عزمى عبد الوهاب لا يخون الشاعر كريم عبد السلام وعيه، حين يكتب القصيدة ذات الحس السياسى، فحين يكتب تسقط مقولات «رفض القضايا الكبرى» التى رددها كثيرون، ممن يكتبون قصيدة النثر، المتكئة على غرفهم السرية المعتمة. فى ديوانه «أكان لازما يا سوزى أن تعتلى صهوة أبى الهول؟» وفى قصيدته «المدينة» يرسم كريم عبد السلام «بورتريه» لما يريده من الثورة، إنها دورة الوجود، التى تبدأ ب «المدينة تموت/ قالها الطفل لأمه ببراءة/ وغمغمت بها الفتاة لحبيبها وسط دموعها/ ونقلها الأب لابنه فيما يشبه الوصية» إنها دورة الوجود التى تنتهى ب» المدينة عادت من الموت/ فتية/ شامخة/ ممتلئة بالرغبة/ وأسلمت قيادها للأطفال». هنا الرموز والإشارات ساطعة الدلالة، لأن اللحظة التى كتب فيها الديوان (من 2011 إلى 2012) كانت كاشفة، لذلك يمنحك كريم عبد السلام مفاتيح القصيدة، عنوان الديوان، حين يقول: "فكرى فى الأمهات اللائى يقترضن من مدخرات أبنائهن/ من أجل ماما سوزى التى تعطف على المرضى". هدا ديوان عن الديكتاتور الذى أخذ من أعمارنا، عن الشهداء الذين يحبون الجلوس على مقاعد الكورنيش الحجرية، عن المخبر الذى يهز يديه فى الهواء بابتسامة كلبية، عن "الوريث" الذى أوقعه حظه العاثر فى بلد ملىء بالحفر والمياه الراكدة، عن المهرج الذى يلتصق ظل الديكتاتور بقدميه. كل قصيدة فى الديوان تختار الإطار الذى يناسبها، فتتحول فى "أين أعمارنا أيها الديكتاتور؟" إلى صلاة وثنية، وفى حالات أخرى نرى اللغة بعذاباتها وهى تستعيد ملامح شهيد، جاءته الرصاصة من خلف، إننا نلمس دمارا روحيا فى لغة بعض القصائد الحادة، حين تنفتح الصالة على الميدان، فيغمر الدم السجاجيد. الديوان يبدأ بتصدير من القرآن: "يا حسرة على العباد" وينتهى بحركة دائرية، وكأن نهرا يعود إلى نبعه، بعد أن صنع روافد عديدة، ينتهى ب "عيون هائمة/ بيضاء بيضاء من الألم/ تصعد إلى السماء/ تحل محل النجوم/ وتشير من بعيد بالضوء الخافت" وهكذا نرى المشهد الأخير فى العام 2012 الذى كان شاهدا على كتابة هذا الديوان.