قيام السلطات البلجيكية بإجلاء ملك وملكة بلجيكا يعنى أن العاصمة بروكسل تعترف ضمنيا بأنها فى حالة حرب - بروكسل تشبه السيدة العجوز تملىء التجاعيد وجهها.. كما يملىء التاريخ جنبات المدينة - تنظيم داعش يعتمد على أعضاء الجريمة المنظمة لتنفيذ مخططاته الإرهابية.. و"بابا نويل" يتزعمهم فى بروكسل - خبير أمنى بالاتحاد الأوروبى: تشديد التشريعات لن يحمينا من الإرهاب والحل فى العمل الأمنى الجاد
هنا العاصمة البلجيكية بروكسل.. الذى ستطير من مطارها طائرات تحمل الموت والدمار إلى ما يُعتقد أنها بلدان مصدرة للإرهاب.. ومن محطة مترو مالبيك القابعة تحت مبنى الاتحاد الأوروبي، سينطلق أيضًا قطار التغيير الثانى ليجوب تلك الدول وعلى رأسها المنطقة العربية، بعدما انطلق سابقه من نيويورك بعد تفجيرات برج التجارة العالمى فى يوم "الثلاثاء" 11 سبتمبر 2001، ودهس فى طريقه دولاً عربية وإسلامية تحت مسمى محاربة الإرهاب.. من هنا من قلب القارة البيضاء وبعد تفجيرات يوم "الثلاثاء" 22 مارس 2016 الدامى الإرهابية، سيتم رسم خطط جديدة - كتلك التى رسمها جورج بوش الأب ونفذها الابن مع صقور البنتاجون، إيذانا ببدء موجة جديدة لتغيير المنطقة العربية.. لكن ثمة شيئاً مختلفاً هذه المرة، وهى هؤلاء الدواعش الإرهابيين فغالبيتهم من دول القارة الباردة. فهل سيتم وضع ذلك فى حسبان قادة الحملة الصليبية المتوقعة؟ تعرضت مدينة بروكسل لأربعة تفجيرات متتالية فى مناطق مختلفة ليس بالأمر السهل، ولن يمر مرور الكرام، على العالم أجمع، وإذا أردنا أن نعرف حجم التأثير والرعب الذى تعيشه بروكسل - بل وأوروبا كافة - منذ تلك التفجيرات الإرهابية، فعلينا أن ننظر إلى خبر قيام السلطات البلجيكية بإجلاء ملك بلجيكا فيليب وعقيلته الملكة ماتيلدا عقب التفجيرات الإرهابية، بعين الاعتبار والتحليل السياسى والتكتيك العسكرى أيضًا، فهذا يعنى أن العاصمة بروكسل تعترف ضمنيا بأنها فى حالة حرب، حيث إنه لا يتم إجلاء الملك والملكة إلا فى حالات الحروب الكبرى، التى كان أخرها الحرب العالمية الثانية عام 1945. بروكسل عاصمة بلجيكيا ومدينة الشيكولاتة، كما يحب أن يطلق عليها البعض، مدينة قديمة، تشبه السيدة العجوز التى تملىء التجاعيد وجهها، كما يملىء التاريخ جوانب بروكسل كافة، لدرجة تشعرك كأنك تسير فى وسط التاريخ الأوروبي، وهى عاصمة دولة بلجيكا التى تعتبر نصف فرنسية ونصف هولندية، واللغتان تقريباً تتقاسمان بلجيكا، فنصفها الشمالى هولندى، والجنوبى فرنسى، والوحات فى شوارع بعض الولايات البلجيكية تكون فرنسية، ولا وجود للغة الهولندية وبعضها العكس والبعض موجودة معًا. فى العاصمة بروكسل فتجد اللغتين الفرنسية والهولندية تتشاطران المدينة فى كل شىء، كما أنها تكتب باللغة الفرنسية "Bruxelles" وبالهولندية "Brussel". لكن هذا المزج التاريخى والسلام الذى تتمتع به بروكسل لا يجدى نفعًا مع هؤلاء الإرهابيين، ففى سبتمبر الماضى توعد أبوعمر الألماني القيادي بتنظيم داعش هدد بإمارة للتنظيم في أوروبا، وتنفيذ مخططاته الإرهابية بالاعتماد على مجرمين من أوروبا لتنفيذ خططه، وهو ما أكدته نتائج التحقيقات الجارية في دول الاتحاد الأوروبي، بعد العمليات الإرهابية في باريس، أن "داعش" يعتمد في تنفيذ مخططاته على شبكات الجريمة المنظمة التي تروع المدنيين والسياح. كما كشفت نتائج التحقيقات فى العمليات الإرهابية التي نفذها "داعش" في باريس عن مشكلة جديدة، وهي أن التنظيم بدأ يعتمد على أعضاء فى الجريمة المنظمة، وخصوصاً على الشباب من ذوي السوابق والخبرة في هذا المجال. وهؤلاء الشباب حسبما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست"، عادة يشكلون مجموعات إجرامية يشرف على نشاطها المتطرفون. وهذه المجموعات الإجرامية تتألف غالبا من شباب ولدوا في عائلات هاجرت إلى البلدان الأوروبية، ويمارسون سرقة السياح ومهاجمة المتاجر وأغلبهم قضى سنوات من عمره في السجون التي أصبحت مرتعا للمتطرفين. وتضيف الصحيفة أنه فى بلجيكا تزعم إحدى هذه العصابات الإجرامية شخص يطلق عليه اسم "بابا نويل" كانت مهمته تجنيد مقاتلي ولصوص المستقبل، حيث كان يجبرهم على سرقة السياح ليرسل الأموال المسروقة إلى "داعش" في سوريا والعراق، إلى أن تم اعتقاله عام 2014 وحكم عليه بالسجن مدة 12 سنة. نفس هذه الحالة اكتشفت في ألمانيا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي. وهذا الأسلوب الذي يتبعه "داعش" يختلف جذريا عن أسلوب وتكتيك تنظيم "القاعدة". وبرغم أن فرنساوبلجيكا شددتا من تشريعاتهما بحيث يمكن تفتيش المنازل والمحال، إلا فإن خبير الشئون العسكرية بالاتحاد الأوروبى، ألكسندر جوليتز، لا يعلق آمالا كبيرة على تشديد التشريعات، على الرغم من أنها الوسيلة الوحيدة أمام السياسيين للتعامل مع الأوضاع، كما تبين التجارب أن النتيجة لن تكون ملحوظة في ظل وجود شبكات التواصل الاجتماعي ووجود إمكانيات كبيرة لدى الإرهابيين في مجال تجنيد المناصرين، لذلك فإن الوسيلة الوحيدة لمكافحة الإرهاب هي العمل الجاد للأجهزة الأمنية وسط المنظمات الإرهابية. وعودة إلى ثقل مدينة بروكسل، فسنجد أنه برغم صغر مساحتها التى تبلغ نحو 32 كم مربع ويبلغ عدد سكانها نحو 150 ألف نسمة، إلا أهميتها الاقتصادية بحجم أوروبا، حيث إن وجود مقار الاتحاد الأوروبى فى المدينة كانت أحد أسباب اتخاذ الكثير من الشركات العالمية من المدينة مقرًا لها أيضا. وترتبط المدينة بشبكة السكك الحديدية البلجيكة، كما أن هناك خطوطاً مباشرة لمعظم عواصم دول الاتحاد الأوروبى. ويعد جراند بلاس أو الميدان الكبير، أهم معلم فى المدينة، حيث يقع عليه مبنى بلدية بروكسل وكنيسة القديس ميخائيل. وهناك عدة مسارح ومتاحف مهمة فى بروكسل، أشهرها مسرح دى لا مونيه، كما أنها تعتبر عاصمة مجلات الرسوم المتحركة مثل لاكى لوك وتان تان وكوبيتوس وجاستون. فى تفجيرات بروكسل - الثانية بعد تفجيرات باريس – يمكننا القول: إن تنظيم داعش بدأ يعمل كتنظيم جهاد عالمي، يضرب بشكل مخطّط له ومدروس أهدافا محددة، ليتحقق بذلك الكابوس الكبير الذي خشيت منه أوروبا للمرة الأولى أمام أعين سكان باريس المندهشة والمصدومة. كما أنه من المتوقع أن يمر الوعي الأوروبي في الأيام والأسابيع المقبلة بهزّة عنيفة، حيث أصبح الشعور بالأمن في أوروبا هشُا لأبعد الحدود، حتى أكثر مما كان سائدا بعد الهجمات التي نفذتها القاعدة في العقد الماضي فى كل من أمريكا وأوروبا. بل إنّ زعيم القاعدة، دعا فى وقت سابق تنظيم "داعش" الإرهابى إلى توحيد القوى في الحرب ضد الغرب. ومن ثم، فحتى بعد أن تنتهي حملة الجنازات الحالية لن تستطيع أوروبا عامة وفرنسا خصوصاً أنهما تعودا إلى وضعهما الطبيعى، وستدفع دول كثيرة فى المنطقة ثمن هذا الخوف والقلق الأوروبى فى الأيام المقبلة.