لا علاقة لها بالسياسة وقضيتها الأساسية نشر المحبة والسلام - د. عامر التونى: نسعى لأن نكون صوت الصوفية فى العالم - نقف بمنطقة معتدلة فى التصوف دون الدخول فى الفلسفات حتى لا نقع فى متاهات «يا مليحا قد تجلى»، «متى يا حبيب القلب عينى تراكم، «عينى لغير جمالكم لا تنظر» هذه بعض الأغانى التى اشتهرت بها فرقة «المولوية المصرية »، التى تأخذ من يسمع إليها إلى عالم من التأمل والإبحار فى عالم الصوفية، على الرغم من أن هناك فرقا عديدة تحمل اسم « المولوية» على مستوى العالم، لكن « المصرية » تكاد تكون الأشهر حاليا، بعد أن طافت فى أغلب دول العالم تنشر البهجة الروحية، عكس باقى الفرق التى تغرق متابعيها فى أجواء الحزن، والمفارقة أن الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى شاهدها فى الهند وليس فى مصر، عندما استعان بها الرئيس الهندى لإحياء إحدى القمم السياسية وكان الرئيس السيسى من بين الحضور. هذه الفرقة تجاوز عمرها العشرين عاما ولازالت تحظى بقبول الجميع ممن يعشقون اللون الصوفي، وعنها يقول مؤسسها ومنشدها الدكتور عامر التونى: بدأت تأسيس الفرقة عام 1994، حيث تخصصت فى تقديم اللون الصوفى والروحى، بما فيه من رموز ودلائل، لكنى لم أتبع طريقة صوفية معينة حتى لا أحسب عليها، فكما هو معروف هناك مدارس فى التصوف مثل مدرسة العشق الإلهى، وتأتى على رأسها رابعة العدوية وغيرها، وكل منها تتبنى فلسفة معينة، وهو ما بعدت عنه، وتناولت الصوفية بشكلها البسيط حتى لا أقع فى متاهات، فهناك من يرى الصوفية نوعا من الخرافة والأساطير، وغيرها من الأمور شديدة الخصوصية والحساسية التى قد تضعك أحيانا بين مصطلحين هما«المقدس» و «المدنس». وعن الأساس الذى اعتمد عليه فى تكوين فرقته واصل قائلا: نحن نعتمد على تحقيق التوازن فيما نقدمه، ونحاول أن نقف فى منطقة معتدلة فى التصوف، خصوصا أن الجمهور يريد أن يعيش فى المنطقة الناعمة الخفيفة دون الدخول فى الفلسفات، فمثلا لا نستعين بأشعار « سيدى الدباس» التى تدور فى فلك شفافيات الكون التى لا ترى بالعين المجردة، وبصورة تجعل من يسمعها يتهمه بالجنون، ولا يفقهها إلا العارفون بالتصوف، بالتالى ما نقدمه أشبه بالحضرة التى ننقل جوها على المسرح، ومن خلال محتوى وصلت إليه بعد دراسة المولوية بشكلها القديم وفهم أصولها، ومنها خرجت بالشكل الحالى المتماسك الذى يتضمن أكواد وشفرات تلقى للجمهور بوعى بما فيها من علامات رمزية أو إشارية وأيقونية. وعما يقال بأن المولوية المصرية تعد امتدادا للمولوية التركية، رد بأن كل من يقدمون هذا اللون أتباع لجلال الدين الرومى، لكننى عندما قدمته أعطيته الهوية المصرية كابن للحضارتين الفرعونية والإسلامية، كاشفا بأن المولوية منتج صوفى نشأ عن الحضارة التركية، وهى حضارة بحر وجمال وسخونة وتتابع للأمواج، بينما نحن حضارة بحرين ونيل هادئ، بالتالى فالإيقاع مختلف، وإذا كان جلال الدين الرومى رقص ولف العالم حزينا لفقده شمس الدين التبريزى، فالمولوية المصرية تلف العالم فرحا بديننا الإسلامى وبالطقس البهيج، وبالتالى لا نغنى أشعارا فارسية أو تركية، لكننا نغنى أشعار ابن الفارض وغيرها من الأشعار المصرية التى ألحنها بكل الإيقاعات المباحة المبهجة لكل الحضور، وبالتالى تحول طقس المولوية من طقس حزن كما هو معروف عنها فى العالم كله، إلى طقس فرح . وما لا يعرفه الكثيرون أن مؤسس «المولوية المصرية » عمل يوما كمنتج للأعمال الفنية، وعن هذا التحول من عالم الفن لعالم التصوف قال: التصوف ليس غريبا عني، لأنه من مفردات الصعيد، فقد نشأت فى المنيا التى تشتهر بأن أغلب جوامعها تقام لها موالد، مما أتاح لى معايشة ليالى الموالد والحضرات. وبالفعل اتجهت فى مرحلة ما من حياتى للعمل فى الإنتاج الفنى بعد استقالتى من عملى كمدرس، وعودتى من اليونان التى قضيت فيها عدة سنوات، لكن عملى كمنتج أفقدنى كل أموالى، ويبدو أن الله كان يغلق أمامى هذه الأبواب ليفتح لى هذا الباب، خصوصا أنى فى كل الأعمال السابقة كنت على يقين بأنها ليست طريقى، وأن هناك بابا سيفتح لى سأكون نجما فيه، وقد كان عندما رأيت فى منامى سيدنا محمد ومن بعده شعرت بتغير كبير، وطمأنينة غريبة وأنى أصبحت شخصا آخر نفسيا وروحيا، وترسخ ذلك بداخلى بعدما رأيت كثيرا من أولياء الله الصالحين فى منامى، فبدأت رحلتى مع عالم الحضرة والإنشاد، والتردد على مقامات أهل البيت، وأبحرت فى بحور التصوف وتعمقت فيها، ووقفت على بابها وأنا على يقين بأن الباب لا يفتح إلا للواقف أمامه، وقد فتح الله لى بأن هدانى إلى فكرة المولوية التى اتخذتها موضوعا للدكتوراة بهدف عمل توثيق لها بشكل علمى . وعن سر التجاوب والانسجام الذى يحدث بينه وبين جمهور حفلات الفرقة قال: عندما أقف على المسرح لكى أنشد، لا أشعر بأنى أنشد لجمهور ولكن لله رب العالمين، كما أنى على يقين بأن هذا الجمهور لا يأتى لى، لأن هناك أصواتا كثيرة أفضل وأجمل منى، وبالرغم من ذلك لا تخلو حفله من حفلاتنا من الزحام الشديد عليها، فما يجمع بيننا هو لحظة الصدق بيننا وبين الله، بدليل أننا عندما نقدم حفلاتنا فى العالم كله يقبل الجمهور علينا رغم أنه لا يفقه كلمة مما نقولها، فجميعهم لم يأت لنا ولكن يأتون لمن دعاهم، لأننا لا نقدم مدح أقوال لكن مدح أحوال، وهو ما يجعلنا جميعا فرقة وجمهورا، نشعر بأننا نطير ونحلق فى ملكوت الله سبحانه وتعالى. منذ نشأة الفرقة وحتى الآن لم تستعن بشعراء جدد، ودائما مؤسسها هو منشدها وملحنها الأوحد، وحول تفسيره لذلك يقول التونى: لم أجد من يعوضنى عن ابن الفارض وغيره من شعراء المتصوفة، كذلك لم أجد الملحن المتصوف الذى يستطيع أن يقدم جملة موسيقية تقع بين التراث والموسيقى المودرن، ويعيشنى فى الحالة التى أعيشها للناس بألحاني، أما المنشد فلا يعنينى أن أستعين بمطرب لمجرد أن صوته جميل فما يهمنى الفكرة وليس الصوت. وفيما يتعلق بالقضايا التى تتناولها الفرقة أشار إلى أنه لا علاقة للمولوية بالسياسة، ولا هدف سوى تقديم المحبة الحقيقة لسيدنا النبى التى تصل إلى قلوب كل الناس على اختلاف مذاهبهم ومعتقداتهم، فقضيتنا هى المحبة والسلام. وعن أهم الدول التى سافروا إليها أكد أنهم سافروا إلى أغلب دول العالم لكن الهند تحظى بالنصيب الأكبر، لدرجة أنه تم بناء معبد فرعونى لنا فى إحدى الحفلات من قبل الجيش الهندى وكثيرا ما تأتى الدعوات من قبل الرئيس الهندى نفسه حتى أن الرئيس السيسى فوجئ بنا نشارك فى إحياء إحدى القمم التى دعانا إليها الرئيس الهندى وأرسل لنا السفير المصرى ليبلغنا تحياته وإعجابه بالفرقة، كما شاركنا من قبل فى حفل ختام . وعن الجديد الذى يسعى لإضافته للفرقة، قال التونى: نحن نسير بخطى ثابتة، وكل أحلامنا أن تكون «المولوية المصرية» صوت الصوفية فى العالم، كما نحضر من الآن للاحتفال باليوبيل الفضى للفرقة، الذى سيكون فى 2019، وسيحوى مفاجآت غير متوقعة للكثيرين منها تقديم فلامنكو صوفى. الفرقة تضم 12 شخصا ما بين عازفى إيقاع وناى وراقصى التنورة، التى تضيف للفرقة بريقا خاصا برغم أن البعض قد يرى أنه لا علاقة بعالم التصوف، وهو ما ينفيه محمود رزق راقص تنورة حيث يقول: برغم أن التنورة فى الأصل استعراضية ولم تكن التنورة عنصرا أساسيا فى الفرقة الصوفية القديمة، لكنها فى المولوية تعطى رموزا وإشارات، فعادة نبدأ حفلاتنا بالمولوية الأبيض تعبيرا عن الكفن وملابس الإحرام، ثم مولوية ألوان تعبيرا عن ألوان السماء السبعة، ودائما ما يكون دوراننا ناحية الشمال أى ناحية القلب كتعبير عن أن الكعبة فى قلوبنا، ونطوف حولها بالألوان السبع، ورغم أنى أعمل كراقص فى الحفلات الأخرى لكنى منذ عملت بالمولوية منذ 8 سنوات، أشعر بأحاسيس مختلفة فقد جعلتنى أقترب من الروحانية والصوفية بشكل كبير، بشكل ساعدنى على أن أخرج كل ما بداخلى من طاقة، علاوة على أن التنورة لها دور كبير فى منح جو من البهجة للجمهور.