تقرير إيمان عمر الفاروق الانفتاح علي جميع الأطراف هو الشعار الذي ترفعه الإدارة الأمريكية في التعاطي مع ملف الحرب الدائرة باليمن حتى باتت أشبه «بالجوكر»، الذي يظهر للجميع، فهي تتواصل مع عناصر من الحوثيين وتستضيفهم في مؤتمرات علي أراضيها وفي ذات الوقت تقع وثائق خطيرة عن عملياتها الاستخباراتية بقبضة الحوثيين ليتم تسريبها إلي طهران، وتقدم مقاتلاتها غطاء جويا للمقاتلين الشيعة بالعراق ضد داعش بينما تعلن إدارة أوباما دعمها اللوجيستي والاستخباراتي للتحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين باليمن في مواجهة النفوذ الإيراني. تلك المواقف التي يراها البعض متناقضة، بل متصادمة تلخصها قصة مدينتين هما تكريت وصنعاء علي نحو ما وصفت مجلة «تايم» الأمريكية الأمر ببراعة وإيجاز، مشيرة إلي أن هذا التناقض بدا جليا في دور المقاتلات الأمريكية بتكريت، وتجسد النقيض منه علي مسافة تبعد بنحو 1،200 ميل تقريبا بجنوب اليمن حيث تدعم عمليات التحالف ضد الحوثيين فهي تدك مواقع أعداء إيران بدولة وتساعد علي ضرب حلفائها في أخري! حلفاء إيران الذين تُعلن الولاياتالمتحدةالأمريكية استعدادها لتقديم المساعدة اللوجيستية والاستخباراتية اللازمتين لدحرهما بصنعاء ، كانوا بالأمس القريب علي حد الوصف الذي يحلو للإدارة الأمريكية أن تطلقه عليهم «شركاء محتملين» وهو وصف ترجمته سلسلة من التصريحات والاتصالات إلي ممارسات سياسية علي أرض الواقع أكدتها صحيفة «وول ستريت جورنال» في تقرير خطير لها بتاريخ 29 يناير 2015، والذي حمل عنوانا بالغ الدلالة «تحول إستراتيجي: تقارب أمريكي - حوثي» نشر تصريحات مهمة لعدد من الدبلوماسيين وكبار المسئولين بالبيت الأبيض والخارجية الأمريكية تفيد بإجراء الولاياتالمتحدةالأمريكية اتصالات مع الحوثيين كانت تتم غالبا عبر وسطاء في إطار سعيها لتسخير الصراع الدائر علي الأراضي اليمنية لإضعاف قبضة تنظيم «القاعدة بجزيرة العرب». واستندت الصحيفة إلي سلسلة تصريحات لبعض المسئولين الأمريكيين مثل ادجار فاسكوز - المتحدث باسم الخارجية الأمريكية – الذي قال: «لقد بدأنا تبني نهج جديد باليمن يرتكز أساسا علي فتح قنوات اتصال مع جميع الأطراف المتصارعة باليمن ويمتلك الحوثيون حزمة من الأسباب التي تستدعي بالضرورة انخراطهم في الحوار بشأن مستقبل اليمن السياسي». مسئول أمريكي آخر بوزارة الدفاع الأمريكية رفض الكشف عن هويته قال:»هناك اتصالات غير رسمية تتم مع الحوثيين، وأعتقد أن هذا أمر طبيعيا لا غرابة فيه وهو قائم حتى قبل التطورات الأخيرة « وذلك في إشارة منه إلي سيطرة الحوثيين علي العاصمة صنعاء ولكنه رفض توضيح طبيعة ومدي تلك الاتصالات. وأضاف اليستر باسكي – المتحدث باسم مجلس الأمن القومي – بُعدا آخر تمثل في إجراء تلك الاتصالات في ظل غياب غطاء قانوني لها فلا توجد اتفاقيات رسمية لتبادل المعلومات الاستخباراتية بين واشنطن والحوثيين. وعلي الجانب الآخر ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» نقلا عن بعض قادة الحوثيين باليمن تأكيدهم قيام الولاياتالمتحدةالأمريكية بعمليات تبادل معلومات استخباراتية معهم بشأن المواقع الخاصة ب «تنظيم القاعدة بالجزيرة العربية» منذ نوفمبر 2014 عبر بعض الوسطاء. شهر نوفمبر من العام نفسه وبالتحديد في العشرين منه ،شهد سابقة تُعد الأولي من نوعها حيث استضافت واشنطن علي أراضيها ممثلا عن الحوثيين يُدعي على العماد في زيارة استغرقت بضعة أيام لحضور جلسات الحوار الخاصة ببرنامج الأممالمتحدة الإنمائي لدعم الاقتصاد اليمني، وقام أيضا بزيارة «أتلانتك كونسيل» أحد أشهر المراكز البحثية الأمريكية. تلك الزيارة وفقا لصحيفة «النيويورك تايمز» أثارت علامات الدهشة كون صاحبها حاول إعطاء انطباع عام بالاعتدال والوسطية قائلا: «مرحبا بالإدانات الدولية فإنها تأكيد علي وضعنا المهم باليمن»، وعلي ما يبدو فقد نجح في مسعاه فقد وصفت الصحيفة الحوثيين بأنهم معتدلون خلافا لما قد يشاع عنهم بفعل الشعارات التي يرددونها ويكتبونها علي الجدران والملصقات فوق زجاج السيارات والتي تتضمن عبارات «الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة علي اليهود» والتي غالبا ما تُكتب باللون الأحمر، حيث يتساقط من بين حروفها الدم علي خلفية بيضاء، ولكن – وفقا للصحيفة – فإنه برغم الكم الهائل من العداء الذي تحمله شعاراتهم لأمريكا، فإنهم في حقيقتهم ليسوا بتلك الدرجة من القسوة والوحشية، وذلك وفقا لشهادة من اقترب منهم من السياسيين والدبلوماسيين الأمريكيين. تشارلز سميث - المتخصص في الحركة الحوثية والأستاذ بجامعة توسون - يري أنهم ليسوا مثل حزب الله اللبناني، وأنهم أضحوا القوة العسكرية والقومية الأكثر أهمية باليمن منذ العام الماضي وبدون أدنى شك يرجع الفضل في ذلك إلي الدعم الإيراني لهم ليس بالتسليح فحسب بل بالتمويل». أبريل إلي - أحد أهم وأكبر محللي مجموعة الأزمات الدولية المتخصص - يري أنه نظريا توجد أرضية مشتركة باليمن بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والحوثيين فيما يتعلق بالقضايا الأمنية ومواجهة تنظيم القاعدة، ولكن علي المدى البعيد لابد وأن تصطدم تلك العلاقة بعقبات أهمها الصورة التي روجها الحوثيون عن كرههم لأمريكا فكيف سيتم تجاوز هذا الأمر». كريستوفر ستيفينسن – خبير العلاقات الدولية بجامعة ميسكروديا ببنسلفانيا - في تصريح له بصحيفة «النيويورك تايمز» قال «بدلا من إدانتهم دعونا نعمل معا لمواجهة عدونا المشترك وربما كان هذا هو الوقت المناسب للتحرك في اتجاه منحهم الدعم اللازم لتكثيف جهودهم في ساحة القتال لإحراز مزيد من الأهداف، ففي النهاية لن تتم هزيمة القاعدة سوي بأيدي أبناء الشرق الأوسط». وقبيل انطلاق عمليات التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين باليمن بيوم واحد فقط أماطت الصحافة الغربية اللثام عن ضربة موجعة تلقتها المخابرات الأمريكية باليمن، تكشف عن جانب آخر من الدور الخفي للمخابرات الأمريكية هناك بات يشكل محورا للصراع وربما ورقة ضغط.حيثأفادت صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» الأمريكية، في 25 مارس الماضي باستيلاء الحوثيين في سبتمبر الماضي على وثائق سرية تحتوي معلومات عن عمليات للاستخبارات الأمريكية في اليمن. وأوضحت الصحيفة أن الوثائق تحتوي على أسماء وكلاء الاستخبارات الأمريكية «السي آي أيه»، بالإضافة إلى خطط لإجراء عمليات مكافحة الإرهاب. وحسب المعلومات المتوافرة لدى الصحيفة، اقتحم الحوثيون مقر المكتب الوطني للأمن بالعاصمة اليمنية صنعاء، وصادروا وثائق تحتوي على معلومات استخباراتية أمريكية. ونقلت الصحيفة عن مصدر في «السي آى أيه» قوله إن موظفي المكتب تمكنوا من إحراق عدد من الوثائق، بينما استولى الحوثيون على ما تبقى من الأوراق السرية وقاموا بتسليمها لإيران. وحسب الصحيفة، فقد أدى استيلاء الحوثيين على هذه الوثائق إلى إلحاق خسائر فادحة لشبكة المخابرات الأمريكية في اليمن، وأجبر هذا الأمر واشنطن على تعليق عملياتها في قصف معاقل مسلحين باستخدام طائرات بدون طيار في أجواء اليمن لمدة شهرين، وكذلك على إجلاء عدد من موظفيها الدبلوماسيين من اليمن. وأشارت صحيفة «لوس أنجلوس تايمز «إلي أن ما حدث يشكل معضلة وإشكالية للولايات المتحدةالأمريكية. ووصفه روبرت كوريو – ضابط استخبارات سابق بالبحرية الأمريكية – بأنه يمثل كارثة ونكبة لجهود أمريكا لمقاومة الإرهاب بمنطقة القرن الإفريقي، وأنه أشبه بالكابوس للعسكرية الأمريكية. وأضاف قائلاً: «إن سقوط مثل تلك الوثائق المهمة التي تحوي معلومات دقيقة وخطيرة عن العمليات الأمريكية العسكرية والاستخباراتية باليمن بقبضة المستشارين الإيرانيين لأمر مخيف للغاية، حيث يمكن توظيفه كورقة ضغط ضدنا في حال تعثر المفاوضات الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني». هكذا يتضح أن دور المخابرات الأمريكية باليمن متشابكا متوافقا مع مصالحها وليس كما يحسبه البعض متناقضا.