رشا عامر عرضت منظمة الدولة الإسلامية «داعش» شريط فيديو لصبى صغير، يقوم بإعدام اثنين من المتهمين بالتجسس لصالح روسيا فى مشهد صادم للبشرية، ليس فقط جراء القتل ولكن لأن الذى قام به صبى صغير لا يتعدى العاشرة من عمره، أى أن من فى مثل سنه يمسك بالقلم ليتعلم أو بلعبة ليلهو بها وليس بمسدس حقيقى يزهق به الأرواح. ليست بالطبع تلك المرة الأولى التى نرى فيها جنود داعش الأطفال، فقد سبق وتم عرض فيديو يظهر فيه طفل فى الخامسة من عمره، وهو يحمل مسدسا ويتنقل من موقع لآخر خلال تدريب على يد داعش على القتال واستخدام الأسلحة. المسألة أن هذه الممارسات التى يقوم بها تنظيم داعش من خلال سعيه لتلقين الأطفال الصغار فى هذه السن المبكرة جدا أفكارا متطرفة هى فى الواقع محاولة لتشديد قبضته على المنطقة. فهذه اللقطات المثيرة للقلق تنشر حقيقة واحدة وهى أن إرث داعش الإرهابى سيكون طويل الأمد حتى لو انهار التنظيم غدا. المسألة برمتها تدعو للتساؤل عن كيفية وصول داعش إلى تعليم هؤلاء الأطفال وتلقينهم واستقطابهم ! لنبدأ القصة من البداية، والبداية تظهر مع صورة لصبى صغير بشعر بنى طويل وقسمات وجه جميل يرتدى فى معصمه ساعة رقمية كبيرة بأزرار كثيرة كالتى يعشقها الأطفال فى مثل سنه. كان الصبى الصغير يمسك بين أصابعه الدقيقة التى لم يتجاوز عمرها السنوات العشر مسدسا، لكنه ليس لعبة بل هو حقيقى سرعان ما صوبه إلى اثنين من الرجال مطلقا عليهم النار ليرديهما قتلى. لم يستغرق الفيديو سوى سبع دقائق نكتشف من خلاله أن من صوره هم أعضاء جماعة داعش، حيث ظهر الرجلان الروسيان وهما ضابطان من وكالة المخابرات الروسية يعترفان – تحت الضغط – أن مهمتهما كانت اختراق كمبيوتر أحد المسئولين واغتيال أحد كوادر داعش. بجانب الصبى الصغير كان يقف شخص طويل القامة ذو لحية طويلة يتلو آيات من القرآن الكريم، ويعلن أن الرجلين قد تم القبض عليهما من قبل أشبال الخليفة. وفجأة أطلق الصبى النار على رأس الرجلين . لأول مرة تنشر داعش فيديو لصبى يقوم بعملية إعدام. رغم أن الصبى ظهر بالفعل فى فيديو سابق أنه فيديو الصبى الكازاخستانى القابع بجوار أطفال آخرين والذى ظهر فى نوفمبر الماضى فى أحد معسكرات التدريب فى سوريا، حيث أثبت هذا الصبى المسمى "عبدالله" قدرته على الإمساك بالكلاشينكوف وإطلاق النار منه، بل إنه وعد بقتل "الكفار". يظهر فى الفيديو الدعائى الذى يوضح عملية إطلاق النار فى المنطقة التى يسيطر عليها الجهاديون، يظهر الأطفال وهم يتعلمون اللغة العربية لإجادة القرآن الكريم . ثم يذهب الأطفال بعد ذلك فى فترة بعد الظهر لممارسة التمرينات الرياضية والتمارين العسكرية والجرى ورفع الأثقال والتدريب على الرماية وضرب النار والقتال، وفى النهاية يختتم الفيديو برسالة يقول فيها «هذا الجيل يحمل راية الإسلام فى المستقبل». منذ عدة أشهر تكشف الفيديوهات عن تضاعف عدد الأطفال المسلحين الخاضعين للتدريب. ففى الرقة ظهر طفلان يحملان البنادق وبديا كأنهما قادمان من تولوز أو ستراسبورج. وفى تقرير نشره الموقع، ظهر صبى صغير يعلن رغبته فى أن يصبح جهاديا. بينما ظهر طفل آخر يبلغ من العمر 9 سنوات يقول إنه يتم تحضيره للذهاب إلى معسكر للتدريب على استخدام الكلاشينكوف، فى الوقت الذى توقع أحد الموجودين بالفيديو أن يتولى هذا الجيل محاربة الكفار. ووفقا للنشطاء المعارضين للمنظمة الإرهابية، فإن هناك ما لا يقل عن خمسة معسكرات لتدريب الشباب والأطفال. ووفقا للشهادات التى جمعتها صحيفة ديلى تيلجراف فى نسختها الإنجليزية فإن أحد هذه المعسكرات يضم ما بين 200 إلى 300 طفل. ويقول التقرير الذى ورد فى الصحيفة أن هذه المعسكرات تقدم نفسها على أنها معسكرات كشافة ،حيث يقنعون الآباء أن أطفالهم سيحصلون على تعليم دينى وسيتمكنون من حفظ القرآن الكريم. ولكن الذى يحدث أنهم يلقنون الأطفال ويهيئونهم لتنفيذ عمليات انتحارية أو عمليات قتالية. وتضيف شبكة "سى بى إس" الانجليزية أن الأطفال يشاركون أيضا فى طهى الطعام والحراسة والتجسس بما فى ذلك التجسس على أقرانهم. وفى بعض الأحيان يقوم التنظيم بخطف الأطفال وتجنيدهم فى المعسكر دون علم أو موافقة الوالدين حيث يتم فى بداية الأمر تدريبهم على استخدام بنادق كلاشينكوف والقذائف الصاروخية، ومن ثم يتم تقسيمهم إلى مجموعات منفصلة يتم تدريب بعضها على العمليات الانتحارية والبعض الآخر على العمليات القتالية. كما كشفت تقارير إعلامية اخرى أن التنظيم الإرهابى قام بتجنيد الأطفال الأبرياء وأجبرهم على حضور جرائم قطع الرؤوس ورجم النساء فى معسكرات إرهابية بغرض إنشاء جيل جديد يتغذى على العنف والإرهاب. وفى ديسمبر أوردت صحيفة نيويورك تايمز فى طبعتها الإنجليزية شهادة أحد الأطفال المنتمين لداعش قال فيها: "لقد أقنعونا بمبايعة الخليفة والانضمام له" وعند مرور هذا الطفل أمام أحد المساجد الشيعية بالعراق، فإنه فتح سترته أمام حراس المسجد لكى يريهم المتفجرات التى يحملها كنوع من أنواع الدعوة للاستسلام. ويقول الصبى الصغير إنه تم تجنيده فى أحد مساجد حلب بسوريا وأنه انضم لداعش لأنه مؤمن بالإسلام. وخلال المقابلة التى أجريت فى وجود أحد ممثلى المخابرات العراقية، فإن الصبى أضاف أنهم قالوا له إنه إذا لم يقاتل فإن الشيعة سيأتون ليغتصبوا أمه! ويعد استخدام الأطفال فى الصراع السورى سمة من سمات داعش. ففى يونيو الماضى نشرت منظمة هيومان رايتس ووتش تقريرا نددت فيه باستخدام الأطفال من قبل الجماعات المسلحة المختلفة فى سوريا. حيث يتم إرسال الشباب الذين بلغوا بالكاد 15 عاما للقتال. ووفقا للمنظمة غير الحكومية فإنه يتم تجنيدهم فى بعض الأحيان بزعم أنهم سوف يتلقون تعليما مجانيا فى حين أن هناك آخرين ينضمون طوعا لصفوف الجماعات المسلحة. فضلا عن أن هيومان رايتس وثقت من جانبها وفاة 194 طفلا غير مدنى.ولكن خلافا لباقى الجماعات المسلحة فإن داعش كونت حملة تجنيد حقيقية كما حرصت على إظهار مقاتليها الصغار. وتقول مجلة إنترناشونال بيزنس تايمز إن هذا الفيديو الذى يظهر إعدام شخصين على يد طفل لا هدف له سوى غرس ونشر الرعب والخوف فى النفوس. ويعتقد العالم والمفكر البريطانى بمؤسسة "كويليام" شارلى وينتر أن ما يحاول أن تفعله داعش هو إظهار مدى قسوتها بالنسبة لكونها من الجماعات الجهادية حيث تحاول أن تصنع من نفسها وحدة دولية لإظهار أنها قادرة على السيطرة الكاملة على الناس الذين يعيشون فى منطقتها، وبالتالى لا يجرؤون على رفض طلبها بتجنيد أبنائهم. وهذا التحليل يقترب كثيرا مما قاله وسيم نصر الصحفى بقناة فرنسا 24 . ففى نوفمبر الماضى وفى مقابلة تحليلية, قال وسيم نصر إن فيديوهات داعش ما هى إلا رسالة للعالم بأنهم أقوياء وراسخون وأنهم هم الذين يملكون وسائل التغيير. أما جوهر القضية فهو إظهار أنهم مستمرون، وهذا فى حد ذاته بالنسبة للدعاية أهم من إظهار أنهم فى طور تشكيل جيل جديد من المقاتلين الأطفال. ويكفيهم أن يقنعوا هذا الشباب الصغير بأن الولاياتالمتحدة تجند الشباب وتدربه على استخدام السلاح فى نفس هذه السن الصغيرة، كذلك هى الحال فى إسرائيل وعليه فإنهم كمسلمين يقفون وحدهم ضد كل هؤلاء . وبالتالى يقنعونهم بضرورة تشكيل مجتمع مقاتل مثل المجتمع الأمريكى أو الإسرائيلى. أما الصحفى ديفيد تومسون الذى يعمل بإذاعة صوت فرنسا فإنه يرى أن الهدف من كل ذلك هو إظهار أن هناك جيلا جديدا من الجهاديين يستعد لتولى المهمة، وأن من سيتولى المهمة بعد ذلك ليس فقط خليفة وإنما مقاتل من الطراز الأول. وهم يطلقون على هؤلاء الأطفال " أشبال الخليفة" أى أنهم سيصبحون أسودا فى يوم من الأيام وهى رسالة واضحة جدا لأعدائهم.