أحمد سعد الدين جاء قرار الوزير السابق د.جابر عصفور بإسناد إدارة المسرح القومى للفنان يوسف إسماعيل، مفاجأة لمعظم المهتمين بالحقل الفنى، لكنه قوبل بالارتياح من العاملين بالحركة المسرحية الذين يعرفون هذا الرجل الذى التحق بالمسرح منذ بداية التسعينيات وحتى الآن، ويمتلك مشروعاً مهما لتطوير فرقة المسرح القومي، «الأهرام العربى» التقت الفنان يوسف إسماعيل فى الحوار التالى حيث تطرق لعدد من الموضوعات المهمة. كيف جاء ترشيحك لتولى مسئولية إدارة المسرح القومي؟ القصة تعود لعدة أشهر ماضية، حيث كان الفنان خالد الذهبى مديراً للمسرح القومى قد قارب على وصول السن القانونية للمعاش، وكانت عملية البحث مستمرة على من يخلف الصديق العزيز فى إدارة المسرح القومى الذى كان على وشك الافتتاح، وأصدر الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة حين ذاك قراراً بأن من لديه مشروع أو خطة لتطوير فرقة المسرح القومى عليه أن يتقدم بها وسوف تقوم لجنة من وزارة الثقافة بدراسة المشروعات المقدمة، ثم اختيار المشروع الأنسب لتطوير المسرح القومى، وبالفعل كان لدى مشروع أعددته على مدار الفترة الماضية يتضمن كيفية تطوير شكل الفرقة وإعادة الجمهور للمسرح القومى بعدما أصبحت المسارح خالية، وبعد إلحاح من زملائى تقدمت بالمشروع وتمت الموافقة عليه، وبالتالى تم اختيارى لأتشرف بإدارة المسرح القومى الذى يعتبر حلماً لكل فنان من عشاق المسرح. ما أهم ملامح مشروعك الفنى الذى ستنتهجه من خلال رئاستك للمسرح القومى فى الفترة المقبلة؟ يجب أن نصارح أنفسنا بالحقائق الواقعية حتى نستطيع أن نخطو خطوات إلى الأمام، مصر الآن فى مرحلة صعبة ومتقلبة، وعلينا أن نعرف أن الإمكانات المادية أقل من طموحنا الفنى، والمسرح ليس بعيداً عما يرى حولنا، لكن علينا أيضاً أن نضع فى الإعتبار أننا نتحدث عن مسرح له شخصية محددة ومن اسمه لابد أن نعرف أنه يتحدث عن الهوية والقومية للشعب المصرى، لذلك فأى عرض يتقدم على خشبة القومى لا بد أن يحمل بداخله قيمة إنسانية وسياسية واجتماعية، لأننا لابد أن نحترم عقلية المشاهد الذى يتحمل عبء المجيء للمسرح ويدفع تذكرة حتى يرى وجبة ثقافية تحترم أفكاره وتكون هناك نقاط تماس مع ما يحدث حولنا فى المجتمع، لأن المشاهد يدرك تماما ما يحاك بمصر من مؤامرات داخلية وخارجية، فلو خرجنا عن هذا الإطار سوف نفقد هذا الجمهور العريق وهذه القاعدة الشعبية الكبيرة. هل جمهور المسرح حالياً قادر على استيعاب الأعمال المسرحية الجادة التى تناقش قضايا كبرى؟ لماذا دائما نطلق أحكاماً جزافية على الجمهور دون أن نضع فى الاعتبار التغيرات التى حدثت فى المجتمع، فهل من الممكن أن الجمهور الذى قام بثورتين فى أقل من ثلاث سنوات، وأطاح بنظامين يمتلكان كل أشكال القوة، غير قادر على استيعاب الأعمال الجادة التى تحمل بداخلها تشريح لما يدور فى المجتمع؟ أعتقد أننا بذلك نظلم هذا الجمهور ظلماً بيناً، فأنا متفائل لعدة أسباب أولها، أن هناك شريحة ضخمة من الشباب لديها من الوعى ما يكفى خصوصاً فى الجانب السياسى والفنى، لذلك فأنا أعتقد أن الأهم أن نضع فى اعتبارنا أهمية المضمون ونترك الجمهور يختار ما يريد، وسوف نتأكد من صحة اختياراتنا، لأن الجمهور يذهب للشيء الجيد طالما لديه وعى كافٍ وهذه هى مسئولية وزارة الثقافة متمثلة فى قوتها الناعمة، فنحن نحمل على عاتقنا مسئولية تثقيف الجمهور وتقديم وجبة دسمة تنطوى على رسالة مضمونها هو إعادة تشكيل وعى قطاع عريض من المجتمع المصرى. بعض الأعمال التى تحمل مضامين سياسية لم تنجح فى الفترة الماضية نظراً لحالة الزهق العامة؟ أختلف معك فى ذلك برغم أن ما تقوله فيه شىء من الصحة، لكن دعنا نتحدث بالمنطق، أين تكمن المشكلة؟ هل فى ذوق الجمهور أم فى طريقة تقديم الرسالة إليه؟ من وجهة نظرى أعتقد أن طريقة تقديم الأعمال كانت محملة بالأسلوب الفنى أكثر مما كانت تستوعبه، بمعنى أنه لابد من دراسة سيكولوجية الشريحة الكبرى من الجمهور الذى يستطيع أن يدخل إلى المسرح، ثم اختيار الأسلوب الأمثل الذى يتماشى معه قبل الشروع فى تقديم العمل المسرحى، والدليل أن لدينا عرضاً حالياً من فنانين شباب اسمه "1980وأنت طالع " هذا العرض المسرحى يحمل فى طياته نقداً سياسياً لما يحدث فى المجتمع المصرى ولا تتصور أن الصالة لا يوجد بها مكان لفرد واحد يومياً، رغم أن جميع المشاركين من الشباب حتى المؤلف والمخرج، وهو ما يفسر لنا أن الأهم فى العمل المسرحى هو كيفية تقديم الفكرة بأسلوب بسيط يتماشى مع ذوق وعقلية المشاهد وليس الاستغراق فى الجانب الفنى فقط. كيف يتم اختيار الأعمال التى ستقدم على خشبة القومى؟ مسألة الاختيار تتم بشكل دقيق جداً للأعمال التى سوف تقدم على خشبة القومى، يجب أن نضع داخلها الظروف السياسية الحالية وما يتناسب معها من موضوعات، وهذه مهمة مجلس أمناء المسرح القومى الذى ترأسه الفنانة القديرة سميحة أيوب، وعضوية الفنان الكبير محمود الحدينى، والفنان عبدالرحمن أبوزهرة، والمخرج عصام السيد، والمخرج طارق دويرى، والمخرج مازن الغرباوى، والمخرج خالد جلال، والأستاذة أمال بكير، ثم تأتى بعد ذلك مرحلة اختيار النصوص التى تعرض على لجنة القراءة، وقد انتهى مجلس الأمناء للمضى قدماً فى خطين متوازيين، الأول هو تقديم أعمال كبرى لمخرجين كبار مثل المخرج محسن حلمى، الذى سيقدم عرض مسرحى بعنوان "إخناتون" وهو عرض يناسب طبيعة المسرح القومى، والظرف السياسى الحالى، وأيضاً المخرج الكبير سمير العصفورى، سوف يقدم مسرحية بعنوان "بير السلم" تأليف الراحل العظيم سعدالدين وهبه، وهو نص اجتماعى ساخر يناسب الوقت الذى نعيشه الآن، وهناك أيضا المخرج الكبير ناصر عبدالمنعم، سوف يقدم نصاً بعنوان "ساحرات سالم "، أما الخط الثانى، فهو تقديم عروض لشباب المخرجين حتى نقدم وجوهاً شابة تستطيع أن تخدم الحركة المسرحية فى المستقبل القريب، فلدينا مسرحية بعنوان "قضية أنوف" للمخرج إسلام إمام، والتى تبرز فكرة التعايش بين الكيانات المختلفة، فالإنسان لابد أن يتقبل الآخر بمميزاته وعيوبه حتى يستطيع العيش معه فى مجتمع واحد، والنص يتناول هذا الموضوع بشكل ساخر من خلال قصة الأنف واختلافه وأشكاله وكيف اكتشف الإنسان هذا الفرق، وأيضًا لدينا مسرحية بعنوان "جنة الحشاشين" الحاصلة على جائزة ساويرس الثقافية، من إخراج أحمد الرافعي، وهو مخرج واعد، هذه الأعمال راعينا فيها تقاليد المسرح القومى العريقة وأيضاً التعايش مع الواقع الحالى حتى لا نغرد خارج السرب. هناك مشكلة فى التعاقد مع النجوم للعمل فى المسرح القومى تتمثل فى الأجر وترتيب الأسماء، كيف ستحلها؟ فلنأخذ المشكلة خطوة خطوة، بالنسبة لترتيب الأسماء هناك عرف فى المسرح القومى أن الأفيش بأقدمية الترتيب، لأن لدينا درجات مثل فنان قدير وخلافه، وإذا كان لدى نجم شاب هو بطل الرواية من الممكن أن يتم تقديمه فى الأفيش بالاتفاق مع الزملاء قبل بدء المسرحية، وهذا هو العرف السائد لدينا، أما كسر الأعراف والاتفاقات هى التى تسبب المشاكل، فمن غير المعقول أن يكون لدى فنان وآخر فنان قدير، وأقدم الفنان على الفنان القدير لمجرد أنه يشارك أكثر فى أعمال تليفزيونية، أما التعاقد مع نجوم من خارج المسرح القومى فهذا يتوقف على الميزانية المتوافرة لدينا، فمن غير المعقول أن أتعاقد مع نجم يأخذ ثلث الميزانية لمجرد أنه نجم فقط، لابد أن أضمن به إيراداً كبيراً وإلا فما الداعى للتعاقد معه من الأساس؟ لكن لنتحدث بصراحة أكثر الميزانيات الحالية ليست كبيرة ولاتكفى للتعاقد مع نجوم الصف الأول، بالتالى لن يكون أمامى سوى الصف الثانى والثالث، فى هذه الحالة من الممكن أن أركز على شباب الفرقة وأعطى لهم الفرصة أفضل مائة مرة من التعاقد مع نجوم الصف الثانى والثالث، لأنهم لن يضيفوا شيئاً جديدا للمسرح القومى الذى وقف على خشبته نجوم عظام أمثال يوسف بك وهبى وزكى طليمات وسناء جميل وسميحة أيوب وغيرهم. هل لديك خطة لتسويق أعمال المسرح القومى؟ خطة التسويق القائم عليها هو البيت الفنى للمسرح وليس نحن، وكان هناك اتفاق بين البيت الفنى للمسرح وبين اتحاد الإذاعة والتليفزيون على تصوير المسرحيات التى تعرض على خشبة القومي، لكن للأسف منذ عام 2011 لم تصور مسرحية واحدة، وعن نفسى أعاود الحديث مع البيت الفنى لتصوير الأعمال الكبرى التى تعرض عندنا سواء للتليفزيون أم حتى للقنوات الفضائية، لأن هذه الأعمال تعتبر تراثاً جديداً للمسرح، فهناك شريحة كبيرة لم تدخل مسرحيات مثل "سيدتى الجميلة وسكة السلامة" وغيرها مما عرض فى فترة الستينيات، لكن تصوير هذه الأعمال وعرضها تليفزيونياً جعل الشباب الصغير فى السن يتحدث عن العملاق فؤاد المهندس، وشويكار، وسميحة أيوب، وعبدالوارث عسر، ويوسف وهبى وغيرهم، لذلك أريد العودة إلى تصوير هذه الأعمال حتى نحافظ على تراثنا الجديد بالإضافة لنقطة أخرى، أن عرض هذه الأعمال فى الفضائيات سوف يدر دخل إضافى للمسرح. هل من الممكن أن نشاهد أعمالاً كوميدية على خشبة المسرح القومي؟ هناك فهم خاطئ عند البعض بالنسبة لتصنيف المسرح القومى بمعنى أننا نقدم أعمالاً جادة فقط، الحقيقة أننا نناقش قضايا مهمة فى المجتمع لكن بأسلوب جاد وفى بعض الأحيان من الممكن أن نناقشها بأسلوب كوميدى ساخر، لكن دون إسفاف، وهذا هو الفارق بين كوميديا الموقف وبين بعض الأعمال الهزلية التى قدمتها فرق القطاع الخاص، ولو دققت النظر فى خطتنا الجديدة ستجد أن لدينا مسرحية بعنوان "قضية أنوف" هذه الرواية رغم أهمية القضية التى تناقشها فإنها تفجر مواقف كوميدية حقيقية تتماشى مع تقاليد المسرح القومى، ولو رجعت إلى الوراء قليلاً ستجد أن مسرحية "أهلا يا بكوات" التى عرضت على مدار أكثر من 18 سنه كانت كوميدية من الدرجة الأولى، وكانت تناقش قضايا مهمة بأسلوب كوميدى هادف لذلك عاشت سنوات طويلة. بعد افتتاح المسرح القومى فوجئنا بقرار الغلق لعدم وجود أسوار خارجية كيف؟ إحقاقاً للحق المسرح القومى أصبح الآن تحفة معمارية، فقد تم تجديد بنائه بشكله القديم الذى أنشأ عليه حيث إنه فى عام 1985 قد جدد بشكل مودرن، لكن فى التجديدات الأخيرة عدنا إلى الشكل المعمارى القديم لأن ذلك هو تراث المسرح القومى الذى بنى عام 1920وتم تحديث الخشبة الحلزونية وأسلوب الإضاءة على أحدث طراز، وبالفعل افتتحنا المسرح بعرض "بحلم يا مصر" بطولة الفنان الجميل على الحجار، وتأليف نعمان عاشور، ومن إخراج عصام السيد، وحقق العرض رد فعل جيد، وتم تمديد العرض لمدة شهر إضافى عرضنا منهم يومين، لكن فوجئنا بالجهات الأمنية تطلب إقامة سور خارجى حول المسرح، وهو لم يكن فى الخطة، لكن لدواع أمنية بعد المستجدات على الساحة حالياً وافقنا وتم إيقاف العمل حتى انتهاء بناء السور، ثم نعود لتكملة العرض من جديد. كيف سترتب وقتك بين الإدارة وبين عملك كممثل فى المسرح؟ فى الحقيقة العمل الإدارى مرهق جداً فهو يستولى على ثلثى اليوم، لذلك أفكر جيداً أن أبتعد عن التمثيل فى الفترة الحالية لعدة أسباب أولها أنى أريد التركيز فى الإدارة حتى يقف المسرح على قدميه، والأمر الثانى حتى أرفع الحرج عن نفسى وعن زملائى الذين من الممكن أن يرشحونى لأعمال مسرحية، فيقال أن سبب الترشيح هو وجوده على رأس إدارة القومي، من هذا المنطلق أعتقد أنى أخذت القرار الصحيح فى الوقت الراهن، بقيت نقطة واحدة أريد إيضاحها وهى، أنى مشارك كممثل فى عرض "بحلم يا مصر" قبل أن أتولى إدارة المسرح.