ندى عمران - عبد الكريم خلف: تاريخ واشنطن فى العراق أسود.. وعلاقتنا بروسيا ناضجة ومبنية على المصالح
- عاصفة غضب بين العراقيين بسبب الوجود العسكرى التركى والتلويح الأمريكى بالعودة
- هادى العامرى: لن نسمح لأمريكا بالدخول من الشباك بعد أن خرجت من الباب
قبل أن تهدأ عاصفة الغضب من التلويح الأمريكى بالوجود العسكري فى العراق، بزعم مقاتلة داعش من الأنبار، دخلت تركيا بجنودها ومعداتها الحربية إلى الموصل، لتثير عاصفة أخرى من ردود الأفعال الغاضبة من أغلب القيادات السياسية فى بغداد، التى يبدو أنها لم تعد تملك سلطة إدارة الأمور فى بلاد تمزقها الحروب الداخلية والأطماع الخارجية. فمن جانبه أعلن وزير الدفاع الأمريكى آشتون كارتر، عن عزم بلاده إرسال قوة متخصصة لتعزيز القوات العراقية فى مواجهة تنظيم (داعش)، وقال كارتر، إن واشنطن تعتزم تكثيف الضغوط على تنظيم داعش فى مدينتى الرمادى العراقية والرقة السورية، من خلال الضربات الجوية والعمل المباشر على الأرض.
فى حين صرح وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى أثناء وجوده فى مقر حلف شمال الأطلسي، أن الجيش العراقى لا يمتلك حضورا عدديا كافيا بعد، وأقر كيرى بالمكاسب الميدانية التى حققها تنظيم "داعش" فى العراق أخيرا بسيطرته على مدينة الرمادي، لكنه قال إن الاستعدادات العسكرية العراقية لم تكن على قدر المستوى فى المنطقة، متعهدا ب"انقلاب قريب" للأوضاع.
على الجانب العراقى، جاء الرد الرسمى على لسان رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادي، الذى قال إن قواته قادرة على تطهير المدن واستعادة السيطرة على المناطق الحيوية والإستراتيجية من الإرهابيين، ودعا الشركاء الدوليين إلى دعم القوات العراقية بالأسلحة والتدريب والاستشارة، وأكد عدم الحاجة لقوات قتالية برية أجنبية على الأرض العراقية، مشيرا إلى أن أى عملية عسكرية أو انتشار لأى قوة أجنبية فى العراق لن يتم إلا بموافقة الحكومة العراقية، والتنسيق معها وفقا لقواعد احترام السيادة العراقية. فيما استنكر رئيس لجنة الأمن والدفاع فى البرلمان العراقي، حاكم الزاملي، وجود قوات أمريكية بالعراق، وهدد بمحاربة أى قوة غربية أو إسلامية تدخل العراق، كما تم محاربة تنظيم داعش، كما عبر الأمين العام لمنظمة بدر، والقيادى بالحشد الشعبي، هادى العامري، عن رفضه لأى وجود برى أمريكى أو أجنبى فى العراق، قائلا (لن نسمح للولايات المتحدة بالعودة من الشباك بعد أن خرجت من الباب). وكانت قوة أمريكية وبالتعاون مع البيشمركة الكردية، نفذت عملية نوعية فى قضاء الحويجة جنوب غربى كركوك، فى أكتوبر الماضى، حين قامت بعملية إنزال جوى وحررت مجموعة من الرهائن، تباينت حولها ردود الأفعال بين مرحب ومعارض، وبرغم المطالبات لكشف الغموض حول هوية الرهائن المحررين، فإن القوات الأمريكية ذكرت أنها حصلت على معلومات استخبارية هائلة، ووعدت بتكرار مثل تلك العمليات.
جيش أردوغان يعقّد المشهد
وقبل أن يحسم الجدل بشأن وجود القوات الأمريكية فى الأنبار، دخلت ثلاثة أفواج من القوات التركية مزودة بأسلحة ثقيلة، إلى معسكر الزلكان فى أطراف مدينة الموصل شمال العراق، وهى تتهيأ للمشاركة ضمن قوات التحالف الدولى فى تحرير الموصل من سيطرة تنظيم داعش، مما دعا رئيسى الجمهورية فؤاد معصوم والوزراء حيدر العبادى إلى دعوة الحكومة التركية لسحب قوتها المتوغلة فى الأراضى العراقية، لأن ذلك يعد انتهاكا للسيادة العراقية، وعلق أحد السياسيين بالقول، إن القوات التركية تريد تصفية الحسابات مع حزب العمال الكردستانى الموجود فى إقليم كردستان. فسارع رئيس الوزراء التركى أحمد داود أوغلو، إلى التوضيح بأن بلاده نسقت مع الحكومة العراقية بشأن الجنود الأتراك الموجودين فى الموصل. لكن اللافت للنظر أن مسئولين أمريكيين، كشفا أن واشنطن على علم بإرسال تركيا جنودا لها شمال العراق، وأوضحا أن تحركها ليس جزءا من أنشطة التحالف الذى تقوده الولاياتالمتحدة. الجدير بالذكر أن تركيا واحدة من الدول التى انضمت إلى التحالف الدولى وعددها ( 60) دولة لمقاتلة داعش، وهى مساهمة فى التدريب والتسليح فيما يتعلق بالحشد الوطنى العراقي. على الجانب الآخر هناك ترحيب عراقى بالتدخل الروسى فى العراقوسوريا، وسبق لرئيس الوزراء العراقى حيدر العبادي، أن رحب بضربات جوية توجهها روسيا ضد تنظيم داعش فى العراق، وقال إن بلاده تتلقى معلومات من سورياوروسيا بشأن التنظيم. وتواصل طائرات حربية روسية توجيه ضربات جوية فى سوريا ضد داعش، وقالت الحكومة العراقية إنها سترحب بتوجيه ضربات روسية لداعش، وذكرت قيادة العمليات العسكرية المشتركة العراقية أن مسئوليها العسكريين يتعاونون على مستوى استخباراتى وأمنى فى بغداد مع روسيا وإيران وسوريا للتصدى لخطر تنظيم داعش. وقال العبادى إن بغداد تتلقى قدرا كبيرا جدا من المعلومات من الحكومة السورية أيضا بشأن تنظيم داعش، فضلا عن مستشارين إيرانيين يقدر عددهم بنحو (110) قال العبادى إنهم يقدمون المشورة والتدريب لقواته فى العراق. وعن التذبذب فى الموقف العراقى حيال الوجود الأمريكى والروسي، قال الخبير الأمنى عبد الكريم خلف، ل «الأهرام العربي»، إن الحكومة العراقية ترفض وجود قوات أمريكية، لأن الأمريكان لديهم أهداف سياسية واضحة، وهى مرتبطة دائما بالمكون السنى الذى يمتد إلى العمق الخليجي، وهذا معناه تقوية طرف على حساب طرف آخر، وأضاف، أن تاريخ الولاياتالمتحدة مع العراق تاريخ أسود، قائم على احتلال وتفتيت البنى التحتية. أما بشأن العلاقة مع روسيا، قال خلف، إنها تمتد لسبعة عقود من التفاهمات الإستراتيجية، وهى علاقة ناضجة، ومبنية على مصالح واضحة، فالتسليح العراقى روسي، كما أن روسيا لم تتدخل بأجندات سياسية، وما تحكمها هى المصالح فقط. ويضيف، أن الأمريكان يريدون تعقيد المشهد، فالقوات التى يتحدثون عنها لا يتجاوز عددها المائة مقاتل، لكن الهدف منها هو إحداث انقسامات طائفية وإذكاء الفجوة العرقية والإثنية.
ويضيف الخبير الأمني، أن أجهزة المخابرات الأمريكية كانت موجودة فى العراق فى الوقت الذى احتلت فيه داعش، وهى مجموعة عصابات، احتلت الموصل، وتمددت إلى صلاح الدين، ثم احتلت الأنبار، ويتساءل، هل قدمت أمريكا التسليح للعراق؟ هل بنت جيشا؟ هل مكنت الأجهزة الأمنية من القيام بدورها الحقيقي؟ ثم يرد: إن أمريكا لن تجلب سوى المزيد من الهزائم للعراق وهى تخطط لتقسيمه، وتدعم ذلك بشتى الوسائل.
وعلى أية حال فإن السؤال الأهم من بين كل تلك التداعيات، هو هل تملك الحكومة العراقية سلطة القرار فى مسألة مشاركة القوات الأمريكية فى القتال فى العراق من عدمه وفق ما تزعم أنه احترام للسيادة ؟ وهل ستتمكن من ردع القوات التركية التى انتشرت على حدود الموصل؟ أم أنها ستطلب المساعدة من القوات الروسية للتدخل كما جاء على لسان أحد نواب البرلمان ؟
لكن بعض العراقيين استدعت ذاكرتهم أطماع الدولة العثمانية فى مدينة الموصل التى كانت تعتبرها خاضعة لهيمنتها، بحسب التقسيم البريطانى فى بدايات القرن الماضي، وكانت تسمى ولاية الموصل العثمانية، ثم عادت بعد ذلك لتكون ضمن ولايات العراق مع بغداد والبصرة، ويعتقد المهتمون بالتاريخ أن تركيا ما انفكت تطالب بولاية الموصل، ومع دخول قوات التحالف فى العراق، مرة بعلم الحكومة، وأخرى بعدم موافقتها، فإن العراق أصبح مسرحا للتدخلات الخارجية، وتبقى احتمالات اندلاع صراعات أخرى قد تفضى فى أبسط نتائجها، إلى التقسيم وفق مخطط بايدن، أو ربما يتيح للأتراك تحقيق حلم الأجداد بإقامة دولة عثمانية جديدة تكون الموصل تحت وصايتها.