عماد أنور بعد يومين فقط من قيام بعض مشجعي نادي تشيلسي الإنجليزي بدفع شخص ذى بشرة سمراء والتحدث معه بطريقة عنصرية، أعلن النادي إيقاف 5 من مشجعيه، وقال إنه إذا كان هناك أدلة كافية لتورطهما في الحادث، فإن النادي سيصدر أوامر بحظر حضورهما للمباريات مدى الحياة.. هذا مثال واضح للعقاب الرادع الذي يحاصر العنف والتجاوزات في الملاعب الأوروبية، والتي تقلصت كثيرًا في الآونة الأخيرة. العكس تماما يحدث في مصر.. الجماهير ترتكب جرائم أكبر وصلت في بعض الأحيان إلى حرق منشآت الدولة لكن العقاب غير موجود. ناقوس خطر بح صوته لكثرة الإطلاق، وتحذيرات أعيت من نادى بها، ولا تزال الكارثة تزداد يوما بعد يوم، حيث بدأت الفورة الشبابية والطاقة التي كانت إيجابية تنفجر في وجه من حولها، والأكثر خطرًا من كل هذا هو رد الفعل الرسمي لمواجهة هذه الفورة، إما أن يتساهل متجولًا في أروقة التبرير، أو أن يتخذ رد فعل عنيفاً يتسبب في كوارث أعظم يزداد أمامها عند الشباب. فلا يزال الشباب من جماهير كرة القدم، أزمة مستعصية عجزت أفكار المسئولين في التعامل معها، فالعقاب مفقود أمام الجرائم التي تحدث بالفعل، وفاقت أعمال الشغب في الملاعب كل الحدود المسموحة، بل وتخطى الأمر من مجرد رد لمشجعى كرة القدم على ممارسات قوات الأمن، إلى مخطط يختار التوقيت والمكان المناسبين لتنفيذ الأعمال التخريبية..حادث الحريق الذي تعرض له مشروع الهدف الخاص بالمنتخبات الوطنية، في مدينة السادس من أكتوبر، واتهم فيه رابطة مشجعي الزمالك "وايت نايتس"، كرد فعل على مقتل 21 من زملائهم في كارثة "الدافع الجوي"، أكبر بكثير من مجموعة مشجعين، وإن حدث، فالمؤكد أن تلك المجموعات تم اختراقها لصالح من يرغبون في زعزعة استقرار الأمن..توقيت بعض أعمال الشغب التي قام بها المشجعون، يعد بمثابة رسالة إلى المسئولين في مصر، بأن هناك أشخاصا لا يريدون عودة النشاط الكروي مرة أخرى، مهما كلفهم الأمر، فحريق مشروع الهدف جاء فجر نفس اليوم الذي كان مقررًا فيه انعقاد اجتماع مجلس الوزراء، حيث كان مقررًا أن يناقش المجلس قرار عودة الدوري. قبلها ومنذ ثلاثة أعوام تقريبًا جاء حريق اتحاد كرة القدم (الجبلاية)، والذى جاء في اليوم نفسه الذي حكمت المحكمة بالإعدام على بعض المتهمين في مجزرة بورسعيد، وما إن تلوح في الأفق بوادر بعودة النشاط، يكون الرد بالحرق والتخريب. منذ (مجزرة بورسعيد)، وحتى الآن لم يفلح أحد في التعامل مع هذه النوعية من الجماهير، سواء بالحوار أو القانون، وبرغم إعلان المهندس خالد عبد العزيز وزير الرياضة، قبل بداية الموسم (المتوقف)، عن وجود الجماهير ومشاركتهم في تأمين امباريات، إلا أن ذلك لم يحدث، وانتبهنا على كارثة أخرى راح ضحيتها 21 من الشباب. شغب الملاعب بات أزمة ليس لكرة القدم فقط، بل للدولة بأكملها، وفي برنامجه (الملعب)، راهن الإعلامي أحمد شوبير على أنه لو كان مسئولا، لأعاد النشاط الكروي في 48 ساعة، وأعلن تسلحه بالقانون لمواجهة الشغب، وفي حال كسر أي شخص للقواعد، يكون مكانه خلف القضبان، دون تهاون أو هوادة..في أكتوبر من العام الماضي (2014)، قررت لجنة التشريعات الاجتماعية المنبثقة عن لجنة الإصلاح التشريعي الاجتماع بوزير الشباب والرياضة لمناقشته في أهم التعديلات العاجلة المطلوب إدخالها علي قوانين الشباب والرياضة، وكانت قضية ربط روابط المشجعين "ألتراس" بالأندية وشغب الملاعب على رأس الموضوعات، لكن هناك من يعرقل كل محاولات التفاهم والإصلاح، وهو بالتأكيد من داخل هذه الروابط. وتشهد أغلب ملاعب العالم أعمال عنف وشغب، ربما تفوق ما تشهده الملاعب المصرية، لكن الأفكار التي تعد لمواجهة تلك الظاهرة، هي فقط الفارق بين دولة جادة في إيجاد حلول، وأخرى تكتفي بالتبرير وتضع يدها في أغلال البيروقراطية. فى البرازيل، أسهمت تجربة الأمن الجديدة التي طبقت العام الماضي في ملاعب كرة القدم للحيلولة دون وقوع أحداث عنف، حيث قام مسئولو نادي سبورت بدعوة أمهات العديد من أعضاء رابطة مشجعي النادي "الألتراس" ليشكلن جزءًا من الأجهزة المنوط بها حماية إحدى مباريات الكلاسيكو. ورفع اللاعبون قبل انطلاق المباراة، لافتات كتب عليها، "أمهات الجماهير هن المسئولات اليوم عن الأمن.. أظهروا الاحترام"، وتم تدريب الأمهات اللائي شاركن في عملية تأمين المباراة من قبل سلطات الأمن، وظللن بالقرب من الملعب طوال المباراة يرتدين سترات مكتوبا عليها "أمن الأم". وجاءت إستراتيجية "أمن الأم" لتعطى نوعا من الوعي للجماهير المتشددة والمساعدة على إضفاء أجواء من السلام على عالم كرة القدم. وكما تسبب شغب الملاعب ضياع أرواح مشجعين، وتلف منشآت مهمة، كان سببا في مقتل الكاميروني ألبير إيبوشي مهاجم شبيبة القبائل بعد إصابته بمقذوف ألقي من المدرجات بعد هزيمة فريقه أمام اتحاد العاصمة في الدوري الجزائري، ما دفع الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، لرفض عقوبات رادعة على المتسبب، وطالب عيسى حياتو رئيس الاتحاد الإفريقي الدول الأعضاء بالتعامل بحزم مع شغب الملاعب، حيث لا يمكن لكرة القدم أن تكون الأرض الخصبة لشغب الملاعب. ونادى خبراء الكرة، خصوصا العربية، بسن قوانين صارمة لمواجهة شغب الملاعب، عن طريق متخصصين دون ترك أي ثغرات، تحول دون فرض عقوبة مناسبة على مثيري الشغب، فالعنف المطلق يثمر عن نتائج عكسية، وهو ما ظهر في رغبة رئيس نادي الزمالك، بإدراج مجموعات الألتراس تحت مسمى مجموعات إرهابية، وهو الأمر الذي قابلته محكمة الأمور المستعجلة بالرفض، في حين أنه لا يفلح الحوار مع المخربين. في إنجلترا.. كانت هناك مجموعة من روابط المشجعين تسمى "الهوليجانز"، بدأ الأمر معهم كمجموعة تشجيع عادية، لكن تطور الأمر ليفوق حدود تشجيع كرة القدم إلى آفاق الجريمة، وبلغت العصبية الكروية مداها، وصار الأمر أشبه بالحرب بين تلك الجماعات. كان هوليجانز فريق ليفربول الإنجليزي الأقوى في عصر ما، لكن ضعفت شوكتهم بعد مصرع قرابة الثلاثين فردا منهم في حادثة نهائي كأس الأندية أبطال الدوري عام 1985 في ستاد "هيسل" في بروكسل في المباراة التي جمعت فريقهم مع يوفنتوس الإيطالي، حيث تسبب عنف الهوليجانز إلى تحطم وانهيار أجزاء من الاستاد، مما أدى إلى الكارثة، لكن أجهزة الأمن في إنجلترا تعاملت مع الأمر بشدة وحزم، واعتقلت كل من تسول له نفسه تخريب أو تدمير منشأة أو إزهاق روح لا ذنب لها، ولولا ذلك ما استطاعت السيطرة. وكان العامرى فاروق، وزير الرياضة الأسبق، قد تقدم بمشروع تفصيلى لرئاسة الجمهورية يتضمن الخطط التى تهدف إلى القضاء على ظاهرة شغب الملاعب وتكوين هيئة تحت مسمى «الهيئة الوطنية للسلامة والأمن الرياضى»، وتكون مستقلة عن وزارة الشباب والرياضة واتحاد الكرة وتتولى مهام وضع الإستراتيجيات الخاصة بالأمن والسلامة ومنح التراخيص للمنشآت الرياضية، وفى مقدمتها الملاعب والصالات وحمامات السباحة. وتضمن المشروع أيضًا، الاشتراطات التى يتم على أساسها السماح لأى ستاد باستضافة المباريات والأحداث الرياضية المختلفة وذلك وفقاً للمواصفات العالمية مع وضع خطط لتحديد شكل الممرات والتذاكر وبرنامج الحاسب الآلى للتحكم فى التذاكر ودوائر التليفزيون وغرف التحكم وكاميرات المراقبة والبوابات الإلكترونية والحواجز الحديدية. كما يتضمن المشروع كيفية مواجهة شغب الجماهير دون وقوع إصابات أو وفيات عن طريق إخلاء الاستاد حال حدوث حريق أو اقتحام أو انهيار بالمدرجات، مع كتابة اسم الشخص والرقم القومى على حامل التذكرة منعا لتزويرها أو بيعها لشخص آخر، وكذلك وضع اللائحة المالية والتنفيذية الخاصة بسير العمل فى الهيئة وآليات تراخيص المنشآت الرياضية وفقاً للمواصفات العالمية..المشروع جاء محصلة للنتائج التى توصلت إليها دول العالم فى كيفية مواجهة ظاهرة شغب الملاعب، وتضمن التجربة الإنجليزية فى مكافحة هذه الظاهرة. مقترحات للقضاء على الظاهرة الدكتور محمد فضل الله الأستاذ بكلية القانون في الجامعة الأمريكية بالإمارات، وضع 10 مقترحات ذات رؤية علمية للقضاء على ظاهرة شغب الملاعب، وذلك بعد تحليل مستفيض لما فعلته 15 دولة متقدمة في تلك القضية، وبما يتناسب مع البيئة الرياضية المصرية. 1 - ضرورة وضع الدولة لقانون شغب الملاعب. 2 - التسويق الإلكتروني لتذاكر المباريات. 3 - البيع الموسمي لتذاكر المباريات مع تحديد هوية حامل التذكرة. 4 - تطبيق اشتراطات الأمن والسلامة المنصوص عليها في لوائح الاتحاد الدولي لكرة القدم كشرط أساسي على أى ستاد يستضيف المباريات. 5 - الدخول الإلكتروني من بوابات الاستاد بالهوية الشخصية. 6 - تأسيس الشراكة المؤسسية بين اتحاد كرة القدم والأندية والمؤسسات التعليمية لوضع بروتوكولات الحضور لطلاب المدارس والجامعات. 7 - وضع شريحة تأمينية على تذاكر المباريات. 8 - الزيادة التدريجية لأعداد حضور المباريات. 9 - التوسع في إنشاء المقصورات المجمعة والمقاعد التابعة لها. 10 - إعطاء مميزات تشجيعية للملتزمين بالتشجيع المثالي سنويا.