أحمد أمين عرفات برغم رحيله منذ عشرين عاما، فإن أغانيه - التى لم يسجلها فى استديوهات- لا تزال تعيش بيننا، لأنها سجلت فى قلوب وعقول المصريين، وما إن قامت ثورة يناير حتى كانت تملأ ميدان التحرير والجميع يتغنى بها، فمن ينسى «مصر يا أمه يا بهية «، و»يعيش أهل بلدى» و» البقرة السمرا النطاحة»، وغيرها من الأغنيات التى تغنى بها الشيخ إمام الذى تم إشهار جمعية تحمل اسمه أخيرا، سعى لها محبوه وعلى رأسهم الشاعر السيد عنبة، الذى التقيناه لنتعرف منه عن قصة هذه الجمعية وحكايته مع الشيخ إمام وأشياء أخرى كثيرة فى هذا الحوار: كيف بدأت علاقتك بالشيخ إمام؟ بدأت كغيرى من أبناء جيلى الذى فتح عينيه على أغانية خصوصا على التجربة العظيمة التى جمعته بالشاعر أحمد فؤاد نجم، لكن على المستوى الشخصى فقد توطدت علاقتى به منذ أول التسعينيات حتى وفاته فى 1995، والغريب أنه عندما علم بحبى الجارف له ورغبتى الكبيرة فى الاقتراب منه عن طريق صديقين كانا على صلة وثيقة به فوجئت به يأتى معهما لزيارتى فى البيت، ومنذ ذلك الوقت شعرت بكيمياء غريبة تجمع بيننا، فلم تنقطع علاقتى به حتى وفاته، لدرجة أنه ترك عودة فى بيتى لكثرة تردده على وحتى يخفف عن نفسه عبء حمله، وكان الشيخ لا يرتاد سوى بيتين، بيتى ومن قبله بيت أسرة المستشار نورالدين العقاد بالمعادى، وقد أهداهم أيضا عوده الآخر . ما سر سعيك لإنشاء جمعية للشيخ إمام؟ أنا موجه عام إلكترونيات بوزارة التربية و التعليم وعلى المعاش حاليا، ومنذ أن أصبحت متفرغا كرست كل جهدى لهذه المهمة لإيمانى بأنها مهمة وطنية، لأن الشيخ إمام تجربة فريدة وعظيمة لرجل جاء من قاع المجتمع المصرى، ولم يدخل مدرسة ولا جامعة ليصبح مثل أبطال الحكايات الشعبية والأساطير، ولابد من تسجيل هذه التجربة كنموذج للوطنية حتى تتعرف عليها الأجيال القادمة، وأعتقد أن الله وضعنى فى طريق هذا الرجل لكى أقوم بهذا الدور خصوصا أنه ليس له ولد . كيف بدأت الفكرة؟ بدأت مع وفاته فى منتصف التسعينيات وتقدمنا بطلب لإشهارها، لكن النظام السابق رفض، فلم يكن يريد لأغانى الشيخ إمام و نجم أن تعود مرة أخرى للناس فتشعل حماستهم، ولكنى ومجموعة من محبى الشيخ إمام وفى مقدمتهم الشيخ علاء إبراهيم صديقه وتلميذه ومؤسس فرقة "الأولة بلدى" المتخصصة فى تراث الشيخ إمام، أعدنا الكرة هذه الأيام وتمت الموافقة على إشهارها، وكان لإسامة برهان، نقيب عام النقابة العامة للاجتماعيين دور كبير، حيث وفر لنا مكانا بمقر جمعيته بشارع قصر العينى، ولمن لا يعرفه فهو طالب الثانوى الذى سجن مع أحمد فؤاد نجم فى السبعينيات، حتى إن نجم عندما رآه قال للضابط " إنتو فتحتوا حضانة فى المعتقل هنا" وقد ذكره فى قصيدة "صباح الخير على الورد اللى فتح فى جناين مصر، عندما قال " وبلغ يا سمير غطاس يا ضيف المعتقل سنوى .. بصوتك دا اللى كله حماس.. صباح الخير على الثانوى..وأهلا بيكو فى القلعة وياللى فى الطريق جايين". ما أهم أهداف الجمعية؟ نهدف إلى جمع تراث الشيخ إمام الغنائى والموسيقى من مصر والدول التى زارها والتعامل معه بالتقنية الحديثة، فأغانيه لم يتم تسجيلها فى ستديو حتى تكون نقية الصوت بل فى سهرات وحفلات، وبالتالى فالتسجيلات ليست جيدة، كما سنقوم بتوزيع وتدوين الألحان التى ابتدعها بأسلوب علمى وإنشاء مكتبة ورقية وإلكترونية تضم هذه الألحان، فأنا لدى 178 لحنا على العود فقط، ومن المهام التى ستضعها الجمعية على عاتقها مهمة اكتشاف ورعاية الموهوبين المنتمين إلى المدرسة التى يحظى الشيخ إمام بريادتها، وكما قلت يهمنا أن تتعرف الأجيال الجديدة عليه، لذلك سنعمل على إقامة ندوات وحفلات بمصر وخارجها للتعريف بفن الشيخ إمام وإلقاء الضوء على الدور النضالى والتنويرى الذى قام به مع رفيق دربه الشاعر أحمد فؤاد نجم فى مرحلة دقيقة من تاريخ مصر والأمة العربية، والمحزن حقا أنه برغم تعدد الفضائيات وكثرة وسائل الإعلام هناك تجاهل كبير لهذا التاريخ الطويل، لذلك أطالب من خلال مجلتكم كل محبيه أن يمدنا بأى تسجيلات لديه أو أى معلومات أو نوادر . هل واجهتك صعوبات فى إنشاء الجمعية؟ بالطبع خصوصا هذا الطلب الغريب بضرورة تقديم 9 ملفات، واشتراط أن تكون مكتوبة بخط اليد، حتى إنى استنفدت قلمين فى كتابة ما لا يقل عن 30 صفحة، فهل يعقل ونحن فى عصر الكمبيوتر أن يظل هذا الشرط موجودا؟ لك كتابان عن الشيخ إمام فماذا عنهما؟ الكتاب الأول كان عن تجربة إمام مع نجم، ولكن الثانى كان قصة حياته الغريبة، التى بدأت بفقده لبصره بعد ميلاده بشهرين نتيجة علاج خاطئ، وبرغم ذلك تعلم القرآن والتحق بالجمعية الشرعية بالمغربلين، وظل يتعلم فيها لمدة 4 سنوات العلوم الدينية، حتى تم طرده منها بعد ضبطه وهو يستمع للقرآن بصوت للشيخ محمد رفعت من المذياع سنة 1934، حيث كانت هناك فتوى تحرم سماعه من المذياع، وعاش بعدها مرحلة حرمان طويلة، فكان يقضى نهاره فى جامع سيدنا الحسين، وليله بالأزهر الشريف يغطى نفسه بالحصيرة لتقيه من البرد، إلى أن وجد من يوفر له سكنا فى حوش قدم، وظل يقتات من تلاوته للقرآن فى المناسبات، حتى ابتسم له الحظ عندما كان يقرأ القرآن فى صالون للحلاقة، وشاء قدره أن يكون به الشيخ درويش الحريرى الملقب بأستاذ الأساتيذ فى الموسيقى، والذى أثنى على صوته وما إن عرف إمام أنه الحريرى حتى أمسك فى هدومه واقعا فى عرضه لكى يعلمه المقامات وهو ما حدث بالفعل، ثم تعلم أكثر على يد المنشد الدينى الشهير الشيخ عبدالسميع بيومى، حتى التقى نجم لتبدأ رحلتهما مع الشهرة والنجومية . ما المواقف التى جمعتك به وتكشف عن شخصيته؟ لقد كان رجلا مقبلا على الحياة وخفيف الظل جدا، حتى إننى فى أول لقاء قدمت له طبقا من العنب وأنا أقول له " اتفضل عنب يا مولانا" فإذا به بخفة ظل يقول لصديقى اللذين كانا معه " عنبوا عنبوا عند الأستاذ عنبة"، فمنذ هذه اللحظة شعرت بأنه رجل غير متأزم بسبب فقدانه للبصر وأنه مقبل على الحياة ويشع السرور على من حوله، علاوة على أنه كان مؤدبا جدا عفيف اللسان. أغلب الناس لا تعرف له سوى الأغانى الوطنية، ولا يعرفون له تعاملا سوى مع نجم؟ هذا بالفعل ما يشاع ولكن الحقيقة تتنافى مع ذلك، فهو لديه أكثر من 300 لحن، الكثير منها لشعراء آخرين بعيدا عن نجم، علاوة على أنها ليست كلها وطنية بل فيها الأغانى الوصفية والعاطفية الرقيقة جدا والتى تثير الشجون، بل إن أول الأغانى التى جمعته بنجم كانت عاطفية مثل أغنية " أتوب عن حبك" وغيرها، والمفاجأة أنه مارس دور الشاعر، حيث كتب لنفسه ثلاث أغنيات هى "فرح فؤاد الحبيب وجانى" وأخرى غناها لدولة ليبيا عندما ضربتها أمريكا والثالثة كانت بعنوان" غنى يا لبنان يا شعب الجنوب ". هل هناك من ما تتمناه من الدولة للاحتفاء به؟ أناشد الدولة كما منحت رفيق دربه أحمد فؤاد نجم وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى من الرئيس الأسبق عدلى منصور، أن تمنحه نفس الوسام.