محافظ بورسعيد يعتمد حركة تنقلات مديري ووكلاء الإدارات التعليمية بالمحافظة    3 حالات تستحق التعويض عن الحبس الاحتياطي وفقا للقانون    «الأولى حصلت على 98.46%».. منطقة الإسكندرية الأزهرية تعلن قائمة أوائل الثانوية الأزهرية 2025 (صور)    سوريا: زيادة أعضاء مجلس الشعب إلى 210 ورفع تعيينات الرئيس إلى 70    أهالي الجيزة يطالبون بسرعة إعادة خدمات الكهرباء والمياه: خلاص بنموت    "تنظيم الاتصالات" يكشف تفاصيل حوكمة أجهزة المحمول والتلاعب بمنظومة الإعفاءات    إسرائيل تستدعي السفير الفرنسي في تل أبيب    صحيفة صينية: بكين وواشنطن بصدد تمديد هدنة الرسوم الجمركية 90 يوما    حكومة غزة: 73 شاحنة مساعدات دخلت شمال وجنوب القطاع تعرّض معظمها للنهب والسّرقة تحت أنظار الاحتلال    كوكا ينضم لمعسكر الاتفاق السعودى ويستعد للخضوع للكشف الطبى    السلطات الأمريكية تسعى لتوجيه تهم الإرهاب والاعتداء ضد منفذ هجوم الطعن في وول مارت    تعرف على لائحة المخالفات والعقوبات لدورى نايل للموسم المقبل    مدرب بيراميدز يطالب وزير الرياضة بالتدخل لحماية لاعبي الفريق    أحمد فتوح يؤدى تدريبات خاصة تحت إشراف أخصائى التأهيل بالزمالك    تمت الصفقة.. «كوكا» يصل معسكر الاتفاق في البرتغال لبداية مسيرته مع «النواخذة»    القبض على المتهم بقتل زوجته ب 3 طعنات في الغربية    قصة نجاح محمد عبد النبى السادس مكرر على الجمهورية فى الثانوية الأزهرية    تسجل 46 درجة.. بيان هام يحذر من طقس الساعات المقبلة ويكشف موعد انخفاض درجات الحرارة    بثلاث طعنات قاتلة.. مصرع ربة منزل على يد زوجها في الغربية بتحريض والدته    هدى المفتي تكشف حقيقة علاقتها بأغنية "البخت" لويجز    بدأت باستفتاء وحفل زفاف خفّف حدتها.. قصة علاقة متوترة بين عمرو دياب وتامر حسني    مراسل "إكسترا نيوز" : الاحتلال منع دخول بعض الشاحنات بحجة اكتظاظ الساحة    عادل إمام السبب.. يوسف معاطي يكشف كواليس استقالته من التليفزيون وART (فيديو)    هل الحر الشديد غضب إلهي؟.. مركز الأزهر العالمي للفتوى يوضح    قافلة من بيت الزكاة والصدقات محملة بآلاف الأطنان من الغذاء فى طريقها لغزة    أعراض الإجهاد الحراري، احذريه فى الطقس الحار    نصائح للتعامل مع ضعف الشهية عند الأطفال فى الطقس الحار    الحرارة تصل ذروتها غدا.. نصائح لحماية نفسك في الطقس الحار    رفضت عرسانًا «أزهريين» وطلبت من زوجها التعدد.. 19 معلومة عن الدكتورة سعاد صالح    نجم الزمالك الصاعد: تجربة الجونة عرفت الناس اسمي    حرارة الشمس تحرق الاحتلال.. إجلاء 16 جنديا من غزة بسبب ضربة شمس    في الحر الشديد.. هل تجوز الصلاة ب"الفانلة الحمالات"؟.. أمين الفتوى يوضح    محافظ الوادي الجديد ينعى مدير الأمن الراحل إثر حادث سير بالمنيا    تحقيق| «35 دولارًا من أجل الخبز» و«أجنّة ميتة».. روايات من جريمة «القتل جوعًا» في غزة    تأجيل محاكمة 108 متهمين بخلية "داعش القطامية" ل 28 أكتوبر    ب "لوك جديد"| ريم مصطفى تستمتع بإجازة الصيف.. والجمهور يغازلها    وزير السياحة: نستهدف شرائح جديدة من السياح عبر التسويق الإلكتروني    بعد شكاوى المزارعين.. استقرار منظومة الري بمنطقة «الأمل» بالإسماعيلية    الغربية تستجيب لمطالب أولياء الأمور وتُخفض الحد الأدنى للقبول بالثانوي العام    رئيس اقتصادية قناة السويس يستقبل وفدا صينيا لبحث التعاون المشترك    مرسى مطروح: 21 مخالفة في حملة تفتيشية على محال اللحوم والأسماك والدواجن    رسميًا.. تحديد موعد مباراتي منتخب مصر ضد إثيوبيا وبوركينا فاسو بتصفيات مونديال 2026    غدًا.. وزير الثقافة ومحافظ الإسكندرية يفتتحان الدورة العاشرة لمعرض الإسكندرية للكتاب    الثلاثاء.. سهرة غنائية لريهام عبدالحكيم وشباب الموسيقى العربية باستاد الإسكندرية الدولي    مستشار الرئيس: أنهينا كل معوقات إجراءات تقنين الأراضي.. ولا تهاون مع المخالفين    7 عادات صباحية تُسرّع فقدان الوزن    قبل كوكا.. ماذا قدم لاعبو الأهلي في الدوري التركي؟    داليا مصطفى تدعم وفاء عامر: "يا جبل ما يهزك ريح"    هل الحليب يساعد على ترطيب الجسم أفضل من الماء؟    مصرع طفل صدمه جرار زراعي بالفيوم    مجلس جامعة بني سويف ينظم ممراً شرفياً لاستقبال الدكتور منصور حسن    الجيش السودانى معلقا على تشكيل حكومة موازية: سيبقى السودان موحدا    تفاصيل تشاجر 12 شخصا بسبب شقة فى السلام    شاهد أحدث تصوير جوي لمحطة حاويات تحيا مصر 1 بميناء دمياط    وزير التموين يفتتح سوق "اليوم الواحد" بمنطقة الجمالية    جواو فيليكس يقترب من الانتقال إلى النصر السعودي    مصر تنتصر ل«نون النسوة».. نائبات مصر تحت قبة البرلمان وحضور رقابي وتشريعي.. تمثيل نسائي واسع في مواقع قيادية    «الحشيش مش حرام؟».. دار الإفتاء تكشف تضليل المروجين!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما بين السيريالية والإشراقات الصوفية يتحرك اللون.. ثلاث تجارب تشكيلية شابة.. تبحث عن الإنسان
نشر في الأهرام العربي يوم 29 - 12 - 2014


عزمى عبد الوهاب
تجارب جديدة ورؤى مختلفة يقدمها ثلاثة من شباب الفنانين التشكيليين فى قاعة «آرت جاليري» بوسط القاهرة، حيث تتجاور تجربة فدوى رمضان مع تجربتى أشرف إبراهيم وبهاء عامر، فى حوار بين اللون والشعر، ففى القاعة نفسها أقيمت أمسية شعرية، فى أداء جديد يعكس تضافر الفنون وتعانقها فى سبيكة واحدة، حيث يتحول اللون إلى كلمة والكلمة على لون، ففى القاعة ذاتها تجاورت تجارب شعرية ثرية للشاعرين على عطا ونجاة على.
تعكس تجربة الفنانة فدوى رمضان فى الألوان المائية تجريدية شفافة تستقى رونقها من بهاء الهندسة الإسلامية ومربعاتها، ويسيطر الأزرق السماوى على روح أعمالها لتصل إلينا فى شكل دوائر صوفية، تكاد تدور معها حواسك، وتنطفئ سخونة الأحمر والأصفر، لتظل فى تيه بريء غير بعيد عن مربع اللوحة.
كان اختيار فدوى رمضان موفقا فى تأطير مربع للوحاتها، ما يمنحها حرية بلا مفردات عضوية أو تشخيصية، إنما هى خطوط غير مرسومة بفرشاة حساسة حساسية الماء ذاته، فتكاد تشعر بأنك طائر تحلق فوق أمكنة، لا تحدها الفنانة بمكان معين أو حتى تجعل لها ظلا، إنما أنت فوقها تماما، كإنسان يشكل المكان أو يعيد تشكيله، وكأنها تقول لنا فى لغة شعرية رهيفة إن هذه الأماكن التى ترونها من خلال هذا الماء من الممكن أن تكون أى مكان، وكل الأماكن فى الوقت ذاته، لأن المكان الذى أبدعته الفنانة فى لوحاتها هو ظلك أيها الإنسان.
لوحات الفنانة فدوى رمضان بمثابة رحلة باطنية، تتجاوز المرئيات المتعينة والسطوح العادية للأشياء، وكأنها بكل بساطة تتعداها للأعمق، فتبدو رؤية ميكروسكوبية للخلايا الحية للنباتات والصخور أو هى لخلايا الإنسان ذاته، وتتركنا تلك الأعمال فى حيرة أهى ميكروسكوبية فعلا أو هى على النقيض تتعلق بالكون كله، ونرى أنها أعمال تتعلق بالحالتين معا، أى العالمين، متناهى الصغر ومتناهى الكبر، بمنطق بيت الشعر الشهير: «وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر».
الإنسان فى لوحات «فدوى رمضان» كون صغير، لأن أعضاء جسمه شبكة واحدة كثيرة الأجزاء، تمثل كل ما فى الكون، ابتداءً من المجرات، وانتهاءً بحالة الوعى الكونى الشامل، الذى ينام داخل كل منا، إلى أن يستفيق، فالقلب صورة مكثفة عن الشمس، مصدر الحياة وقلب الوجود الذى يتوسط نظامنا الشمسي، والقلب البشرى ينبض بإيقاع قلب الشمس ذاته، وهو على اتصال معنوى بالقلب الباطنى للكرة الأرضية، ذلك فى تصور بعض الفلسفات الباطنية.
الإنسان إذن خلية من خلايا الكون الكبير بكل ما فيه، وهو يحيا مغامرة الحياة الرائعة بكل ما فيها من تنوع، إنه جزء من كل، تربط المحبة أجزاءه بعضها ببعض، مثلما تربطه بالوجود بأسره، لكن هذا الكون الصغير يتألم لأنه لا يدرك وحدته مع الوجود، ولا يعى المعرفة الكامنة داخله، ولأنه كون صغير فهو يتفاعل ويتأثر بالكون الكبير ويؤثر فيه؛ وبما أنه على سفر دائم داخل نظام كونى عادل لا يخطئ بتاتا، فإنه إذا أثَّر فى النظام سلبا وتسبَّب فى خلل ناجم عن فكر أو قول أو فعل، مهما كان بسيطا، فعليه أن يدفع الثمن، أما إذا كان فى تناغم مع النظام فإنه يتمتع بكل إيجابياته.
تلك هى معانى الأشكال والألوان التى تضعنا أمامها تلك اللوحات التى تبدو بسيطة وصغيرة، لكنها ذات رؤى عميقة تحتمل تأويلات كثيرة، تتعدد وتختلف باختلاف فهم ووعى وثقافة المتلقى لتلك الأعمال، لكنها تظل جميلة مهما اختلفت الرؤى.
«العالم يملأه الضجيج، مشحون بالصور، يموج بالعلاقات، تتشابك فيه الرؤى، وتتقاطع فيه الخيوط، أشعر بالتيه فى طياته، فألتمس طريقى بالرسم والتلوين، محاولا الإمساك بلحظة حية، وأشرحها على سطح اللوحة، فعلى كثرة المفردات التى تكون معجم الحياة لدي، أشعر بأننى أقوم بتجريد تلك المفردات من علاقاتها الحقيقية، وأزج بها فى واقع موازٍ لذلك الواقع شديد الوطأة، فتخرج مفرداتى ميتافيزيقية تقترب من السيريالية التى تخفى أكثر ما تظهر ما يعتمل فى نفسي».
هكذا يقول الفنان «بهاء عامر» مؤكدا أن إحساسه هذا ربما يكون ناجما عن المساحات التجريدية التى يشغل بها سطح اللوحة الفضفاض، فى تحدٍ دائم لتلك المسافة البيضاء فضاء اللوحة، ومن خيط واحد فى اللوحة يستطيع هو كمتلق أول أن يدرك أنه يعيد بناء الحياة، أو من خلالها يعيد ترتيب مشاعره، ويسترجع أحاسيس كامنة خلف السطوح والمساحات والخيوط والخطوط والألوان، كما لو كان يدخل مسرحا لعرائس الزمن، حيث يدور كل شيء، يتحدث كل شيء، من لحظة صمت، كما الحياة فى واقعها، أو على الأقل ما يعيشه هو على تلك الأرض وهذا العالم، فى ذلك الوقت المحدود جدا من الزمن الذى يتسارع طول الوقت».
يقول بهاء عامر: « ما من أبطال لدي، فكل مفردة هى بطل فى محيطها، لها دور ووظيفة، إن لم تكن عضوية فقد تكون مساحة لونية صماء مشغولة، أو مجرد خط يتحول إلى خيط يقود العين إلى مفاجأة فى الطريق، تتحرك مفرداتى دائما أو تكاد، كالزمن تماما، يقولون ما الحياة إلا مسرح كبير، وأقول إن المسرح هو حياة كبيرة، عرائسها على سطح لوحتي، تعيش أدوارا، تتغير بكل رؤية، وكل زاوية ينظر من خلالها إليها، لكنها تظل تحمل ما أعجز عن التعبير عنه فى كلمات – يقول بهاء عامر - فالكلمة لدى هى لوحة تحمل الكثير من المعانى خلف الصور، قد أمتلك الجرأة فأكتب على سطح اللوحة، لكنه مجرد خط يحمل معنى ليس مقصودا بذاته، إنما هو نص بصرى ضمن نصوص اللوحة لا يمكن تجاوزه، لكن أكثر الناس لا يعلمون، لأنهم يقصرون ذلك النص على قراءته الحرفية، فيتوهمون أن النص عاجز عن الإفصاح، إنه نص، خيط من الخيوط، دلالاته تلتصق بالحياة والوجود والزمن، فلا يمكن فض أختامه إلا من خلال فهم الرسالة كاملة، رسالة اللوحة، سر الإنسان والحياة والزمن".
يكاد فن التصوير والرسم أن يبلغ أوجه إن لم يكن قد بلغه بالفعل، ما جعل البعض يقول بموت الفن منذ أكثر من أربعة عقود، إلا أن الفن دائما قادر على المقاومة والصمود وتجديد خطابه، لأنه ببساطة شديدة مرتبط بالإنسان، فطالما يتنفس الإنسان يتنفس الفن..هنا يسأل الفنان أشرف إبراهيم: هل من جديد؟ ويقول: "لقد رأيت وتعلمت الفن وعرفت الرسم صغيرا، فلم تستهونى فكرة تصوير الطبيعة أو النقل عنها، فما كان ثابتا فى قناعاتى أن الفن سر، وأنه حالة وإيحاء، والسر فى باطن الإنسان والكائنات، وكل إنسان بطبيعته فنان، لكن لكل منا طريقته فى إظهار فنه، والفن طاقة لا تفنى ولا تستحدث من عدم، وبهذا التصور فالحياة فن إذن، ونذهب أبعد من ذلك ونقول بأن الفن هو الإنسان نفسه".
ويتساءل أيضا: ما الحالة التى أعبر عنها؟ وما الإيحاء الذى أسعى لتوصيله؟ لقد انتهى عصر الفنان النبيّ، أى الذى بأعماله الفنية يخبر الناس عن شيء خفيّ عنهم، أو ينبئهم عن واقعهم، لقد غدا الفنان يفكر مع متلقيه بالصورة، بمنطق أدبيات ما بعد الحداثة والعولمة فى الفنون البصرية. يقول: ذهبت أبحث فيما يجعل تلك المساحة البيضاء على سطح الرسم أيا كان ورقا أو قماشا أو غيره لوحة؟ هل هو الفكر؟ أم الأحاسيس؟ أم الأداء؟ مع أن كل لوحة مهما كانت لديها تلك المحركات التى تعمل فى الغالب معا لإنتاج سطح ما، قادرة على التعبير والتواصل، فأصبح ما أقدمه من فن يتجاوز المحسوسات، ولا يسلم بالمجردات فى عمومها، فصارت حالتى بحثا عن ذاتى وروحى.. فما أعرضه الآن – الكلام لأشرف إبراهيم - هو مرحلة بحثية تسعى لكشف الذات الأولى للإنسان فى تجلياتها البدائية وما قبل التاريخ، أقرب ما تكون لأدوات الإنسان الأول البدائي، فى معالجات تقترب كثيرا من الحس الصوفى البصرى من تنويعات ترد المتلقى لذاته هو، كانعكاس لرؤية تقبض عليها اللوحة، فى غير تباين كبير من لوحة لأخرى، حتى ليشعر المتلقى أن النقلة من لوحة لأخرى هى زحف ناعم من سطح لآخر، وليست قفزة بين الصخور العالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.