الاغتيالات والمجازر التى شهدتها الجزائر. وطبعا لا يمكن هنا إغفال الأدب النسوى الجزائرى الذى حقق بدوره خطوات عملاقة، على أيدى كاتبات أسهمن فى ازدهاره، مثل زهور ونيسي، فضيلة الفاروق، وياسمينة صالح التى قال عنها الناقد التونسى جمال الريس، إنها تشكل خطرا إبداعيا على أحلام مستغانمي، هذه الأخيرة التى حققت ما لم تحققه أى روائية جزائرية أو عربية، حيث تحتل رواياتها أعلى المبيعات، كما وصلت روايتها "ذاكرة الجسد" التى صدرت عام 1993 إلى طبعتها 19، وترجمت إلى لغات عالمية كثيرة، وأدرجت ضمن برامج عدة جامعات دولية كالسوربون بباريس وجامعة ليون وجامعة ماريلاند وواشنطن، كما كانت محور بحوث فى عدة كليات عربية منها الجزائر والقاهرة وبيروت، وحولت إلى مسلسل من إخراج السورى نجدة أنزور، ونالت عنها عدة جوائز منها جائزة نجيب محفوظ عام 1998، وتعتبر مستغانمى الروائية العربية الأكثر شعبية ومقروئية فى العالم العربي. ما يمكن تأكيده هنا أن الجيل الأدبى الجزائرى الفرانكفونى الجديد ظل على نهج جيل المؤسسين، وظل يحرز التقدم ويشهد النجاحات تلو النجاحات، مكملين بذلك نجاحات من ساروا على أثرهم من الجيل السابق، وهذا ما عزز أكثر أهمية ومكانة هذا الأدب الجزائرى هوية وانتماء، حتى وإن كتب بلغة فرنسية. فقط الجيل الجديد جاء بدم جديد للرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية، وهو يشتغل فى موضوعاتها على الذات والهويات، وعلى الإنسان وهواجسه وبحثه الدائم عن الأنا والانتماء، وقضايا الهجرة، والإرهاب وغيرها من المواضيع التى تحمل هموم وطموحات الإنسان الجديد، فجيل بوعلام صنصال صاحب "قسم البرابرة" والمتوج بجوائز أدبية كثيرة مثل: جائزة الرواية الأولى فى فرنسا، جائزة السلام الألمانية فى معرض فرانكفورت الدولى للكتاب 2011. كما توجت روايته التى أثارت جدلا كبيرا فى الوسط الثقافى الجزائرى والمعنونة ب "قرية الألمانى أو مذكرات الأخوين شيلر» عام 2008 بالجائزة الكبرى للفرانكفونية.وياسمينة خضرا صاحب الروايات الكثيرة مثل "سنونوات كابول" والذى ترجمت أعماله إلى أكثر من 41 لغة وصاحب الجوائز العالمية الكثيرة، منها "تايم فوربيس"الأمريكية، جائزة الآداب"هونرى غال" الفرنسية. ومايسة باي، وليلى صبار ونينا بوراوى وغيرهم، ممن كتبوا وأبدعوا بلغة موليير وحققوا مكانة لائقة لهذا الأدب وحملوا مشعله بإتقان، واصلوا مسيرته بتميز. هم جيل الرواية الجزائرية المتألقة بامتياز برغم ما يثار حولها من ضجيج وانتقادات. وإن كان الأدب الجزائرى المكتوب بالفرنسية أو ما يعرف بالأدب الفرانكفونى الذى تألق بفضل إبداعات المؤسسين الأوائل، أمثال مولود فرعون، محمد ديب، كاتب ياسين، مالك حداد، آسيا جبار، وغيرهم، كما تألق بفضل كتابات الجيل الجديد من الأدباء، فإن الأدب الجزائرى المكتوب باللغة العربية شق طريقه بصعوبة، فى وقت كانت العربية منفية فى وطنها الأم بحكم الغزو الثقافى الذى تعرضت له الجزائر طوال سنوات الاحتلال، إلا أن هذا الأدب وجد مكانته فى الفضاء المحلى الوطنى والعربى الذى احتضنه وأسهم فى نشره والترويج له، حيث تبنته دور نشر مشرقية عريقة كدار الآداب اللبنانية ودور نشر سورية ومصرية كثيرة.
السينما الجزائرية تهدى العرب السعفة الذهبية الوحيدة السينما الجزائرية عاشت الكثير من المسارات والتغيرات، فخلال الاحتلال لم يكن هناك أى وجود لهذه السينما، حتى إن أول عمل وثائقى بعنوان "الجزائر تحترق" عن حرب التحرير قام بإنجازه وإخراجه صديق الثورة الجزائرية المخرج الفرنسى "رونيه فوتي"، وفى 1957 قام بعض الهواة السينمائيين منهم أحمد راشدي، محمد لخضر حمينا، وجمال شاندرلى بتشكيل خلية للإنتاج السينمائى مهمتها خدمة الثورة التحريرية بالصورة، وإنجاز الأفلام الوثائقية. بعد الاستقلال كانت الانطلاقة الفعلية للسينما الجزائرية وهذا مع إنشاء المؤسسة الوطنية للإنتاج السمعى البصرى عام 1964. والتى تولت مهمة الإشراف والتوزيع ودور العرض، وتم من خلالها إنشاء أرشيف للسينما و"سينماتيك الجزائر"، حيث انتعشت فى هذه الفترة السينما الجزائرية بدعم تام من الدولة التى كانت تمول الإنتاج السينمائى وشقت طريقها بأفلام نوعية، محترفة وناجحة، كان أولها فيلم "الليل يخاف من الشمس" 1965 لمصطفى بديع، بعده توالت الأفلام منها: "فجر المعذبين" 1965 لأحمد راشدي، "ريح الأوراس" 1966 للخضر حامينا، "وقائع سنوات الجمر" لنفس المخرج، "تحيا يا ديدو" 1971 لمحمد زينات، "سقف وعائلة" 1982 لرابح لعراجي. وهى السينما الثورية، التى حاولت استثمار حرب الجزائر وإضاءتها سينمائيا وفنيا، لكن وفى الوقت الذى وضع فيه حامينا السينما الجزائرية على سكة السينما العالمية الكبيرة، حين أحرزت السعفة الذهبية بمهرجان كان، توقع العالم السينمائى خيرا لهذه السينما، واستبشروا بها كثيرا وتوقعوا لها أن تكون منافسا مهما وقويا لسينما العالم المتطورة والمتقدمة، لكن الذى حدث كان العكس، فالجزائر التى بدأت وقتذاك خطواتها فى حقل الفن السينمائي، وكانت وليدة العهد بالسينما، تعثرت برغم تألقها الأول والمبكر، فواجهت فى منتصف الثمانينيات صعوبات كبيرة فى جانب التمويل.كما كان للصراع بين القطاعين الوطنيين العام والمتمثل فى مؤسسة «الكاييك» والمؤسسة الوطنية للإنتاج السمعى البصرى من جهة والقطاع الخاص، دوره السلبى الذى انعكس على مردود السينما، فدخلت فى فترة ركود وكساد كبيرين، خصوصا حين انسحبت الدولة من دعم قطاع السينما، وهو فى أزهى نجاحاته الفنية وأكبر تتويجاته العالمية، فحدثت بعد هذا أزمة فى الإنتاج والتوزيع وفى السياسة السينمائية، دفعت بالسينما إلى التدهور والتقهقر إلى الخلف، وظلت على حالها وكسادها لسنوات بعد حل المركز الوطنى للسينما وانسحاب الدولة من رعاية القطاع السينمائي. فقد تم فى 1984 حل المكتب الجزائرى لصناعة وتجارة السينما الذى أنشيء عام 1967 وكان مسئولاً عن تمويل الأفلام فى الجزائر، وتم توزيع مهام المكتب على هيئتين منفصلتين، هما المؤسسة الوطنية للإنتاج السينمائي، والمؤسسة الوطنية للتوزيع ودور العرض.ووقتها تم التخلى عن سياسة الاحتكار. وبالرغم من هذا، لا يمكن إنكار أن السينما الجزائرية تمكنت من الخروج بالسينما العربية من المحلية إلى العالمية، ويكفى أن السعفة الوحيدة التى حصل عليها العرب فى مهرجان "كان"، كانت من نصيب الجزائر. تعتبر مرحلة الستينيات والسبعينيات الفترة الفعلية لميلاد السينما الجزائرية، بما فيها القطاع العام والخاص وكذلك سينما المهجر. كما شهدت هذه السينما تحولا كبيرا فى النوعية والاحترافية وصلت إلى مصاف العالمية، وهذا بفضل الإنتاج المشترك مثل فيلم "معركة الجزائر" 1966، للمخرج الإيطالى جيليوبنتيكورفو، "المتمرد" 1968 للوكينوفشكنتى عن رواية "الغريب" لألبير كامو، "زاد" 1968 لكوستا جافراس ، "السلام الوليد" لجاك شاربي.ومع حلول التسعينيات خفت بريق الفن السابع فى الجزائر ودخل نفقا مظلما من الركود والإفلاس الفني. بعد أن عانى قطاع السينما من التضييق وعدم وجود تمويل لإنتاج الأفلام، وتخلى الدولة عن هذا القطاع الفنى الحساس. لكن مرة أخرى تستيقظ هذه السينما من سُباتها وتنتعش. وهذا بفضل أفلام الجيل الذهبى الذى آمن بدور الصورة فى حفظ الذاكرة بكل زخمها التاريخي، الإنساني، ونهض مجددا ونفض عنه الصمت الفنى وانخرط فى صناعة الأفلام الجميلة، هذا الجيل الذهبى من المؤسسين السينمائيين هو الذى صنع العصر الذهبى للسينما الجزائرية، التى وبالرغم من قلة أفلامها فإنها حققت حضورا متميزا ومكانة مشرفة فى المحافل والمهرجانات السينمائية الدولية، وتمكنت من اقتناص أكبر الجوائز، بدءا من السعفة الذهبية لمهرجان كان بفرنسا والتى نالها عام 1975 فيلم "وقائع سنوات الجمر" لمحمد لخضر حامينا، وكان أول فيلم عربى يفوز بها والوحيد حتى الآن، ويعد هذا الإنجاز العربى الأكبر والأهم فى تاريخ السينما العربية، لأنها حتى اليوم لم تنل أفلامها إلا سعفة ذهبية وحيدة، هى التى كانت من نصيب الجزائر بفيلم "وقائع سنوات الجمر"، وهو أشهر الأفلام الجزائرية على المستوى العالمي، ويعد الآن من كلاسيكيات السينما العالمية الكبيرة. محمد لخضر حامينا كان عرّاب هذه السينما الفتية الوليدة. إذ يشهد التاريخ الفنى أفلاما كثيرة ناجحة، كلها تُوجت بجوائز عالمية كثيرة، منها:"ديسمبر" 1971، "ريح الأوراس" وغيرها، أبدع فيها حامينا وبفضلها أصبح من كِبار المخرجين فى العالم. أفلام كثيرة صنعت مجد السينما الجزائرية منها: "بوعمامة" لبن عمر بختي، "بنى هندل" لليمين مرباح، "نوة" لعبد العزيز طولبي، "المنطقة المحرمة" لمحمد علام، أيضا أفلام عمار العسكرى مثل: "دورية نحو الشرق" 1971، "أبواب الصمت" 1989، "زهرة اللوتس" 1998، وأفلام مصطفى بديع، ك "الليل يخاف من الشمس"، وأعمال أحمد راشدى مثل: "الأفيون والعصا" 1969، "فجر المعذبين"، "الطاحونة"، "مصطفى بن بولعيد"، "كانت الحرب". أفلام أخرى حققت نجاحا فى رصيد السينما الجزائرية، منها "ريح الجنوب" 1975 لمحمد سليم رياض، كما كان فيلم "معركة الجزائر" 1966 نقلة نوعية وكبيرة فى تاريخ السينما الجزائرية، برغم أن مخرجه كان الإيطالى جيليوبنتيكورفو، لكنه يُحسب على الإنتاج السينمائى الجزائري. السينما الجزائرية لم تبق فى الإطار الثورى فقط، إذ تنوعت وطرقت موضوعات أخرى، منها الفيلم الاجتماعى وحتى الكوميدى الذى استقطب المشاهد الجزائرى، وجعله متابعا للإنتاج الوطني، حيث برزت أفلام هذا النوع ولسنوات متتالية وكان أهمها "حسن الطيرو" 1968 لحامينا، و"عطلة المفتش الطاهر"، 1972 لموسى حداد، "عمر قتلاتو" 1976 لمرزاق علواش، "هروب حسن الطير" 1976 لمصطفى بديع، "حسن نية" لغوتى بن ددوش، "التاكسى المخفي" 1989 لابن عمر بختي. لكن مرة أخرى تجد السينما الجزائرية حالها بين فكى الإفلاس والركود، وهذا خلال سنوات الإرهاب، حيث قل الإنتاج وتعطلت آلة الصناعة السينمائية فى الجزائر. بعد جيل المؤسسين لهذه السينما أمثال محمد لخضر حامينا، أحمد راشدي، عمار العسكري، محمد بوعمارى وغيرهم، جاء جيل جديد من المخرجين ازدهرت على يديه السينما الجزائرية، وحلقت عاليا فى المهرجانات الدولية، أبرزهم وأسبقهم كان مرزاق علواش الذى حصدت أفلامه الكثير من الجوائز، كما أثارت الكثير من الجدل بسبب الموضوعات التى تتناولها والتى اعتبرت فى أكثرها طابوهات لا يجوز طرقها فى السينما، وظلت أفلامه تحدث ضجة وجدلا كبيرين بدءا من فيلمه الأول "عمر قتلاتو الرجلة" 1976، "مغامرات بطل" 1978، "رجل ونوافذ" 1982، "حب فى باريس" 1987، "سلام يا ابن العم" 1996، "باب الواد سيتي" 1994، "باب الويب"، "العالم الآخر"، وصولا إلى "حرّاقة" 2009 الذى فاز بالنخلة الذهبية للطبعة ال20 لمهرجان بالنسيا للسينما المتوسطية بإسبانيا، "نورمال" 2011، وكلها أفلام نالت عشرات الجوائز الرفيعة، آخرها كان فيلم "التائب" الذى نال جائزة "أوروبا سينما"، وهى إحدى الجوائز الأربع الرئيسية فى تظاهرة "نصف شهر المخرجين" فى مهرجان "كان". ويعد علواش من أكثر المخرجين الجزائريين إنتاجا وتتويجا وإثارة للجدل. وطبعا هناك جيل جديد من السينمائيين الشباب، والذى جاء بسينما جديدة وبنفس وروح جديدين للسينما الجزائرية، وصنعوا سينما مختلفة ومنحازة أكثر للإنسان وحياته وهمومه، سينما أحدثت طفرة فى مسار الفن السينمائى فى الجزائر التى كثيرا ما كانت لا تخرج من خانة الثورة والحرب التحريرية، حتى وإن كان هذا الجيل يقيم فى المهجر، لكنه ظل يصنع أفلاما جزائرية تتمحور حول الجزائر وشبابها ومشكلاته وطموحاته، هذا الجيل قدم للسينما الجزائرية أفلاما كبيرة حازت العشرات من الجوائز الدولية، منها "الخريف/ أكتوبر فى الجزائر" لمالك حامينا، وهو نجل المخرج الكبير الأخضر حامينا. "الأنديجان"2006 لرشيد بوشارب، وأيضا فيلمه الآخر "خارجون عن القانون" الذى يعد أحد أهم النجاحات السينمائية بأوروبا والوطن العربي. و"مسخرة" للمخرج إلياس سالم، الذى اعتبر فيلم الجوائز التى لا تنتهي، حيث حصد الكثير منها فى مهرجانات مختلفة، منها جائزة مهرجان روتردام، وهو أحد أشهر مهرجانات الفيلم العربى فى أوروبا، والجائزة الأولى بمهرجان "أنفولام" الفرنسي، كما انتزع جائزة الجمهور وجائزة الشباب بمهرجان "نامور" ببلجيكا. جائزة المهر فى مهرجان دبى للإبداع السينمائي، وجائزة اتحاد نقاد السينما الدولي،وافتك تأشيرة المشاركة فى أوسكار 2009 فى جائزة أحسن فيلم أجنبى من بين 67 فيلما أجنبيا. كما حصل على ثلاث جوائز بمهرجان قرطاج السينمائى بتونس، فى دورته الثانية والعشرين. وجائزة لجنة التحكيم الخاصة فى مهرجان بيروت، وجوائز أخرى كثيرة. وهو فيلم طرق أبواب السينما العالمية وتم عرضه فى مختلف أنحاء العالم ومختلف المدن الأمريكية. أفلام أخرى كانت مهمة من حيث قيمتها الفنية فى تاريخ السينما منها "سنوات التويست المجنونة" لمحمد زموري، "القلعة"1992 لمحمد شويخ، "جبل باية" 1997 لعز الدين مدور، "ريح النسيان" 2003 لبلقاسم حجاج، "رشيدة" 2003 ليمينة شويخ، والذى تطرق لسنوات الإرهاب فى الجزائر ولمعاناة المرأة الجزائرية خلال هذه الفترة من محنة استمرت لأكثر من 15 عاما. ما يمكن تأكيده أن السينما الجزائرية وخلال أكثر من 50 سنة استقلال مرت بمراحل مختلفة، أهمهامرحلة التأسيس ثم الاحترافية، حيث حققت خلال المرحلة الأخيرة، نجاحات كبيرة، حجزت لها مكانة بارزة ومتقدمة فى مقعد السينما العالمية، ونالت عبر تاريخها ومسارها وتجربتها الجوائز العديدة، وأكثر من هذا حققت الرواج العالمي، وأصبحت بهذا واحدة من أهم وأنجح السينمائيات فى العالم. كما تعد أفلامها من أضخم وأبرز الأفلام العالمية التى لاقت تقدير وإعجاب الجمهور والمختصين العالميين، وما الجوائز التى تحصدها فى المهرجانات السينمائية الدولية إلا دليل وبرهان على تألقها وتميز مكانتها.