إبراهيم العشماوى يزداد غليان المشهد اليمنى بصورة متسارعة تربك القوى الإقليمية والدولية، فالحوثيون يتحركون بقوة نحو الجنوب عبر تمدد قواتهم من مناطق الوسط فى تعز والضالع والبيضاء باتجاه المحافظات الجنوبية، بل ووجهوا ضربات عسكرية بالطائرات إلى قصر المعاشيق، حيث يقيم الرئيس عبدربه منصور هادى فى عدن، فى الوقت الذى أعلن تنظيم داعش الإرهابى مسئوليته عن تفجير مساجد فى صنعاء راح ضحيتها نحو 150 قتيلا و100 جريح على الأقل . وبينما وجه عبد الملك الحوثى، زعيم أنصار الله الحوثيين الدعوة إلى التعبئة العامة فى صفوف أنصاره، والقوات الحكومية التى باتت موالية له مدعومة من الرئيس السابق على عبد الله صالح، طالب الرئيس اليمنى عبد ربه منصور هادى، والذى حاز على تأييد سياسى دولى كبير فى مجلس الأمن إلى تدخل عسكرى سريع لوقف سيطرة الحوثيين على كامل البلاد وتفويت الفرصة على إيران للتحكم فى مضيق باب المندب . وعلى الصعيد الميدانى، رفضت محافظة تعز دخول قوات أمن خاصة تابعة للحوثيين إليها وعمت المظاهرات المدينة مما جعل القيادات الأمنية تعيد النظر فى عملية السيطرة عليها، بينما تزداد أعمال الحشد والتسليح لفئات واسعة من الشباب اليمنى تمهيدا لخوض معارك محتملة مع القبائل الموالية للرئيس هادى وقوات الجيش التى لا تزال تخضع بالولاء له، فى الوقت الذى تستعر فيه المواجهات المسلحة بين الحوثيين والقبائل اليمنية فى مناطق أخرى من محافظة البيضاء . خيارات التدخل وأكدت مصادر يمنية ل (الأهرام العربى) أن خيارات التدخل العسكرى فى اليمن فى حال انهيار الوضع فى الجنوب باتت قريبة وممكنة، رغم أنها مسألة معقدة ولها أبعاد وحسابات مختلفة كون الشعب اليمنى مسلح فى أغلبه ومعقد التركيبة الاجتماعية ولديه حساسيات تاريخية من التدخلات الخارجية . وأوضحت المصادر أن المخاطر التى يمكن أن تلحق بالملاحة الدولية فى البحر الأحمر وخليج عدن ستجبر القوى الكبرى على تطبيق قرارات التدخل فى اليمن تحت الفصل السابع بأى صورة لوقف طموحات إيران والحوثيين، مشيرة إلى أن الخيارات المطروحة لا تخرج عن ثلاثية، أولها قيام قوات درع الجزيرة التابعة لمجلس التعاون الخليجى بتنفيذ عمليات نوعية ضد الحوثيين فى حال وصولهم إلى عدن أو مضيق باب المندب لكن هذا الخيار لن يكون سهلا نتيجة تحفظ بعض دول الخليج مثل سلطنة عمان، كما أن اليمن ليس عضوا كاملا فى مجلس التعاون الأمر الذى يستلزم تغييرات فى هيكلة وأغراض قوات درع الجزيرة . أما الخيار الثانى فهو تدخل قوات عربية مشتركة بين الخليج ودول أخرى ترى خطرا فى هيمنة الحوثيين وهو الخيار الذى يندرج تحت فكرة تشكيل قوة عسكرية عربية تناقشها قمة شرم الشيخ التى تنطلق اليوم على اعتبار أن سيطرة الحوثيين تعتبر عملا إرهابيا يضر بالمصالح العربية، لكن هذا الخيار يواجه أيضا مشكلة عامل الوقت والترتيبات التى لا تنسجم مع سرعة الأحداث فى اليمن. ويشير المراقبون إلى أن الخيار الثالث من التدخل العسكرى فى اليمن يمكن أن يكون عبر تحالف دولى يضم الخيارين السابقين من القوات الخليجية والعربية، ولكنه سيحاول الابتعاد عن الاجتياح البرى وسيكتفى بتوجيه ضربات جوية إلى تمركزات الحوثيين العسكرية وقطع الإمدادات الخارجية عنهم خاصة السلاح الإيرانى من خلال فرض حظر جوى وبحرى . تحرك عملى الخيارات العسكرية لصد تمدد الحوثيين لم تعد حديثا هامسا بل باتت على طاولة البحث الجدى نظرا لخطورة الوضع الداخلى وانعكاسه على أمن المنطقة برمتها. وكان القائم بأعمال وزير الخارجية اليمنى رياض ياسين أكد أن بلاده تلقت ردا إيجابيا على طلبها من دول مجلس التعاون الخليجى تدخلَ قوات درع الجزيرة لوقف تمدد الحوثيين. وأضاف ياسين أن رد دول المجلس كان إيجابيا، وهى بصدد إيجاد الآليات المناسبة لتلبية الطلب اليمني، لكنه رفض الخوض فى تفاصيل هذه الآليات، وقال إنها متروكة للمعنيين بهذا الشأن. وشدد على أن الوقت قد حان للتحرك، لأن الحوثيين يواصلون التمدد على الأرض ويحتلون المطارات والمدن ويقصفون عدن بالطائرات ويعتقلون من يشاءون ويهددون ويحشدون قواتهم، مشيرا إلى أن ذلك يدل على أنهم لا يريدون الاستمرار فى الحوار أو الاستجابة لمطالب مجلس الأمن الدولي. واعتبر أن خطاب زعيم جماعة الحوثى عبد الملك الحوثى الأحد الماضى وإعلانه التعبئة العامة بمثابة إعلان حرب، ويتعين على اليمنيين والدول الشقيقة والصديقة ألا تبقى متفرجة وأن تتحرك وتتخذ إجراءات عملية، وإلا فستصبح الأمور صعبة وخارجة عن السيطرة. ومن الواضح أن الرد السعودى لم يتأخر كثيرا، فقد أكد وزير الخارجية السعودى الأمير سعود الفيصل إن أمن اليمن ودول الخليج كل لا يتجزأ، ولوح باتخاذ دول المنطقة الخطوات اللازمة فى وجه أى اعتداء يهدد السلم فى هذا البلد، مشددا على أن الدول العربية ستتخذ الإجراءات الضرورية لحماية المنطقة من عدوان جماعة الحوثى إذا لم يمكن التوصل لحل سلمى للفوضى فى اليمن. وتزامن ذلك مع زيارة قام بها وزير الدفاع السعودى الأمير محمد بن سلمان لمنطقة جازان جنوب المملكة، حيث تفقد القوات السعودية المرابطة على الحدود مع اليمن برفقة كبار قادة الجيش السعودى . ولوحظ أنه زار منطقة الخوبة الواقعة مباشرة على الحدود مع اليمن، وتفقد قوات للتدخل السريع ومحطة للاستطلاع اللاسلكى والإسناد الإلكترونى ومنظومة طائرات (اللونا) بدون طيار، وبحث وزير الدفاع مع قائد المنطقة الجنوبية وقائد قوة جازان وكبار ضباطها سبل تعزيز منظومة العمل العسكرى فى المنطقة. لكن جماعة الحوثى اكتفت بتعليق من عضو المجلس السياسى محمد البُخيتى، والذى أكد أن دول الخليج ستكون المتضرر الأول من أى تدخل عسكرى فى اليمن، وأن السعودية ستتحمل مسئولية ذلك. وعلى الصعيد السياسى يحاول المبعوث الأممى لليمن جمال بن عمر فى مفاوضات اللحظات الأخيرة جمع القوى اليمنية على طاولة حوار واحدة فى الدوحة على أن يتم التوقيع على أى وثيقة يمكن التوصل إليها فى العاصمة السعودية الرياض . وكان بن عمر قد خاطب أعضاء مجلس الأمن عبر دائرة فيديو مغلقة قائلا : إن اليمن تتجه نحو حرب أهلية وقد تتفتت إذا لم يتحرك المجتمع الدولي. وقد أصدر مجلس الأمن عقب اجتماع بيانا بالإجماع أكد فيه دعم الرئيس اليمنى عبد ربه منصور هادى فى مواجهته مع الحوثيين، وتمسكَه بوحدة اليمن. ارتباك أمريكى لكن واشنطن التى أجلت ما تبقى من قواتها الخاصة فى اليمن وعددهم 100 عنصر تشعر بقلق شديد وارتباك من الفراغ الذى سيترك لتنظيم القاعدة، ومع ذلك فإنها تبدو متحمسة لتحرك سريع . وأكد السفير الأمريكى فى اليمن ماثيو تولر إن واشنطن وحلفاءها فى حاجة لاتخاذ قرارات بسرعة للحفاظ على إمكانية التوصل إلى حل سياسى للأزمة فى اليمن. وقال تولر إنه متفائل بأن الفصائل المتحاربة فى اليمن يمكن أن تتوصل إلى اتفاق على تقاسم السلطة إذا تمكنت مجموعة واسعة من الممثلين أن تجتمع خارج البلاد ودون تأثير من أطراف خارجية مثل إيران. وتوقع السفير الأمريكى ألا ينجح الحوار إذا أطيح بهادى أو اعتقل وسقطت عدن وهو ما قد يحدث بسرعة فى رأيه، مشيرا إلى العدد الكبير لقوات الحوثيين فى أنحاء البلاد. واعتبر رئيس لجنة الأمن القومى فى الكونجرس السيناتور مايكل مكويل أن تهديدات الأمن القومى الأمريكى من اليمن ستبقى لغزا بعد إجلاء الولاياتالمتحدة لموظفيها هناك مؤكدا أن اليمن هى واحدة من أكثر المناطق خطورة فى العالم. وأوضح ماكويل أن الغياب الأمريكى سيسمح للمنظمات الإرهابية مثل القاعدة وتنظيم " الدولة الإسلامية " باحتلال مساحة أكبر للتخطيط لهجمات فى المستقبل، وبتوقف عمل المخابرات فإن المؤامرات ضد أمريكا ستزداد، وأضاف أن عدم وجود قدرة استخبارية فى اليمن سيؤثر على الحرب الأمريكية ضد داعش فى أمكنة أخرى وترك الولاياتالمتحدة كفيفة فى المناطق الساخنة مثل سوريا والعراق. وقال النائب آدم شيف عضو لجنة الاستخبارات فى الكونجرس إن اتساع الانقسام الطائفى فى اليمن قد فتح هوة جغرافية بين الشمال والجنوب وازدادت حروب الوكالة بين دول المنطقة هناك، ووجدت التنظيمات المتشددة فرصة جديدة للنمو فى هذا الفضاء الشاسع غير القابل للحكم .